القطاع العام ومطرقة السياسات الليبرالية
حزمة من القرارات أصدرتها الحكومة مؤخراً لدعم القطاع الخاص الصناعي، وهي كما قال النائب الاقتصادي الحزمة الأولى من عدة حزم ستصدر لاحقاً تصب في دعم تنافسية الاقتصاد الوطني ككل. وقد سبق هذه الحزمة قبل سنوات عديدة، قرار واحد، وهو الأهم: تخفيض اعتمادات الإنفاق الاستثماري بهدف إعطاء القطاع الخاص الفرصة للاستثمار، ولكي نؤكد أنه شريك أساسي في التنمية فتحت الأبواب أمامه، ولكن في جردة حسابية لما أنجز نجد أن القطاع الخاص كان ولا يزال عاجزاً عن القيام بمسؤولياته ولا يستطيع تحمل الأعباء الموكلة إليه. وقد أدى انسحاب الدولة التدريجي من رعاية الاقتصاد تاركة المجال للقطاع الخاص لردم الفجوة، إلى نتائج عكسية أبرزها:
1ـ ارتفاع معدل البطالة الناجم عن ضعف وتراجع حجم الاستثمارات العامة، وتواضع حجم الاستثمارات الخاصة.
2ـ انخفاض مستوى تنافسية المنتجات في القطاع الخاص.
3ـ البحث عن فرص الربح السريع في العقارات والخدمات.
خلال السنوات الماضية أصدرت الحكومة حزمة قرارات وتشريعات وقوانين أدت إلى إعادة تشكيل البيئة الاستثمارية السورية وهي عديدة: قانون الضريبة، إلغاء محاكم الأمن الاقتصادي، تعديل قانون الاستثمار، مصارف خاصة، قانون التجارة، وسوق الأوراق المالية، أيضاً هناك تسهيلات قدمتها الحكومة من خلال الاتفاقيات مع الدول الأخرى لفتح أسواق للصادرات السورية.
في المقابل، إن الإجراءات الاقتصادية العولمية التي اتخذت وأبرزها تحرير التبادل التجاري، قد خلق صعوبات وتحديات أمام القطاع الخاص والعام على حد سواء، تمثلت بمنافسة حاسمة في العديد من الصناعات، وقد تكون قد شملت جميع الصناعات والسلع، مع إلغاء كل أشكال التقييد والحصر والحماية، تماشياً مع الاتفاقيات الثنائية ومع اتفاقية منظمة التجارة الحرة العربية الكبرى، وكذلك اتفاقية الشراكة مع أوروبا.
وقبل ذلك رُفعت عشرات المذكرات من القيادات النقابية، ومن قوى وتيارات سياسية واقتصادية إلى الحكومة وإلى القيادة السياسية، محذرة مما سيصيب القطاع العام بكافة شركاته مؤسساته، ولكن رغم ذلك لم تتخذ الحكومة أي إجراء لحماية القطاع العام، أو لإصلاحه إدارياً وتشريعياً وفنياً رغم سيل التصريحات الحكومية عن أهمية ودور القطاع العام في هذه المرحلة.
قُدمت خلال السنوات الماضية عدة مشاريع لإصلاح القطاع العام، ورفضت، إما من الحركة النقابية لأنها تمس حقوق العمال، وإما لأنها تصفي شركات عديدة كمقدمة لتصفية الشركات الأخرى.
وبعض المشاريع التي طرحت وافقت عليها الحركة النقابية، ورفضت من وزارة المالية لأنها بحاجة إلى أموال.
وبقي القطاع العام أمام الانهيار اليومي شركة بعد أخرى.
والسؤال البريء: كيف تستجيب الحكومة لمذكرة واحدة، رفضت من غرفة صناعة حلب محذرة من انهيار شركات القطاع الخاص أمام إغراق السوق السورية بالغزول المستوردة وأمام المنافسة وتستجيب الحكومة باجتماع طارئ وتتخذ حزمة من القرارات الداعمة للقطاع الخاص، وقلنا منذ البداية لن نعترض. لأننا مع القطاع الخاص الوطني المنتج ومع منحة كافة التسهيلات، ولكن لماذا ترك القطاع العام لمواجهة مصيره دون اتخاذ أي قرار؟ قلنا إن السؤال بريء!!
ترك لمصيره بعد أن نهبته قوى الفساد خلال سنوات طويلة في العقود والمناقصات واستيراد تكنولوجيا متخلفة وفي المواد الأولية وفي التصدير وأصبحت مصلحة قوى الفساد وسط الانفتاح واقتصاد السوق مع القطاع الخاص، والقطاع الخاص المؤمن بالتنمية يعرف ذلك، وهو أمام عقبات وصعوبات تبدأ منذ قيام المشروع، ولا تنتهي حتى يدفع الثمن.
في كل الأحوال ومع حزمة الإجراءات التي اتخذتها الحكومة وفي اليوم نفسه، أصدرت وزارة الصناعة برنامجها، الذي طرح للمرة العاشرة حول إعادة هيكلة القطاع العام الصناعي وابرز ما جاء فيه: طرح بعض الشركات الخاسرة للاستثمار الصناعي أو السياحي، بعد تقويم وضع الشركات.
وطرح في البرنامج موقع 14 شركة تتبع لخمس مؤسسات صناعية «أسمنت، هندسية، غذائية، نسيجية، كيماوية» للاستثمار الصناعي أو السياحي أو الحرفي. مع تأهيل تسع شركات أخرى من خلال رفدها بنشاطات صناعية إستراتيجية، ذات قيمة مضافة وجدوى اقتصادية.
بشرنا المشروع بإنتاج الخلايا الكهروضوئية لتوليد الطاقة الكهربائية. ولكنه لم يتطرق إلى إعادة النظر في السياسات العامة التي تحكم القطاع العام ولم تدرس القوانين والمراسيم التي تحكم آلية عمله ولم تدرس كل شركة على حدة، ولم يتحدث عن الخلل الإداري والفني والتسويقي. بل هو مشروع عائم رافق حزمة قرارات إنقاذ القطاع الخاص.
إصلاح القطاع العام ليس عملية معقدة إذا كانت النوايا جادة للإبقاء عليه. ولكن النوايا والسياسات القائمة تتجه إلى إيصال جميع شركاته إلى الانهيار لتباع العقارات التي تتموضع عليها إلى الفئات الطفيلية لبناء وإقامة النوادي الليلية بهدف السياحة التي وعلى ما يبدو أصبحت قاطرة النمو الاقتصادي!!