في قطاع الإنترنت السوري الفساد السابق والحالي والقادم

بدأ قطاع الأنترنيت المتنامي بشكل متسارع يشكل وزناً اقتصادياً هاماً، مما زاد التدافع نحوه من رجال الأعمال الجدد، وكيف لا وحجم أعماله السنوي حالياً يقارب الملياري ليرة سورية، ثلثها تحصله الدولة، ويذهب الباقي إلى جيوب الذئاب الشابة، ليحققوا أرباحاً صافية سنوياً تقارب المليار ليرة سورية من الشراكة مع الهواء، ومن تساهل الدولة معهم، وحتى تواطؤ بعض مسؤوليها معهم. من هنا تأتي أهمية هذا التحقيق الذي يكشف آليات النهب والفساد في قطاع جديد ومتنام.

فما هو واقع الانترنت في سـورية حقيقة، ومن هو المسـؤول عن وضعه الراهن؟

بداية هناك أكثر من مخرج للمؤسـسة العامة للاتصالات على الشبكة الدولية، فهناك مخرج في مقسـم المهاجرين، أو ما يعرف بالـ (190)، وهو مزود الخدمة الخاص بالمؤسـسة، وهناك مخرج الجمعية المعلوماتية (SCS)، وهناك ما يعرف بمخرج (PDN) وهو المخرج الذي رُبط عليه جميع المشـغلين الجدد (آية، سوا، إلكم، ..)، وهذه المخارج لا تشـبه بعضها لا من حيث التجهيزات ولا من حيث التشغيل. 

و الأسباب التي قادت إلى الواقع الحالي فهي تتلخص بثلاثة أسباب رئيسـية:

1. أسباب فنية . .

2. أسباب الفسـاد السـابق . .

3. أسـباب الفسـاد الحالي . . 

ولمعرفة تأثير كل من هذه الأسباب ورسـم صورة واقعية لما يحصل، نبدأ بالتسلسل: 

الأسـباب الفنية:

1. بالنسبة لبوابة (190): هذا المشروع بالأساس هو مشروع تجريبي وعوضاً عن أن يتم تأسيس مشروع متكامل بعد انتهاء التجارب، تم اللجوء من قبل الإدارات المتعاقبة إلى توسيع التجربة كاستجابة آنية لاحتياجات البلد. فكان هذا مثل إنشاء بناء كبير على أساسات صغيرة (تجريبية).

2. بالنسبة لبوابة (SCS): هذه البوابة ومنذ نشـأتها تعمل خارج إطار المؤسسات الحكومية السورية ولا تخضع إلا لبعض المعايير التي تخضع لها البوابات الأخرى بسـبب قناعة المتعهد الذي يشـغلها بأنه فوق المعايير والقانون ومن هنا كانت هناك فروقات كبيرة في أدائها عن المزود الوطني.

3. بالنسبة لبوابة (PDN): عقد تنفيذ هذه البوابة بالأساس ومنذ توقيعه خضع لكثير من التجاوزات القانونية والفنية بسـبب القوة التي يمتلكها الشخص الذي يقف وراء هذا الشركة المتعاقدة وموقعه النيابي، ثم وبالرغم من سوء التجهيزات التي ركبت تأخر تنفيذ العقد لمدة سـنتين مما أدى إلى انخفاض أسعار التجهيزات (ونحن هنا نتكلم عن تجهيزات كومبيوترية تفقد قيمتها بسرعة بسبب التغيرات التكنولوجية السريعة) بأكثر من نسبة 60% أي أن الشركة المنفذة قد ربحت إضافة لرداءة التجهيزات، المبالغ الناجمة عن انخفاض قيمة هذه التجهيزات التي وبشكل موضوعي، لا تستحق كثيراً من المبالغ التي صرفت عليها، وبالتالي فإن الواقع الحالي لتجهيزات هذه البوابة يجعلها غير قابلة للاستثمار. 

أسـباب الفسـاد السـابق:

1‌. بالنسبة لبوابة (190): لم تولَ هذه البوابة أي اهتمام وظل الاهتمام بها محصوراً بالحد الأدنى الذي سمح لها بالبقاء عرجاء وبطيئة على الرغم من كل الجهد الذي بذله بعض العاملين للمحافظة على حد مقبول من الخدمات للمشتركين، وذلك لمصلحة مزود الخدمة الآخر (SCS) الذي راح يزيد من عدد مشتركيه على حساب العجز المفتعل في بوابة (190) وبضغط من المسؤولين المتعاقبين الذين كانوا دائماً يعاملون طلبات المهندسين الفنيين بإهمال على قاعدة (إذهب أنت وربك فقاتلا).

2. بالنسـبة لبوابة (SCS): هذه البوابة هي البوابة الأولى في سورية والتي أحدثتها الجمعية المعلوماتية لإدخال هذه الخدمة إلى سـورية، أما ما حصل بعد هذا فهو لسبب أو لآخر يعتبر ظاهرة غير معروف مدى قانونيتها خصوصاً وأن الجمعية تعتبر خارج إطار المحاسـبة بسبب رعايتها التي شكلت غطاءً كبيراً سمح للبعض بأن يوظف الجمعية وبوابتها لمصلحته.

 ولكن كيف حدث هذا:

بدأت القصة عندما أعطت الجمعية لأحد أعضائها حق استثمار وإدارة مزود الخدمة كمتعهد، وقام هذا الشخص بإدارة هذا المزود وكما يقال بالعامية (كان يلبس الطربوش المناسب لكل مناسبة فتارةً هو يمثل الجمعية وتارةً هو شركة وتارةً هو خارج الدولة وقوانينها).

على كل بدأ هذا المدير بتشغيل مزود الخدمة مانحاً المشتركين جميعاً مجموعة من الخدمات التي يمنع على المزود الوطني (190) أن يقدمها مما أدى إلى حصول هجرة جماعية للمشتركين من (190) إلى (SCS) وكمثال بسيط إذا أراد المشترك أن يستخدم إحدى خدمات البريد الإلكتروني مثل «هوت ميل» أو «ياهو» يجب أن يكون مشتركاً بالجمعية حصراً، وهذا ما ساهم بوضع هذا المتعهد على خارطة أصحاب رؤوس الأموال «الكبار» في سورية وأصحاب احتكارات القطاعات، وعندما كانت الجهات الحكومية تطلب إليه الالتزام بالمعايير المطبقة على المزود الوطني، كان يلبس طربوش مجلس إدارة الجمعية فيصبح خارج سلطة هذه المؤسسات!!

3. بالنسبة لبوابة (PDN): طريقة إنشاء هذه البوابة التي كانت تمثل بارقة أمل لرفع سوية هذا القطاع خارج نطاق احتكار (SCS)، تمثل إحدى حكايا الفسـاد بدءاً من دراسة العروض إلى إحالتها إلى العقد إلى الاسـتلام، وقصة حجز 10% من قيمة العقد بسبب المخالفات وإن كان المتعهد مستعد لنسيان هذا المبلغ بسبب الربح الفاحش الذي حققه من استخدامه لتجهيزات سيئة ومن التأخير. 

أسباب الفسـاد الحالي:

1. بالنسـبة لبوابة (190): اسـتمر إهمال هذه البوابة كما في السابق وللأسباب نفسها، لأن تغير الأشخاص لم يغير المنهجية المتبعة خصوصاً مع وجود رغبة من السلطة التي تدير هذا القطاع لقتل المساهمة الحكومية فيه أو الحد منها لأقصى درجة ممكنة تمهيداً لخصخصته!

2. بالنسبة لبوابة (SCS): استمر المتعهد المدير لهذا المزود بالتصرف على أساس أنه خارج الدولة، ولمن يظن أن في هذا تجنيا يجب أن ينظر إلى المعايير الأمنية المطبقة على المزودين الآخرين والتي لا يطبقها هذا المزود، إذ لا يزال حتى اليوم هو المزود الوحيد الذي يسمح لرسائل البريد الإلكتروني الواردة من المعارضة في الخارج وحتى من الكيان الصهيوني بالمرور، ويرفض أن يطبق المعايير نفسها التي تفرض على الآخرين، (وربما هذا عائد لقرابة هذا المتعهد من أحد أقطاب هذه المعارضة ورعايته له خلال الفترة السابقة بالكامل عندما كان هذا القطب في السلطة لدرجة أن جميع سيارات هذا المتعهد كانت من ذلك المسؤول السابق)، هذا من الناحية الأمنية.

أما إذا أتينا للتشغيل، فعلى الرغم من وجود اختناق كبير في الانترنت على المستوى الوطني، قام هذا المشغل بالإعلان عن عرض (انترنت 24 ساعة بمبلغ 600 ليرة شهرياً) بما يحقق مزيداً من النزوح القسري للمشتركين لصالح هذا المزود على الرغم من أن واقع الشبكة لا يسمح بذلك، وعندما قام بعض المزودين الآخرين بطرح العرض نفسه، قامت الوزارة بعقد اجتماع لجميع المزودين، وطلب الوزير من المزودين الآخرين سحب هذا العرض فوراً من التداول (؟؟؟) مدعياً بأن السبب هو الفرق بين ما يدفعه هذا المزود وما يدفعه الآخرون للمؤسسة، مما استرعى حفيظة مزود عالمي قال مندوبه: إنهم رداً على هذا الانحياز الكبير من الوزارة لجانب هذا المزود (المتعهد)، سيقومون بإنشاء شبكة خاصة بهم وعلى نفقتهم، وسيقومون بطرح الانترنت مجاناً، وهنا خف حماس السيد الوزير، وطلب من متعهد (SCS) سحب عرضه من السوق فرفض المتعهد ذلك (مدعياً بأنه إذا سحب عرضه بعد إعلانه فإنه سيفقد مصداقيته)، ولا أحد يدري هنا من يمثل الدولة؟ وهل لدى الدولة (الحكومة) سيادةً كاملة على أراضيها، أم أنه لدينا بعض الجزر المعفاة من الضرائب؟ وهل أن هذا المتعهد كان يدفع الضرائب أم أنه في موضوع الضرائب كان يلبس طربوش الجمعية المعفاة من دفعها بموجب القانون؟ وهل يحمل موضوع انتظار جميع مندوبي مزودي الخدمة في قاعة اجتماعات السيد الوزير لمدة طويلة قبل أن يظهر السيد الوزير على الباب الفاصل بين هذه القاعة ومكتبه متأبطاً ذراع السيد المتعهد الكبير في طياته أي تفسير لأي واقع سائد؟

3. بالنسبة لبوابة (PDN): ما زال وضعها على حاله من سوء التشغيل، على أن الوزارة والمؤسسة قد كانتا وراء إنشاء جمعية «بيكتا» التي رأس مجلس إدارتها صديقنا المتعهد الكبير إياه، وذلك بهدف إعطاء هذه الجمعية حقوق تطوير وإدارة هذه البوابة، وبالتالي إطلاق يد صديقنا على هذا القطاع، ولكن ما رافق هذه القصة المريبة من ضجيج أدى إلى التنبه لها وإلغائها، ثم ماذا حصل بعد ذلك؟؟ ساهم البعض في وصول الواقع الفني الذي تدهور فجأة بعد فشل قصة الجمعية (؟؟؟) فوصل إلى حد كاد فيها أن يصبح مشكلة وطنية، فمنح مجلس الوزراء السيد الوزير وبشكل طارىء اعتماداً مالياً كبيراً للتعاقد بالتراضي مع شركة لحل هذا الإشكال الفني، (ولن نفشي سراً إذا قلنا إن الاتفاق قد تم مع صديقنا المتعهد الكبير مسبقاً بأن هذا هو الطريق الوحيد للوصول إلى النتيجة نفسها التي من أجلها تم إنشاء جمعية بيكتا)، وهل يشكل هذا إلا فسـاداً وإصراراً على الفساد؟ هل يمكن لهذا أن يوضح شيئاً مما يحصل؟

ثم كيف قام الوزير بالإفراج عن مبلغ 10% الذي كان محجوزاً على الشركة التي نفذت هذه البوابة وهل كان هذا في إطار صفقة ما؟

4. على الرغم من أن العديد من الشركات العالمية قد زارت سورية وتقدمت بالعديد من العروض لتطوير الواقع الموجود إلا أن الشركات التي منحت هذا الشرف كانت إما التي أتت عن طريق متعهدنا الهمام، أو عن طريق شركة السيد الوزير خارج سورية والتي يديرها أحد أقربائه!

إن كل ما سبق، وكما تؤكد البيانات والوقائع، لم يكن تجنياً ولا توقعاً ولا افتراء، ولكن هذا غيض من فيض عما يحدث في هذه الوزارة التي لا نعلم إذا كانت وزارة لجميع السوريين أم لبعضهم؟ وهنا لا بد أن نوضح أننا لسـنا ممن يعارضون اسـتفادة الشركات الوطنية والمتعهدين السوريين من مشاريع أي وزارة كمساهمة منهم في تطوير وتحديث الواقع الوطني بشكل عام، ولكن يجب أيضاً أن نوضح أننا لسـنا مع أي نوع من أنواع الاحتكار، ولا مع أي نوع من أنواع تعارض المصالح التي تحاسب عليهما جميع القوانين في العالم مهما كانت طبيعة العلاقات والمنافع والأغطية التي تحمي وتسهل عمل الأطراف المسؤولة عن ذلك.

 نرجو من السـيد رئيس مجلس الوزراء كرئيس لهذه المؤسسة ومن الجهات الأخرى صاحبة العلاقة إجراء تحقيق في أداء هذا القطاع في العمق وتسـمية الأشـياء بأسـمائها، إذ لا يجوز أن نختزل جميع المخالفات التي حدثت في هذا القطاع على مدى سنين طويلة وما زالت بإقالة ثلاثة موظفين، وهذا ليس دفاعاً عنهم، ولكن الموضوع أكبر من ذلك.

 وهناك مجموعة من الأسـئلة الأساسية التي تحتاج إلى إجابة واضحة:

1. ما الملابسـات الفنية والقانونية التي شابت إنشاء بوابة (PDN) ولدى مركز البحوث من يسـتطيع أن يعطي رأياً فنياً سـليماً؟

2. ما الوضع القانوني لمزود الأولى وهل هو خاضع لجميع القوانين والتعليمات التي تصدرها الحكومة؟

3. ما الوضع القانوني والضرائبي للمتعهد الذي يشغل مزود الأولى منذ عدة سنوات؟

4. كيف ولماذا تم تحرير المبلغ الموقوف للشركة المنفذة للـ (PDN)؟

5. هل التحقيق بموضوع جمعية بيكتا منته؟ وهل تم التحقيق مع أحد خارج المؤسسة؟

6. من يحدد كيف ولماذا ومع من يجب التعاقد بالتراضي لحل المشكلة الطارئة؟؟؟ وهل هي مشكلة طارئة حقاً ولماذا ظهرت الآن فقط؟

7. هل جميع التوضيحات الصادرة عن الوزارة (المؤسسة) صحيحة فنياً وفي حال كان الجواب لا (وهو أمر مؤكد) من يتحمل مسؤولية هذا التضليل؟ ولماذا قام بذلك؟

8. هل الحل الطارىء (المؤقت) هو حل حقاً، أم أننا يجب أن نتناول المشكلة بشكل فني أعمق، ليكون الحل نهائياً وموضوعياً؟

■  تحقيق قاسيون

آخر تعديل على السبت, 12 تشرين2/نوفمبر 2016 13:13