التشاركية مع الرأسمالية التجارية في سورية
لازالت التصريحات الحكومية تتوالى عن التشاركية بين القطاعين العام والخاص، والمشاركة بين الحكومة والقطاع الخاص، وفي هذا الصدد قال وزير الكهرباء في مؤتمر نقابة الكهرباء «إن الحكومة لا تفكر بخصخصة قطاع الكهرباء، لكن هناك فكرة التشاركية مع القطاع الخاص».
وسبق التصريحات الحكومية مشاركة القطاع الخاص في مواقع إستراتيجية هامة، كمرفأي اللاذقية وطرطوس ومعمل الورق وبعض المعامل الأخرى، فلماذا تلجأ الحكومة إلى التشاركية؟
في حال عدم توفر الظروف السياسية والاجتماعية، وعدم القدرة على التمويل وتوفير مستلزمات العمل، يمكن اللجوء بالأساليب التشريعية لجر الرأسمال الوطني إلى ميادين الاستثمار وإلى التشاركية.
ما هي مواقع التشاركية؟
أهم ميادين التشاركية التي يمكن الاستفادة منها الاستثمار الزراعي، إذ يمكن العمل لقيام قطاع مشترك بين القطاع العام والرأسمال الوطني في الميدان الزراعي، يتاح بواسطته إرشاد الاستثمار وتوظيفه ضمن الخطط الإنمائية، وليس إلى الخدمات والسمسرة والتجارة. فالرأسمالية الزراعية رأسمالية ثابتة لأن أموالها تتحول إلى مشاريع الإنتاج إلغذائي، ومع ذلك لم تحاول الرأسمالية السورية دخول الميدان الزراعي، بل ترغب دائماً في الميدان التجاري وميدان الخدمات. لأن عيونها كانت ولازالت مسمرة دائماً على أرباحها.
دخول الرأسمال الوطني في الاستثمار الزراعي والصناعي يعني استيطانه في الاقتصاد الوطني، وخروجه منهما ودخوله ميادين التجارة والخدمات والوساطة والسمسرة وغيرها يعني «اغترابه» عن الوطن، لأنه رأسمال مائع غير ثابت، غير منتج زراعياً أو صناعياً، يضاف إلى ذلك أنه يوسع ميدان نشاطه على حساب التوسع الأفقي في الزراعة والصناعة، يضرب القطاع العام ويتلاعب بالنظام النقدي، ويبلبل قواعد الأجور والأسعار، أي يخلق الجو السلبي المعاكس للإنماء بعد أن يفرض مفاهيمه الخطيرة على المجتمع.
الرأسمالية السورية في نسبتها الأكبر ليست رأسمالية زراعية أو صناعية، لأن الرأسمالية الزراعية والصناعية وطنية، مصالحها مرتبطة بالوطن، موظفة فيه، على هيئة مشروعات ومستلزمات إنتاج، ولكن الأمر مختلف تماماً مع الرأسمالية التجارية وأشكالها، إن مصالحها مرتبطة مباشرة بالرأسمالية العالمية، وبتعبير آخر فالرأسمالية التجارية المحلية تمثل الوسيط والسمسار للإنتاج العالمي، وتعمل بشكل أو بآخر لدفع مواقعها إلى الأمام على حساب التنمية والدولة والمواطن، تمد أذرعها داخل الأجهزة الحكومية، داخل القطاع العام، داخل السوق، وتمارس الفساد والإفساد للإنسان وللمجتمع.
أكدت السنوات الماضية أن الاستثمارات في القطاع الخاص لم تعوض النقص الحاصل في الاستثمار العام، والنسبة الأكبر من الاستثمارات الخاصة توجهت نحو قطاع المال والتأمين والعقارات، على حساب قطاعات التنمية الأخرى والإنتاجية تحديداً، وتمثل الاستثمار الأجنبي أيضاً في قطاع السياحة والتأمين والمصارف الذي بلغ عام 2006 مبلغ 631 مليون دولار، وفي عام 2007 بلغ 89 مليون دولار.
رافق ذلك تنامي الاقتصادي الريعي، وقد أشار إلى ذلك د.غسان إبراهيم في ندوة الثلاثاء الاقتصادية بأن الاقتصاد الريعي أدى إلى تراجع تدريجي للاقتصاد الإنتاجي في الصناعة والزراعة، ومن ثم تراجع دور العمال الصناعيين والزراعيين على مختلف الصعد، ما يفضي موضوعياً إلى تراجع القوى الاجتماعية المساندة والداعمة لإستراتيجية الإصلاح الاقتصادي، وعدد إبراهيم أنواعه الخارجية المتمثلة بريع النفط والغاز وريع المعادن والممرات وخطوط النقل الإستراتيجية، وريع السياحة، وريع تحويلات المغتربين، وريع المساعدات الخارجية، أما أنواعه الداخلية فهي ريع السياحة والخدمات والمضاربات المالية والعقارية، ويؤكد بأن الريع لا يعتبر مشكلة اقتصادية وإنما المشكلة هي فشل أو إخفاق السياسات الاقتصادية في تنمية أنشطة غير ريعية، وضمن هذا السياق يفهم الفريق الاقتصادي الحكومي في سورية التشاركية أو المشاركة مع القطاع الخاص، وكان نموذج ذلك عقد استثمار وتشغيل محطة الحاويات في مرفأ طرطوس الموقع بين الشركة العامة للمرفأ والشركة الفلبينية «انترناشيونال كونتير تيرمينال سيرفيسز».
القضية ليست فقط في تسليم محطة حاويات مرفأ طرطوس، على أهميتها، بل في هكذا توجه لمعالجة أوضاع القطاع العام ومفهوم التشاركية، وجاءت مسوغات تسليم المحطة للقطاع الخاص تحت يافطة استقدام خطوط ملاحية جديدة وتوفير مستلزمات عمل أفضل وتوفير فرص عمل جديدة عبر تنشيط حركة الاستيراد والتصدير والقدرة على المنافسة مع المرافئ المجاورة. والآن وبعد أكثر من عامين ما هي المحصلة؟
لم تتوصل الشركة المستثمرة إلى الخطط والطموحات، فالعدد المطلوب في السنة الأولى 60 ألف حاوية، وبلغ المفرغ 27 ألف حاوية فقط. وفي العام الثاني المطلوب 150 ألف حاوية، والمفرغ 50 ألف حاوية فقط، وقدمت الحكومة للمستثمر الأرصفة والساحات والمستودعات وآليات بمئات المليارات من الليرات السورية، ولم تستطع الوكالات الخاصة استقدام أية بواخر جديدة ولا خطوط ملاحية، بل أخذت البواخر التي كانت بعهدة التوكيلات الملاحية، وهي قطاع عام، أيضاً في مرفأ اللاذقية وبعد توقيع عقد التشاركية في 1/10/2009 تم هروب البواخر من مرفأ اللاذقية وهناك مشاكل في التفريغ والتحميل، وكانت فائدة الاستثمار فقط تحويل مئات الملايين من الليرات السورية إلى جيوب الفئات الطفيلية التي تسرق الوطن تحت يافطة التشاركية.
الغرابة هنا أن الجهات الوصائية السورية لم تسأل الشركات المستثمرة عن أدائها، ولم تسأل الوكالات الخاصة في مرفأي طرطوس واللاذقية عن نتائج أعمالها وعن مخالفاتها للعقود الموقعة، رغم أن التعليمات أجازت للوزير حق إلغاء الترخيص إذا فقد أحد شروط منحه الترخيص، أو خالف الأنظمة المرعية والقوانين، والملاحظ أنه لم يُلغَ أي ترخيص بالرغم من المخالفات الصريحة والإخلال بالعقود.
والسؤال: هل هذه هي التشاركية التي يتحدث عنها الفريق الاقتصادي الحكومي في سورية؟