الرقة تحترق بنار الرغيف وتغرق في شبرٍ من مستنقع المحروقات..! الرقة فقدت رقّتها واحترقت بنار الرغيف..
إنها الرقة التي تضاعف عدد سكانها ووصل إلى حوالي المليونين، حيث قدم إليها 50% من سكان دير الزور المهجرين و30% من أهالي حلب و20% من حمص وحماة وأصبح العثور على مأوى وليس مسكناً من الأمور شبه المستحيلة وقد وصل أجار الشقة إلى 50ألفاً وهنا لابد من التنويه والتذكير أن الكثيرين من أهالي الرقة قاموا باحتضان أبناء المحافظات المنكوبة وقاموا بواجبهم وبما يستطيعون اتجاه إخوانهم وهم يستحقون الشكر..لكن هذا لا ينفي أن هناك جشعاً لدى مستغلي الأزمات سواء من التجار أو المسؤولين أوالفاسدين والسماسرة في المجتمع.. بل حتى الجمعيات الزراعية التي تستجر كميات من المازوت تبيع جزءاً منه في السوق السوداء..!
ومن كل ذلك نستطيع أن نتلمس مدى معاناة المواطنين المقيمين والمهجرين ، وحتى نكون واقعيين لابد أن نورد الحقائق بالأرقام :
استهلاك محافظة الرقة قبل وصول المواطنين المهجرين 600 طن من الطحين والمطحنة الوحيدة في الرقة تنتج 180 طناً أي أن هناك عجزاً يتجاوز الثلثين وكان يغطى هذا العجز من مطاحن محافظة حلب والآن بات من الصعوبة استجرار الحاجة السابقة بسبب توقفبعض المطاحن وتدمير واحتراق بعضها الآخر ومع تضاعف عدد السكان يمكننا تصور حجم المعاناة حيث وصل سعر ربطة الخبز إلى 120 ليرة.. ومع تخفيض كمية الطحين الموزع للأفران بنسبةٍ تصل إلى 35% وكذلك نسبة المازوت الموزع للأفران حيث وصلسعر الليتر أيضاً إلى 120 ليرة بالسوق السوداء وهو غير كافٍ وغير متوفرٍ في المحطات تصبح الصورة أكثر قتامةً وإذا أضفنا إلى ذلك عجز الجهات المسؤولة الرسمية من محافظةٍ وتموينٍ وغيرها عن فعل أي شيء تتحول الصورة إلى السوداوية.. وبعودةٍ بسيطةيمكننا أن نتبين الجريمة التي ارتكبت بحق المنطقة الشرقية من الإهمال والتهميش.. فمحافظة الرقة من المحافظات المنتجة للقمح وتكاليف نقله إلى مطاحن حلب كافية لإنشاء عدة مطاحن تحقق الاكتفاء الذاتي وزيادةً عليه ضعفين، فمن المسؤول عن ذلك ..؟ وهل كانذلك عشوائياً ونتيجة أخطاءٍ غير متعمدة.. أم أنه كان مقصوداً..؟
إذا افترضنا حسن النية، من خلال معرفتنا ومتابعتنا لقوى القمع والفساد يمكننا القول الاثنين معاً كأهون الأمرين في أحسن الأحوال فكيف بسوئها..!؟
الرقة تغرق في شبرٍ من المحروقات..
يقول المثل الشعبي ( الجمل يغرق في شِبرٍ من الماء ) فكيف سيكون الأمر إذا كان هناك قافلةً من الجمال وكيف سيكون الأمر عندما يتحول الماء إلى مازوتٍ يزيد الانزلاق أو بنزينٍ وغازٍ يزيد الاحتراق..؟
ما ذكرناه عن الطحين والخبز ربما يكون أخف وطأةً لأنّ هناك بعض الإنتاج المحلي الذي يغطي جزءاً من الاستهلاك والحاجة..
فمحافظة الرقة محافظةٌ غير نفطية بخلاف شقيقتها التوءم دير الزور الغنية بالنفط ومع ذلك لم تنشأ فيها مصفاةٌ تستوعب جزءاً من الإنتاج وتحقق الاكتفاء وتلبي حاجات المحافظات الأخرى وتوفر ريعاً للوطن وتخفف حجم البطالة التي يعاني منها شباب المنطقةالشرقية وحتى لا نذهب بعيداً سنبقى في الرقة ونورد أسعار المحروقات فيها :
سعر ليتر المازوت 120 ليرة وسعر ليتر وهو الأكثر حاجةً والأكثر استعمالاً.
وسعر ليتر البنزين 100 ليرة، أما سعر الغاز فقد صارت رائحة سعره ليس تزكم الأنوف فقط وإنما أصبحت سامة حيث أصبح سعر الأنبوبة 1200 ليرة ..
حتى موظف التموين يبحث عن الخبز
أما أسعار المواد الغذائية فحدث ولا حرج.. وعلى سبيل المثال لا الحصر سعر كغ البطاطا 50 ليرة..ومديرية التموين عاجزةً عن فعل أي شيء..بل أكثر من ذلك إذ التقى مراسل قاسيون بعناصر من إحدى الدوريات التموينية الذين عجزوا عن الحصول على ربطة خبزٍلأنفسهم..! كذلك أحجم كثير من الفلاحين عن زراعة أراضيهم وكذلك أحجم الفلاحون الذين لا يملكون أراضٍي عن استئجار الأراضي مما يهدد بنقص كبيرٍ في إنتاج المحافظة والوطن من القمح..
وأخيراً لابد أن نعرج على ذكر أكثر القضايا خطورةً وهي أن المتطرفين يهددون بدخول مدينة الرقة وتفجير الأوضاع فيها.. وأنه نتيجة عمليات الخطف التي تستهدف المواطنين لطلب فديةً من قبل عصاباتٍ للنهب والسرقة والابتزاز دفعت البعض من الأغنياءوالمتنفذين لتشكيل لجان لحمايتهم وحماية مناطق وجودهم، بينما تشكيل لجان شعبية محلية لتنظم أمور المواطنين مازال ضعيفاً..
وفي النهاية: متى تستعيد الرقة رِقتها ومتى يستعيد الوطن استقراره وأمنه..؟ إن تحقيق ذلك لا يمكن طالما بقيت قوى القمع والفساد مهيمنة وطالما استمر الحل الأمني القمعي والعسكري، وطالما استمر العنف وتجاهل الحل السياسي الذي يحقق التغيير الجذري والشاملويحقق كرامة الوطن والمواطن اللتين هما فوق كلّ اعتبار..