جرد حساب 5X5=0
منذ أن جاء الفريق الاقتصادي وهو ما فتئ يعمل سراً وجهاراً من أجل إلغاء أي دور اجتماعي للدولة لتحقيق شعار اقتصاد السوق الحر. وقد حافظت الحكومات السابقة بعجرها وبجرها على هذا الدور إلى أن جاء هذا الفريق الحالي وخلال خطة خمسية واحدة، أخل به إخلالا لا مثيل له، وذلك بخمس ميزات كانت سورية تتميز بها بعد حصولها على استقلالها عام 1946 وهي:
1- احتكار البنية التحتية: لقد قامت سورية بإمكانياتها الذاتية بإيجاد وتطوير بنية تحتية تعتبر الأوسع والأرقى في منطقتها العربية، وإذا قارنا بينها وبين البنية التحتية السعودية مثلاً لكانت أهم وأغنى منها. وتحت حجة ضعف الإمكانيات وضرورة استثمار ما لا يقل عن 50 مليار دولار لتحديثها، يجري التخلي عنها لمصلحة القطاع الخاص في مخالفة صريحة للمادة الرابعة عشرة (فقرة 1) من الدستور السوري. وهكذا، فما كدسته الدولة خلال عشرات السنين على حساب عرق وتضحيات الملايين من الناس، يريد البعض نقل ملكيته بشطبة قلم. وهم ماضون في ذلك رغم خطورة ما يقدمون عليه على سيادة الوطن وأمنه.
2- مجانية التعليم: إذ كنا من البلدان القليلة في العالم التي اعتمدت مجانية التعليم بمختلف مراحله حتى الجامعية. لكن يجري التراجع عنها تدريجياً فسمح للقطاع الخاص بالدخول إلى قطاع التعليم، ونشأت العشرات من الجامعات الخاصة، وبعدها المئات من المدارس المختلفة وبعض هذه المدارس تتقاضى 400 ألف ليرة سنوياً كقسط لتلميذ في الصف الأول الأساسي. فتفوق الدور التجاري لها على الدور التربوي والتعليمي، وأصبحت حكراً لذوي المداخيل غير المحدودة.
3- المصارف العامة وضعف المديونية: بعد أن تم تأميم البنوك والمصارف الخاصة خلال الوحدة السورية المصرية وما بعدها، أغلق الباب نهائياً على المصارف الخاصة واحتكرت المصارف العامة السوق المالية السورية. وعلى الرغم من مرور العالم الرأسمالي بأزمة عامة بدأت مظاهرها في أسواق المال والأسهم ترافقت باهتزازات شديدة، فإن الفريق الاقتصادي لم يفتح الباب الواسع أمام نشوء البنوك والمصارف الخاصة، بل سعى لخلق سوق للأوراق المالية رغم أن الاقتصاد السوري لا يحتاجها فعليا لانعدام الشركات المساهمة في هياكله تقريباً.
وقد حذرنا سابقا من أن اللحاق السريع بركب العولمة يربط اقتصادنا بعجلة الاقتصاد الرأسمالي العالمي بشكل لا فكاك فيه، مما سيّحمله عبر آليات الربط المقترحة، ألا وهي البنوك الخاصة والأسواق المالية، كل أثار الأزمة. وإن ما يجري لا ينطلق من مصلحة الاقتصاد الوطني عامة ومن مصلحة الجماهير الشعبية الواسعة خاصة بل من مصالح البعض الضيقة كونها جزءاًُ لا يتجزأ من الرأسمال العالمي.
4- القطاع العام والأمن الغذائي: لقد كان من أولى المهام التي نادينا بها هي الحفاظ على القطاع العام كقاطرة للنمو، وهو كان كذلك في المجال الصناعي وتطوير ودعم الإنتاج الزراعي من أجل تحقيق الأمن الغذائي، وهو ما تحقق فعلا وأصبحنا مكتفين ذاتيا بالمحصول الاستراتيجي للأمن وهو القمح.
وبعد أن كان القطاع العام يدعم خزينة الدولة بمئات المليارات وكان يشكل قاطرة النمو الأولى في سورية جرى نهبه وتخسيره عبر الفساد المستشري، وها هم «الحرامية» الكبار، الذين تراكم لديهم المال الحرام، يفترسون الملكية العامة المنهوبة لتحويلها إلى ملكية خاصة ناهبة. ويتبعون سياسة الخصخصة التدريجية عبر أشكالها المقترحة (تأجير، تشاركية، تخصيص الإدارة وغيرها) وهي ليست إلا أداة تفتيتية للمجتمع والدولة والبلاد، وهي أداة ناجحة لزيادة التوتر الاجتماعي وخلق الأساس للفوضى السياسية، أما الزراعة والتي كانت تساهم بأكثر من 30% من الناتج المحلي السنوي، فقد تدنت مشاركتها إلى أقل من 14% وهذا الرقم آخذ بالانخفاض اعتمادا على الإجراءات المتوقع اتخاذها ليبرالياً..
5- دعم الدولة: منذ السبعينيات اتخذت الدولة سياسة دعم لعدد من المواد الغذائية الأساسية مع المحروقات وانعكست بصورة إيجابية على حياة أبناء الشعب وأسرهم، لكن الحكومة الحالية وفريقها الاقتصادي، وبسبب الأزمات الاقتصادية – الاجتماعية التي ساهمت هي وسابقاتها في خلقها، تستسهل الطرق التي تساعدها على الخروج منها وتغض الطرف عن كل الاقتراحات المقدمة لها المتعلقة بالمطارح المناسبة لتأمين موارد إضافية للخزينة، فهي لم تكافح التهرب الضريبي، ولم تضرب مواقع الفساد الكبير في جهاز الدولة وخارجه أو استعادة الأموال المنهوبة إلى الخزينة العامة، ولم توقف عمليات التهريب المنظمة، وما انفكت تتبّع تعليمات ووصفات صندوق النقد والبنك الدوليين في سياستها الاقتصادية المجحفة بحق الناس والشرائح الأكثر فقراً منهم، مما أدى لتردّ شديد في مستوى الخدمات العامة من سكن وكهرباء ونقل وتعليم وصحة وغيرها، وارتفاعات غير مسبوقة في الأسعار. فإذا كانت الحال كذلك قبل نفاذ خطة الحكومة لـ«إعادة توزيع الدعم» التي هي عملياً رفع كلي للدعم، فكيف ستكون الحال إذا ما نجحت في رفع الدعم؟ وقد وصلت إلى نهاية الدرب فيه تقريبا .
إن هذه الميزات الخمس والتي احتاجت إلى تسع خطط خمسية لتحقيقها، تم التراجع عنها في خطة خمسية واحدة. فما أصعب البناء! وما أسهل التخريب الذي تم وما يزال مستمراً!.