أزمة التعليم تتفاقم في سورية.. والحكومة آخر من يهمه الأمر فعلياً!

يبدو واضحاً في الصورة التي ارتسمت خلال المواسم الدراسية القليلة الماضية أن سورية تعاني فعلاً من مشكلات بنيوية في النظام التعليمي، ودخلت في مواجهة حقيقية مع أزمة التعليم بكل مراحله ولكل الصفوف الدراسية، بدءاً من مرحلة التعليم الأساسي وما يدرس قبله من مناهج في دور الحضانة وما يشوبه من مغالطات، وانتهاء بالتعليم الجامعي الذي أصبح حلماً للشباب السوري الباحث عن فرص المعرفة وتطوير الكفاءات، ومن ثم العمل بكل السبل.. هذا الجيل الذي لم يستفد نهائياً على المدى المنظور من جميع التغييرات والإصلاحات التي يتم الحديث عنها، سواءً من ناحية الدراسة الجامعية، أو من ناحية سوق العمل الخاصة، أو مما تقدمه الحكومة من فرص لا تذكر مقارنة بعدد الداخلين الجدد إلى سن العمل سنوياً والذي يتجاوز /250/ ألف طالب عمل، لكن الأسوأ من كل هذا معايير الأنظمة التعليمية في سورية والتي تعد من أكثر أنظمة التعليم إجهاداً في العالم..

يتفق معظم الموجهين التربويين اليوم أن النظام التعليمي لن يتطور، وسيبقى متأرجحاً في مكانه ما دامت المناهج متخلفة، والكوادر ضعيفة، والسياسات التعليمية ماضية في محاباة للأغنياء، والصفوف مكتظة بالطلاب، حيث تصل إلى أكثر من /40/ طالباً في الشعبة الواحدة في معظم المدارس، ومادامت سياسة الاستيعاب الجامعي قاصرة وهشة، ويرمى بموجبها عشرات آلاف الطلاب خارج الصروح العلمية، وحتى المنافسة الدولية التي كانت سورية تمتاز بها لسنوات، حيث الآلاف من خريجيها في المشافي والشركات العالمية، أصبحت دون المأمول بسبب قدم المناهج التعليمية التي لم تواكب ثورة التكنولوجيا والمعلومات، لتكون النتيجة معايير تعليمية متخلفة تنتج خريجاً متخلفاً لا يملك أدنى معارف الاتصال التي تؤهله للدخول إلى سوق العمل ومتطلباتها. 

بين المناهج المتخلفة ومؤلفيها

لا يختلف اثنان على الدور الكبير الذي تلعبه المناهج الدراسية وما تحتويه في تكوين شخصية ومعارف وانتماء الطالب، ورسم مستقبله بذهنية واضحة، وتحديد مدى تفاعله ليس مع مجتمعه فقط وإنما مع المستجدات على جميع الصعد، والتي ستشكل بالنهاية صيرورة حياته.. ولهذا السبب فإن كل الدول تبدي اهتماماً كبيراً وعلى أعلى المستويات بالمناهج الدراسية من أسس ومفاهيم ومضامين وتصورات وتحليلات... إلخ.. من أجل تخريج جيل علمي حقيقي.

أما المسؤولون عن الأنظمة التعليمية والتربوية في بلدنا، فقد تاهوا مع التغييرات والانعطافات، وتاهت المناهج معهم، وتاه الطلاب.. وأصبحت التناقضات عنوان المقررات التعليمية، فما يدرس في التاريخ، تعاكسه الجغرافيا، وما يُدرس في العلوم تدحضه كتب أخرى، وما تقوله الآداب يسخر منه الواقع... وهكذا دواليك.. وهذا يتطلب فتح آفاق مختلفة في سياسة اختيار المناهج الجديدة التي من المفيد ربما أن تبتعد عن الجوانب المتناقضة ريثما يجري حلها، والتركيز على إحداث تحولات جوهرية في المنطلقات العلمية المجردة.

هذه المهمة التي تبدو للوهلة الأولى صعبة، ليست مستحيلة التحقيق إن وجدت النوايا الحسنة والخطة الاستراتيجية في اختيار الأفضل علمياً، ونأمل أن يكون ذلك قد لوحظ وزارياً عند المصادقة التي تمت قبل أيام على تغيير المناهج كافة «بما يتناسب مع ذهنية الطالب السوري».. بعيداً عن الأسلوب القديم الذي كان يعتمد على كتاب واحد ومعلومات قديمة في معظم الأحيان، أو الاعتماد على مؤلفين لا يمتلكون الكفاءة المطلوبة لمواكبة ثورة المعلومات والطرق التعليمية الحديثة المعتمدة على التفاعلية بين الطلاب والمدرس، الكفيلة بتخريج طلاب لديهم المهارات الكافية للدخول إلى سوق العمل..

إن الاستمرار بإصلاح المناهج أضحى من المهام الرئيسية للوزارات المعنية وللحكومة بأسرها، والتي لابد أن تضع في الحسبان عند إدخال تغييرات شاملة على النظام التعليمي مراعاة ما يجري على أرض الواقع من متغيرات تتطلب مناهج تعليمية بجودة عالية. 

عند الامتحان يكرم المرء أو يهان

إن ما يؤكد حديثنا عن الخلل في أسس ومعايير الأنظمة التعليمية وضرورة تغيير المناهج الدراسية، نسب النجاح المتدنية في الشهادتين وما رافقها من مخالفات عديدة خلال عملية التصحيح، وهذه المخالفات كانت غالباً بسبب الأساتذة قليلي الخبرة أو بسبب تعليمات شفهية من بعض المتنفذين في وزارة التربية.

فقد بلغت نسبة النجاح في الثانوية العامة بفرعيها العلمي والأدبي 32،61% فقط، وفي الثانوية المهنية والفندقية 77%، وفي الثانوية المهنية النسوية 75،70%، وفي الشهادة الثانوية المهنية الصناعية 96،61%، وفي الشهادة الثانوية المهنية التجارية 98،59%، وفي الثانوية الشرعية 80،52%..

أما نسبة النجاح في شهادة التعليم الأساسي فلم تتجاوز 41،68%، وفي الإعدادية الشرعية 73.71%..

لكن بعيداً عن لغة الأرقام ذات الدلالات المؤلمة، والتي لم يعلّق عليها أي مسؤول تعليمي، فإن المنغصات كانت بمثابة الصدمة لعدد هائل من الطلاب نتيجة الاختلاف في قبول المعدلات، ففي معدل التعليم الثانوي لمحافظة طرطوس مثلاً جاء مجحفاً بحق الأغلبية الساحقة من الطلاب عندما حددت العلامة بأكثر من /200/ درجة بينما لم تتتجاوز 180 في معظم المحافظات الأخرى؟ وإذا كان المعدل بين محافظة وأخرى بهذا الشكل فلتعتمد الوزارة أسئلة خاصة لكل محافظة ويكون لكل منها مفاضلة خاصة بها.  

أما عن المخالفات، فإن الجهات التربوية طالبت الفروع التصحيحية بتخفيض الدرجات خصوصاً لطلاب الفرع العلمي، حيث جرى الحديث عن إجراءات احترازية لوزارة التربية أدت إلى الضغط بشكل أو بآخر على طلاب الفرع العلمي عبر توجيه تعليمات شديدة الحزم للمصححين دفعت بعض رؤساء المراكز لأمر المصححين لتخفيض الدرجات بأكبر قدر ممكن، وذلك وفقاً لعدد من المدرسين الذين شاركوا بتصحيح الأوراق الامتحانية. ماذا يعني هذا؟ ألا يعتبر هذا جريمة بحق الطلاب وضياع تعب سنة كاملة؟

وأثار الاستغراب توجيه كتابي من معاون وزير التربية بقبول احتمالات إجابة عن بعض الأسئلة، قبل انتهاء التصحيح بأيام قليلة حيث كانت أغلب فروع التصحيح قد أنهت مهمتها، ولم يعرف ماهية التوجيه وضاعت الطاسة بين المصححين والوزارة.

مفاضلة على نمط التوتر العالي

أعلنت وزارة التعليم العالي المفاضلة العامة للقبول الجامعي للعام الدراسي 2010- 2011، وتضمن الإعلان شروط وإجراءات التقدم للقبول الجامعي والأوراق المطلوبة وشرائح العلامات والاختصاصات المتاحة للحدود الدنيا للتقدم إلى هذه الاختصاصات، وكانت المعدلات في بدايتها طبيعية على قاعدة الهدوء الذي يسبق العاصفة، لكن جاءت نتائج المفاضلة الثانية بمثابة الشعرة التي قصمت ظهر البعير، حيث أنهت حلم عشرات الآلاف من الطلاب في الدخول إلى الفرع المطلوب على الرغم من نيلهم علامات تتراوح ما بين /170- 200/ علامة، دافعة بهم نحو التعليم الخاص والموازي لمن استطاع إليهما سبيلا. 

فروع جديدة ومستقبل غامض

وزير التعليم العالي د. غياث بركات هرب من نسب وأعداد المقبولين في الجامعات الحكومية، وأشار في حديث رسمي عن المفاضلة أنها تتضمن اختصاصات وإحداثيات جديدة، وذلك في ضوء صدور المراسيم التشريعية القاضية بإحداث وافتتاح 9 كليات هذا العام، وأن هذه الاختصاصات ترتبط بالاحتياجات المجتمعية مثل اختصاص الهندسة الميكانيكية والكهربائية في دير الزور بجامعة الفرات، وافتتاح اختصاص جديد وقسم في كلية العلوم يعنى بالصناعات النفطية والغازية، إضافة إلى إحداث معاهد تلبي الاحتياجات التنموية للعديد من المناطق وتعديل المناهج والاختصاصات والتسميات لمعاهد أخرى..

والحقيقة التي لم ينتبه إليها الوزير أن جميع الفروع الجديدة لن تستقبل سوى قلة، وأنها لن تغير شيئاً مستقبلاً مادام نصف الخريجين يعملون في وظائف ومهن بعيدة كل البعد عن اختصاصاتهم، ثم إن الوزارات المعنية وبين ليلة وضحاها، تلغي أي معهد بعد صرف الملايين على إنشائه، وهذا ما حصل مع خريجي معهد الثانوية الجوية الذين ذهب حلمهم أدراج الرياح وتم الضحك عليهم لمرتين، مرة عندما أغلق المعهد، وأخرى حين لم يقبل سوى طالب واحد في قسم الهندسة بعد أن كان القرار بأخذ العشرة الأوائل مقاعد لهم في أقسام الهندسة سواء في المعهد أو الكلية، وذلك كل حسب مجموعه، فهل من فائدة مرجوة من الأقسام الجديدة أم ستكون كما كانت سابقاتها؟

تسجيل الكتروني مشوه

ومع سياسة الهروب من المشكلات الأساسية، أعلنت الوزارة أنه يمكن لأي طالب أن يسجل إلكترونياً من خلال الانترنت من أي مكان شريطة أن يثبت رغباته المدخلة بشكل رسمي من أحد المراكز المعتمدة للتسجيل، والحصول على نسخة ورقية من رغباته من المراكز المعتمدة.

وقد حاول العديد من الطلاب التسجيل في المفاضلة عبر موقع «مفاضلة» إلكتروني مخصص لذلك، ولكن معظم المحاولات باءت بالفشل، لأن الخانة المخصصة لم تكن تعمل، ولم يكن أمام الطالب سوى إكمال عملية التسجيل بالذهاب إلى المراكز المخصصة لذلك، على الرغم من أن موقع المفاضلة كان قد وضع ملف فيديو يشرح فيه طريقة التقدم لبطاقة المفاضلة الإلكترونية، وكيفية القيام بذلك على الموقع، الأمر الذي حدا ببعض العاملين في الحقل التعليمي على إطلاق صفة (الخلبية) على بطاقة المفاضلة الإلكترونية، ففي عملية الدخول إلى صفحة الرغبات كان يظهر جلياً أن الرغبات هي للقبول العام فقط، وهذا يعني إلغاء كل ما تم إجراؤه.

دورات للعلم أم للتجارة؟

أصدرت الوزارة قراراً يتضمن أسس القبول في الدورات التعليمية موضحة مدتها ومواعيدها وأقساطها ونسب توزيع ريعها على المدرسة والعاملين فيها، وذلك بناء على المرسوم التشريعي رقم 35 لعام 2010 الذي أجاز لوزارة التربية إقامة دورات تعليمية في مدارسها خارج أوقات الدوام الرسمي.

وبينت الوزارة في قرارها أن هذه الدورات ستخصص إما لمنهاج كامل أو للتقوية لمادة تعليمية أو أكثر حسب حاجات الدارسين لتلافي حالات الضعف والتقصير الدراسي لدى بعض الطلاب في صفوف المراحل التعليمية كافة، وتنفذ خارج أوقات الدوام الرسمي، والسؤال هنا إذا كانت الوزارة تعلم بهذا التقصير فلماذا لا تحاسب الكادر التدريسي المسؤول عن ذلك؟

ألا تعلم الوزارة أن التعليم الخاص خلق نوعاً من الخلل ظهر واضحاً لدى الطلبة في مدى التصاقهم بالمدرسة والدراسة، وبالمقابل خلق أيضاً روح الجشع لدى الكادر التدريسي بكل مواصفاته التي وصلت إلى  الجذور بعد أن تمت عملية نخر مدروسة في جذع الحقل التعليمي برمته الذي أوشك على فقد هيبته وقدسيته التي كان يضرب بها المثل في مرحلتي الإعدادي والثانوي.

وعلى الرغم مما أصاب الأهالي من ويلات جراء التكاليف الباهظة وانحراف لدى أولادهم وتحول تام عن سكة التعليم، فإن البعض ما زال مصراً على تسجيلهم في تلك المدارس رغم علمهم بالمساوئ التي خلّفتها تلك المعاهد الخاصة، ومعرفتهم المسبقة على أن القلة من الطلبة يداومون، وحتى هذه القلة التي من المفترض أن تكون محببة للعلم فإنها غير آبهة بمعلميها، فللطالب الحق بالهروب من المدرسة أو الخروج لحظة يريد ذلك، ونظراً للحساسية المفرطة لدى بعض التلاميذ في هذه المرحلة التعليمية، فإن عدداً كبيراً من الطلاب يتركون مدارسهم لعدم محبتهم لذاك المدرس أو لتلك المادة بسبب طريقة التعاطي، وهذه النقطة ترتبط بمسألة تعاقد المدارس الخاصة مع مدرسين غير مؤهلين تربوياً، وهم بالأصل خريجو أقسام أخرى لا علاقة لها بفرعهم الرئيسي، بالإضافة لعملهم برواتب متدنية لا تتعدى في بعض الأحيان عشرة آلاف ليرة سورية ولكامل مدة الفصل الدراسي، ومن دون حساب أي راتب طيلة فصل الصيف، وهذا يعني فقدان أي من أوجه المقارنة بين المدرّس في المدارس الخاصة والمدرس في المدارس الحكومية من حيث الأهلية والكفاءة والدخل والمزايا الأخرى التي يتمتع بها، ولعل هذه المقارنات من نقاط العلام لإعادة النظر بالتعليم، وخاصة في مرحلته الأساسية، والتفكير عملياً وجدياً بتوفير فرص التعليم المتميز والتعليم النوعي للجميع المتمتع بضبط جودة التعليم وتعدد الأولويات ورفع كفاءة أداء المدرّس الذي يعتبر التعليم من أولى المهام، والاهتمام أكثر بالمرشدين النفسانيين الذين ستقع على عاتقهم مسؤوليات أكبر في القادمات من الأيام.

أين «كاد المعلّم..»؟

والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة هو: هل من المنطق أن يدرّس المعلم في الصباح جيل المستقبل، وفي المساء نراه يعمل في مهنة أخرى تختلف كلياً عن شهادته نتيجة قلة المدخول وضيق الحال؟ ألا تساهم هذه العملية في هزّ صورة المعلم التي رُبيت عليها الأجيال: قم للمعلم وفه التبجيلا/ كاد المعلم أن يكون رسولا؟

إن ما يجري من سياسات خاطئة تجاه العملية التعليمية والتربوية سيجعل الوصول للبكالوريا حلماً والدراسة في الجامعة مستحيلاً، لأن الصراع الطبقي دخل جذور العلم بكل مفاصله، والفقراء ليست لديهم القدرة على دخول الجامعات الخاصة ودفع فواتيرها الجنونية.. ألا يعني ذلك إعادة التعليم إلى العصور الغابرة عندما كان التعليم  حكراً على الأغنياء والسلاطين!.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

آخر تعديل على الإثنين, 25 تموز/يوليو 2016 14:58