بعد أن ذهب التأمين الصحي وبقي المرض!! متقاعدو مصفاة حمص يطالبون بإعادة الرعاية الصحية
طالب العمال المتقاعدون من مصفاة حمص، والبالغ عددهم أكثر من 400 عامل، الجهات الوصائية بإعادة التأمين الصحي الذي كان يشملهم خلال تأديتهم الخدمة في الشركة.
وجاء في كتاب الاعتراض الذي أرسلت نسخة منه إلى رئيس الجمهورية ومجلسي الشعب والوزراء ورئيس اتحاد نقابات العمال: «إننا نحن العمال المتقاعدين من مصفاة حمص، كنا شباباً وأصبحنا كباراً، أعطينا الشركة كل جهد فني وإداري وانتاجي وتخلل ذلك مخاطر طبيعة العمل، مما أدى إلى وضع صحي متدهور ظهر جلياً بعد التقاعد. . . لذلك نطالب بإنصاف متقاعدي شركة مصفاة حمص من خلال استمرار الرعاية الصحية بموجب الإضبارة التي كانت مفتوحة لكل عامل ضمن الضمان الصحي الذي كان موجوداً خلال عمله قبل التقاعد، وذلك تكريماً لمن عمل في شركة مصفاة حمص، من خلال إصدار القرار اللازم لاستمرار العناية الطبية في المشفى العمالي، وصرف الدواء والإحالة الطبية بكافة أنواعها، تكريماً لما بذله هؤلاء العمال خلال عملهم في شركة مصفاة حمص،و تخليداً لذكرى إعادة تشغيل المصفاة أثناء حرب تشرين التحريرية خلال فترة وجيزة، إضافة إلى الإسهام الكبير الذي قدموه من خلال رفع قدرة المصفاة التكريرية من 1 مليون طن في السنة إلى 6 مليون طن في السنة، مع المحافظة على خلو المنتجات من الشوائب ومنع التلوث البيئي».
وضع صحي متدهور
مكتب قاسيون بحمص وقف على الواقع الميداني لهؤلاء المتقاعدين الذين أصبحوا بحالة صحية مزرية نتيجة ارتفاع تكاليف الطبابة وعجز الراتب التقاعدي عن تأمين تكاليف العلاج.
● يقول خالد سليمان: «خدمت المصفاة لأكثر من 32 عاماً، وكنت أعمل كيميائياَ في المخبر لتحليل المشتقات النفطية بما فيها إضافة المواد الكيميائية للتحاليل الكاملة وتبيان صلاحية استعمال المشتقات النفطية، وأثناء الخدمة حدث معي وكما هو مثبت في الإضبارة الصحية فتق بالحجاب الحاجز، وضغط شرياني وتضخم في القلب، إضافة إلى كسر في المفصل الحرقفي الفخذي الأيمن بسبب إصابة عمل، أما الأمراض التي ظهرت بعد التقاعد فهي حصى في المرارة وتضخم بروستات وارتفاع الضغط الشرياني، حتى أصبحت اليوم غير قادر على الحركة، وبعد أن أفنينا زهرة شبابنا من أجل خدمة الوطن وازدهاره الاقتصادي، فإن الدولة تتهرب من تكاليف علاجنا بعد إحالتنا إلى التقاعد، رغم أن الأمراض التي حدثت معنا، ما كانت لتحدث لولا ظروف العمل القاسية والخطرة،وبالتالي يجب إعادة الرعاية الصحية إلينا لأن الأمراض التي نعاني منها اليوم ظهرت نتيجة ساعات العمل الطويلة التي قضيناها في خدمة الوطن».
● أما العامل مروان النجار فيقول: «خدمت المصفاة مدة 27 عاماً، وكنت أعمل في قسم المستودعات والترحيلات، بما فيها إضافة رابع أفيل الرصاص إلى البنزين الممتاز، وبسبب ذلك وصلت نسبة الرصاص في الدم لدي إلى 154 فقمت بإجراء عملية جراحية لتبديل أربعة شرايين لتغذية القلب، إضافة إلى عملية دوالي بالأرجل، لكن بعد التقاعد ظهر لدي تضخم بالقلب، إضافة إلى زيادة نسبة خضاب الدم، وبعد أن قطعت عنا الشركة الرعاية الصحية التي كنا مشمولين بها، فإن وضعي الصحي أصبح في حالة حرجة، لأنني لا أملك تكاليف المعالجة، لذلك نتوجه إلى الجهات المعنية بإعادة الرعاية الصحية إلينا، لأن الأمراض التي حدثت كانت بسبب ظروف العمل، فهل من العدل تركنا للمرض بعد هذه الخدمات الطويلة للوطن؟؟»
● نورس الصباغ أيضاً خدم المصفاة لمدة 32 عاماً، وكان يعمل فنياً في وحدة فصل الغازات رقم 2 بما فيها الضواغط، حيث كان على استنشاق متواصل للغازات المضرة بالصحة.
يقول الصباغ بأسى: «نتيجة ظروف العمل الخطيرة، حدث معي ضغط تنفس ثم تطور الوضع إلى ارتفاع الضغط الشرياني، ومن ثم ديسك بالظهر، وبفضل الرعاية الصحية التي كنا مشمولين بها أثناء الخدمة، فإن الدولة تكفلت بتقديم تكاليف العلاج، لكن بعد التقاعد ذهبت الرعاية الصحية وبقي المرض، حيث أجريت عملية قلب مفتوح، وظهر لدي بعد ذلك داء السكري نتيجة الأدوية التي كنت أتناولها، إضافة إلى آلام مفصلية في الأرجل وهبوط عام في الحركة، وكل هذا يحتاج إلى تكاليف باهظة، نحن غير قادرين على تأمينها مالم يُعد تشميلنا بنظام الرعاية الصحية».
● أما محمد نصري الخولي الذي عمل في المصفاة لمدة 27 عاماً، في قسم صيانة الآليات، فلم يكن وضعه الصحي بأحسن من الآخرين، لأنه تعرض لإصابات عمل متعددة، ثم ظهر عليه بعد التقاعد مرض سرطان الجلد، مما يضطره إلى أخذ جرعات خاصة بأسعار عالية جداً، إضافة إلى أنه فقد عينه اليمنى وأصبح ضعيف الحركة، ثم أصيب بداء السكري،وهو الآن ينتظر الرحمة، ولكن من أين؟ إذا كانت الجهة التي أخذت منه زهرة شبابه، تجد نفسها اليوم بعد أن أحيل إلى التقاعد غير مسؤولة عنه إلا براتب تقاعدي لايكفي لتأمين خبزه اليومي.
عمر العمر أيضا َله حكاية مشابهة ونزيه كاترين ومحمد زهري زهرى وزياد شلار وعبد القادر ويس وزهير حسام الدين وعبد الكريم شمة ومئات آخرين، جميعهم يعانون أمراضاً خطيرة في القلب و الجهاز التنفسي والهضمي، نتيجة سنوات الخدمة الطويلة في المصفاة، عملوا بدأب من أجل زيادة طاقة المصفاة وخدمة الوطن، لكنهم اليوم يموتون بصمت بعد أن رفعت الدولة المظلة الصحية عنهم؟
أين دور النقابات؟
قد لايكون من المستغرب كثيراً أن تجد شركة ما نفسها غير ملزمة بتأمين الطبابة لعمالها بعد تقاعدهم، طالما لايوجد نظام للضمان الصحي يلزمها بذلك، لكن من المستغرب تماماً أن تقف نقابات العمال موقف المتفرج على عمالها وهم يموتون بصمت، دون أن تأخذ دورها كآليات تصحيح تعيد التوازن للسوق في حال اختلاله.
السيد أحمد الحسن رئيس اتحاد عمال محافظة حمص قال في تصريح للصحافة: «إن المادة 65 من قانون العمل القديم لعام 1991 تعطي حق الطبابة وفقا لعدد العمال في كل تجمع، فإذا كان عدد العمال أقل من 500 عامل ينال العامل المعاينة فقط، واذا تجاوز العدد 500 فينال العامل طبابة كاملة ...و بعد أن تم طرح موضوع الضمان الصحي تمسك الاتحاد العام به وأصر عليه، لكن الحكومة وجدت على ما يبدو أن تكلفته كبيرة جدا وبالتالي ألغي الأمر وصدر قانون العاملين الأساسي دون ضمان صحي.»
ثم طرحت فكرة الصناديق المحدثة في المؤسسات أو الشركات وحينها أقر وزير المالية بقدرته على منح مليار و 200 مليون ليرة لتوزع على هذه الشركات كخطوة ما لكن ذلك لم يتم أيضا..
ويضيف الحسن «إن الضمان الصحي موضوع كبير وتكلفته المالية كبيرة ايضا وثمة اختلاف في وجهة النظر بين الاتحاد العام لنقابات العمال وبين الحكومة حيث طرح كل جانب مشروعه، فبينما حدد الاتحاد العام نسبة الاشتراك للعامل ب1% من الراتب لتغطية الضمان الصحي فأن الحكومة طلبت نسبة 3% وتم رفع مشروع قانون للسيد الرئيس ــ تحفظ الاتحاد على النسبة ــ فعاد الموضوع ولم يصدق ثم شكلت لجنة مهمتها اختيار واحدة من المحافظات السورية ــ إما حمص أو حلب ــ لتجريب موضوع الضمان الصحي وربما سيدرسون الواردات التي من الممكن الحصول عليها والنفقات المترتبة أو دراسة متوسط كلفة طبابة العامل وهنا يشمل الضمان الصحي المواطن ــ وليس بالضرورة أن يكون موظفا أو عاملا ــ على كل حال إن ذلك يستوجب توفر بنية تحتية مهيأة من مشاف وكوادر وغير ذلك»
وقال الحسن: «إن شكوى عمال مصفاة حمص المتقاعدين أوحت لنا في اتحاد عمال حمص بفكرة، وحاولنا تطبيقها لتشميل العمال المتقاعدين بالطبابة على مستوى حمص، من خلال الحصول على اشتراك بسيط من العامل ومن النقابات وأرباب العمل، لكننا فوجئنا بأن الرقم كبير حيث إن عدد العمال المتقاعدين في التأمينات والضمان في حمص يصل إلى30 ألف عامل، ولو أردنا منح العامل 10 آلاف ليرة كمتوسط سنوي فهي لا تكفي لإيصال المبلغ المطلوب إلى 300 مليون ليرة، وهو أكبر من قدرة اتحاد حمص بعد إجراء حسابات لما يمكن تحصيله من واردات، ومع تحمل المشفى العمالي بعضا من التكلفة قدرنا المبلغ ب 100-120 مليون ليرة لذا توقفنا لعجزنا عن ذلك وعدنا لننتظر الضمان الصحي في الإطار العام على مستوى القطر»
لكن المهندس مروان الرفاعي الخبير في الصناعات النفطية قال في تصريح خاص لقاسيون: «إن المبلغ المطلوب تأمينه من الاتحاد العام لنقابات العمال هو موضوع يجب معالجته من الاتحاد العام لنقابات العمال، أما متقاعدو شركة مصفاة حمص فإن مطلبهم الرئيسي والضروري هو إعادة استمرار الرعاية الصحية التي كانت مطبقة عليهم خلال عملهم في المصفاة، ويرى الرفاعي أن المبلغ اللازم لتمويل الرعاية الصحية يمكن تأمينه من خلال اقتطاع نسبة من الهدر والحوافز والخطة الإنتاجية السنوية، ومن نسبة المبالغ الموضوعة تحت بند تنفيذ الصيانة الدورية للأقسام الإنتاجية التي تختصر مدتها، وهذه المبالغ المقتطعة يمكن أن تشكل غطاء مالياً لابأس به لاستمرار الرعاية الصحية التي كانت مطبقة على العاملين في شركة مصفاة حمص خلال عملهم ضمن الإضبارة الصحية الموجودة في مستوصف المصفاة لان استمرار الرعاية الصحية خلال التقاعد سوف يؤدي إلى مردود في العطاء لدى العاملين في قطاع النفط..»
في انتظار حسم الجدل حول الخلافات القائمة بشأن الوصول إلى إقرار نظام للضمان الصحي وكيفية تمويله،ثمة أشخاص كثيرون يموتون بصمت من جراء الأمراض التي ألمت بهم خلال مدة خدمتهم الطويلة للوطن، خاصة أولئك الذين عملوا في قطاعات تشكل عصب الاقتصاد السوري كقطاع النفط.
واقع يستدعي تساؤلاَ هاماَ حول ما كان مطروحاَ وما يطرح أيضا من شعاراتِ تؤكد على دور مركزي للعمال والفلاحين في عملية البناء الاقتصادي والتحرر السياسي.