أيها السوريون: «احكولنا مع معارفكم»..!
حاكم المصرف المركزي، عبر صفحته الشخصية «فيسبوك»، وفي معرض حديثه عن الدولار وسعر الصرف والمضاربين والأسعار، ودور المصرف المركزي ووزارتي الاقتصاد والتجارة الداخلية، توجه للسوريين بقوله: «ينتظر من كل سوري شرح الحقائق وتشجيع أقاربه ومعارفه من التجار والصناعيين وأصحاب المهن والحرف للتخلي عن هوامش تقلبات الليرة عسانا نكون أمام مقاربة مختلفة جذرياً لموضوع تخفيض الأسعار وزيادة الرواتب وتكافل أكبر لمواجهة تحديات مكتوب علينا فيها: الصبر لنبصر النصر»..!
دعوة حاكم المركزي أعلاه فيها الكثير من المثالية التي لم ينكرها، حيث علق على أحدهم بقوله: «الطوباوية قمة النوايا والأحلام الطيبة، والبرامج الحكومية في كل البلدان عموماً تكون إعلان نوايا، وليس المهم فيها أن تكون طوباوية أو نظرية. المهم هو السعي باتجاهها. في مختلف الجهات الحكومية السعي حثيث للوصول إلى تحقيق الشعارات المطروحة... ويبقَ السؤال دوماً هل تتمكن الاتحادات والمنظمات الأهلية من لعب دورٍ استباقي في إقناع التجار والمهنيين والحرفيين في تخفيض الأسعار لمصلحة الجميع».
ما لا شك فيه أن حاكم المركزي من خلال فتحه باب الحوار حول هذا الموضوع عبر صفحته الشخصية يعتبر قد باشر بخطوة إيجابية ما.
لكن التعويل الرسمي على «التجاوب الذاتي» من قبل التجار، عبر أسلوب الإقناع الذي يطالب به الحاكم على تخفيض الأسعار فيه الكثير من المبالغة في المثالية، خاصة وقد لمسنا خلال العقود الماضية، وسنين الحرب والأزمة تحديداً، أن جشع هؤلاء وبحثهم المستمر عن هوامش الربح الأعلى لا حدود له.
وواقع الحال يقول بأن المواطن أصلاً وطيلة العقود الماضية كان بمواجهة دائمة مع هذه الشريحة بشكل مباشر، وقد كان خاسراً بهذه المواجهة التي كانت نتائجها السلبية تنعكس على معيشته يومياً، بظل محدودية إمكاناته في هذه المواجهة، وانعدام وسائله، وخاصة مع كل الدعم الذي وجدته هذه الشريحة حكومياً عبر السياسات الليبرالية المعمول بها، اعتباراً من تحرير السوق والأسعار، مروراً بالإعفاءات من الضرائب والرسوم، وليس انتهاءً بسياسات الإقراض، وبالتوافق مع سياسات تجميد الأجور وتخفيض الانفاق العام، وإضعاف دور المنظمات الشعبية والاتحادات والنقابات، وصولاً لتهميش دورها تباعاً.
وبالتالي، فإن ما يطرحه الحاكم بالنتيجة لم يخرج عن حيز هذه المواجهة المفتوحة سلفاً مع هؤلاء، والتي تفتح المجال للتساؤل عما تبقى من هيبة للدولة!
حيث هذا التعويل ذو الطابع «المثالي الأخلاقي» كأنه يرسل برسالة إلى هؤلاء بأن الدولة لا حول لها ولا قوة بمواجهتهم، ولم يبق أمامها إلا اللجوء للمواطنين من أجل «إقناع» هذه الشريحة المنفلتة بالتخلي عن هوامش أرباحها الخارجة عن كل حدود العقل والمنطق ذاتياً، مع التأكيد بأن المشكلة الأساس ليست مع الحرفي والمهني وصاحب الورشة الصغيرة ومحل بيع المفرق الصغير، بل هي مع الحيتان الكبار الذين ابتلعوا المواطن، كما ابتلعوا الدولة والبلد على ما يبدو!
بمطلق الأحوال، لعل الدعوة أعلاه تعتبر فرصة أمام محدودي الدخل ومفقري الحال والمعدمين والمهمشين، بنقاباتهم واتحاداتهم وجمعياتهم وأحزابهم وقواهم الشعبية، لشحذ الهمم من أجل خوض معركة الوجود مع هؤلاء، بظل هذا الشكل من التخلي الرسمي والمستمر للدولة عن مسؤولياتها وواجباتها.
فالمعركة فعلاً باتت مفتوحة على مصراعيها، فإما أن نبق أو يزولوا، وهل نكون أو لا نكون، لنبصر النصر؟!