انتهى عقد الإيجار.. إذاً أنت في مصيبة!

انتهى عقد الإيجار.. إذاً أنت في مصيبة!

لقد نجاه الله من معاناة البحث عن بيت جديد للأجرة طوال السنين الأربعة الماضية، فقد أسعفه الحظ باستئجار أحد منازل أقاربه في عشوائيات دمشق التي تعتبر آمنة، ووجد (أبو سليمان) وعائلته فيه الملاذ الآمن والرخيص، ولكن (النعم لا تدوم) في ظل أزمة تديرها حكومة بسياسات فوضوية وفاشلة.

الأزمة تستمر والأجرة تتضاعف

حين أستأجر ذلك البيت، في عام 2012، كان يدفع 7000 ليرة كبدل إيجار للمنزل الأرضي المكون من غرفتين وصالون، مساحته 100 متر مربع تقريباً، وهي مساحة واسعة نسبياً لا يحلم الكثيرون بها، ولم تكن 7000 ليرة تشكل عبئاً كبيراً عليه، فالمبلغ لا يتعدى ربع دخله الشهري، ولكن ما أن انتهى ذلك العام حتى بدأت الأمور تتغير بسرعة، فحركة النزوح القادمة من الريف الدمشقي ومخيمي اليرموك وفلسطين رفعت الطلب على البيوت، فارتفعت بالتالي أسعار بدل الإيجار تدريجياً على العقارات جميعها ومنها بيت أبي سليمان، حينها طالب أصحاب المنزل بعشرة ألاف ثم 12 ألف ثم 15 ألف، وهكذا طوال السنين الأربع حتى وصل لـ 25 ألفاً, ومع بداية العام الحالي ومع اقتراب انتهاء مدة العقد المبرم بين الطرفين، طلب أصحاب المنزل من أبي سليمان تسليمهم البيت فور انتهاء العقد دون أن يشرحوا سبب ذلك، مع العلم بأنهم خارج البلاد ويمتلكون منزلاً آخر فوق المنزل الذي يسكنه ويحتمي بسقفه.

معفشون رحماء 

تحجج أصحاب المنزل بعشرات الحجج المكشوفة، فحاول أن يقنعهم ببقائه مستأجراً لديهم لكن دون جدوى، وهو الذي سمع معاناة الطالبين لبيوت الأجرة من ندرتها وغلاء أسعارها، وخاف أن يصيبه ما أصاب غيره، وبعد محاولات عديدة مع أصحاب البيت كشفوا له عن حقيقة الأمر وبأنهم يرغبون بتقسيمه لبيتين، وبناء غرفة مستقلة أخرى ليؤجروا كل بيت على حدة، والغرفة أيضاً، وبذلك يحصلون على مردود أعلى بأضعاف ما يدفعه لهم، وعرضوا عليه إن أراد البقاء في المنزل وتجديد العقد عليه أن يدفع 75 ألفاً كبدل إيجار شهري، فأسقط في يد الرجل وعلم أن آخر مقومات صموده المعيشي المتمثلة في ذلك المنزل قد انهار تماماً، وعليه ألا يضيع دقيقة واحدة من الوقت، لعله يجد منزلا يأويه وعائلته يتناسب مع وضعه المادي البائس، ومع عفش بيته الكبير (الحيلة والفتيلة) فهو من المحظوظين القلائل الذين لم (يعفش) بيتهم بالكامل، بل اكتفى (المعفشون) أثناء تفتيش المنطقة بفرن الكهرباء وطنجرة الضغط واسطوانتين من الغاز.

رحلة (الثمانين يوما) 

بدأ صاحبنا رحلة البحث عن بيت في المنطقة ذاتها، قاصداً المكاتب العقارية المنتشرة في المنطقة وما أكثرها، وأول العقبات أن أكثر من ثلاثة أرباع المكاتب تضع ورقة مكتوب عليها بخط رديء (لا يوجد بيوت للإيجار) وأما من لديه بيوت للإيجار فما إن أعلن عن رغبته ببيت للإيجار حتى بدأ صاحب المكتب يرميه بعشرات الأسئلة (من وين حضرتك) (وكم واحد انتوا بالبيت) و(وين كنت ساكن قبل) و(شو بتشتغل) والكثير من الأسئلة الأخرى التي لا يمكن أن يتعرض لها أحد إلا بأفرع الأمن والتحقيق، وأبو سليمان يجيبه بطلاقته المعهودة وباندهاشه الواضح، وما إن فرغ صاحب المكتب من تحقيقه حتى بدأ بتلاوة الشروط (عندي بيت غرفتين وصالون سوبر ديلوكس، صاحبها بدو ستة أشهر سلف، وبيكتبلك عقد ستة شهور كل شهر 45 ألف، وتأمين ماء وكهرباء 15 ألف، وأنا بدي كمسيون لأيدي شهر كامل، ومدفوعات العقد والموافقة الأمنية وخلافه كلها عليك، فإذا بتحب لقوم فرجيك ياه، هي من أولها مشان ما تعذبني عالفاضي).

210 ألاف إيجار ستة أشهر

خاض أبو سليمان تجربة البحث عن بيت بأغلب تفاصيلها، ولم تكن الشقق التي قيل عنها بأنها «ديلوكس أو كسوة جيدة» سوى بيوت صغيرة أكلتها الرطوبة وعجزت أضواء القداحات والموبايلات عن إطفاء عتمتها، فالمبلغ الشهري المرصود لإيجار بيت لم يكن يتجاوز 25 ألف، وبهكذا مبلغ شحيح لن يحصل المضطر إلا على شقة مكونة من غرفة وصالون، تدلل صاحبها وتبجح سمسارها، مع أنها ليست سوى قبر كبير لا يرى شمساً ولن يدخله هواء إلا إذا فتح بابه الرئيسي وشباكه المطل على المنور، فما كان من صاحبنا إلا أن رفع ميزانيته خمسة ألاف أخرى لتصبح ثلاثين ألفاً وأعاد البحث من جديد، إلى أن مَن الله عليه بشقة غرفتين وصالون، كسوتها مقبولة، ضمن الشروط ذاتها، ستة أشهر سلف 180 ألفاً و30 ألف للمكتب، أي 35 ألف شهرياً.

(الكشكشة ) فرض وليست نافلة

بدأت المرحلة الثانية من مسيرة أبو سليمان للبيت الجديد حين أراد أن يحصل على الموافقة الأمنية، كي يثبت العقد ويصبح الأمر قانونياً، فالبلدية أو المحافظة لا تسجل أي عقد إيجار بدونها، وتلك معاناة أخرى بحد ذاتها تتطلب الكثير من الصبر ورباطة الجأش وبضعة آلاف (للكشكشة)، ومن حسن طالع أبو سليمان هنا أنه خبر هذه التجارب، فالموافقة، وموافقة البلدية، وطلبات كل جهة منهما، تتطلب جهداً إضافياً، ولهاثاً على مدى أسبوع من مكان لمكان. 

12 ألف للنقل 

و(كروز) دخان للعبور

بقي على صاحبنا أن ينقل أغراض بيته من سكنه القديم إلى الجديد، وكم هو محظوظ، فالمسافة بينهما لا تتعدى 1كم ولا يوجد سوى حاجز واحد و(مفرزة) صغيرة، وكما نصحه صاحب السيارة الكبيرة، التي سيحمل بها أغراضه على نقلتين، أن يشتري (كروز) علبة سجائر كي يمر منهما دون تعقيدات مصطنعة، على أن يأخذ منه ستة ألاف ليرة على كل نقلة، مبرراً ذلك بارتفاع سعر المازوت وتكاليف الصيانة والقائمة تطول، وهذا ما فعله أبو سليمان فذهب للمختار وأعد ورقة بالأغراض التي يريد نقلها بنداً بنداً وبالتفصيل، ودفع له 500 ليرة كأتعاب، وأشترى (كروز دخان) بألفين وخمسمائة ليرة، وبدأ بتحميل أغراضه على دفعتين، وما إن وصل بنقلته الأولى إلى نقطة التفتيش أخذ السائق منه علبتا سجائر ليعطيها للمناوب هناك، الذي أشار له بالوقوف على يمين الطريق للقيام بعملية التفتيش. 

(حاجز) التسعيرة المدروسة

لم يحظ أبو سليمان بهكذا استقبال من قبل عند أي حاجز، طوال سنين الأزمة، لا بعدد العناصر المرحبين ولا بطريقتهم المريحة، وبعد أن طلب عنصر الحاجز من السائق ركن السيارة على يمين الطريق، طلب موافقة المختار، فقرأها بتمعن غريب ثم أمره أن يتجه للغرفة المزروعة كي يحظى بالموافقة، وفعلاً قام صاحبنا بالأمر وبدأ السين والجيم، ومن وسط الحديث سألوه (شو جبتلنا معك)؟ فدفع له السائق بعلبتي الدخان، مذكراً إياه بأن هناك نقلة أخرى،  (بدي على كل نقلة 2500ليرة).. دفع صاحبنا ما ترتب عليه من مبالغ، وحمد الله على وجود حاجز واحد في الطريق إلى منزله الجديد..   

آخر تعديل على الأحد, 10 تموز/يوليو 2016 00:31