رغم الويلات التي عِشنها.. السوريات ينهضنّ، ويتطلعن إلى المستقبل !
تحفر الحروب أخاديد عميقة عادةً في وجه من تقابله، لكن هذه الحروب الدائرة شوهت أرواح السوريات كما وجوه بعضهن.
أرقام كثيرة تتناقلها جهات إنسانية عديدة، عن حجم الكارثة التي لحقت بالسوريات، حيث قالت المفوضية العليا لشؤون اللاجئين: إن أكثر من 145 ألف لاجئة سورية في البلدان المستضيفة، مثل: العراق ولبنان والأردن هُنّ المعيلات لأسرهن.
كفاح من أجل البقاء!
أضاف التقرير، أنه في الوقت الذي تكافح فيه هؤلاء اللاجئات، من أجل البقاء على قيد الحياة، فإن ما يقارب ربع اللاجئات السوريات في المنفى يعشن في دائرة الفقر والخوف والعزلة، لافتاً إلى أن اللاجئات السوريات يواجهن صراعاً يوميا لتغطية نفقاتهن ورعاية أسرهن، وذلك بالرغم من الظروف القاسية للغاية التي يعشن فيها هُنّ وأطفالهن.
واستند التقرير إلى شهادات أكثر من 135 لاجئة سورية، على مدى ثلاثة أشهر، لافتاً إلى أن الصعوبة الأولى التي تواجه هؤلاء، هي: نقص الموارد ودفع إيجارات المنازل التي يستأجرونها في بلد الملجأ.
انعدام الأمان وتحرش!
وقال التقرير: إن أكثر من 60% من اللاجئات السوريات، اللائي تم الاستماع إلى شهاداتهن، أعربن عن مشاعر من انعدام الأمن والاحساس بالخوف، كما اشتكت الكثيرات مما يتعرضن له من التحرش اللفظي وغيره، وبما وصل في بعض الحالات إلى التعرض للاغتصاب والاستغلال الجنسي، لمجرد أنها امرأة بلا رجل، وتعيش في بلد غير بلدها، بسبب ظروف الصراع القائم في سورية.
داخلاً أو خارجاً.. المعاناة نفسها؟
لا يمكن الفصل بين واقع السوريات خارج البلاد، وبين من يعشن تحت سقف الوطن.
«سوزان.م» 24 سنة، أرملة منذ ثلاث سنوات، تقول: «لم أتمكن من إتمام دراستي الجامعية نتيجة نزوحنا، توفي زوجي نتيجة اشتداد المعارك في بلدتنا واضطررت للنزوح مع أولادي، منذ وفاة زوجي تنقلت بين عدد من المدن السورية لأستقر في دمشق. قدم أهل زوجي مبلغ 30 ألف ليرة سورية كمصاريف للأولاد، ولكن بعد سنة من وفاة زوجي، لم يعد بإمكان ذويه إرسال مصروف، وهو لم يكن موظفاً وليس لديه أي دخل اعتمد عليه، فقررت العمل كي أعيل نفسي، تنقلت بين العمل في عيادة طبيب، وخدمة المنازل لكبار السن، وحالياً أعمل نادلة في أحد مقاهي دمشق».
تتابع سوزان: «عدد قليل من الأشخاص مدوا لي يد العون، ولم يكن لهم مطالب بذيئة مقابل عونهم، معظم الرجال كانوا يريدون مني أن أكون عشيقة لهم، وهم يتكفلون بمصاريفي ومصاريف أبنائي. لذلك كنت أرحل من المنزل أو العمل بعد وصولي لمرحلة عدم القدرة على تحمل المضايقات».
مطلقات ولكن!
تبين الإحصاءات الصادرة عن المحكمة الشرعية في دمشق، وجود ازدياد ملحوظ بأعداد دعاوى الطلاق على اختلافها، ففي سنوات سابقة للأزمة كانت المحكمة توثق 3 آلاف حالة طلاق في العام الواحد، لكنها تزايدت خلال الأزمة لتصل إلى 7300 حالة عام 2015، وإحصاءات عام 2016 لم تصدر بعد. لكن التصريحات العديدة للقاضي الشرعي محمود معراوي تؤكد وجود ارتفاع عدد دعاوى الطلاق في عام 2016.
تقول «وفاء»، مدرسة لمادة اللغة الإنكليزية: «اختلفت نظرة المجتمع قليلا نحو المرأة المطلقة، لكنها لم تتغير كلياً.. تطلقت العام الماضي من زوجي بعد زواج دام ثمانية عشر عاماً، حيث هاجر زوجي مع موجة الهجرة قبل عامين، ولم يتمكن من لم الشمل، ووجد فتاة هناك فقام بتطليقي، لكن الأبشع هو تحكم أهلي بأصغر تفاصيل حياتي، رغم تجاوزي الثلاثين سنة، بات أصغر تصرف يبدر مني هو عيب ولا يجوز كوني مطلقة»!.
سيدة نفسي!
رحلت «نوارة» عن أهلها مع طفلين، لم يتجاوز عمر الكبير سنتين ونصف، عندما قرر والدها تزويجها مرة ثانية، بعد وفاة زوجها بستة أشهر.
تقول «نوارة»: «الشهر المقبل أكمل الثامنة عشر عاماً، ولن يعود والدي صاحب القرار في حياتي، فأنا سأعمل ولن أتخلى عن أولادي كما يريد والدي، الذي قام بضربي وحبسي وإرسال أولادي لعند أهل زوجي، كي يحرمني منهم ويزوجني مرة ثانية، فوالدي يعتبر بقائي دون زواج هو جلب للعار له».
كانت «نوارة» تقيم في إحدى الحدائق في محيط دمشق، لكن عند عودتنا إلى الحديقة، كي تقوم إحدى الجمعيات بمساعدتها، وجدناها قد رحلت إلى مكان مجهول!.
عين على الداخل؟
«فرح. س»، سيدة صناعية سورية من حلب، أقامت في لبنان ورشاً لتصميم الأزياء وتصنيعها قالت لقاسيون: «أقمت مصنعي الصغير قبل سنتين في إحدى المدن القريبة من الحدود السورية، كي أعاود نقل مصنعي إلى سورية، حيث نعاني من ارتفاع النفقات وصعوبة التنقل».
وتابعت: «إن العودة إلى سورية والوضع الأمني غير مستقر بعد، سيؤدي الى خسارتي لأعمالي، خاصة أني افتتحت معملاً لتفصيل الثياب الجاهزة في عام 2014 بالقرب من دمشق، لكن المعمل تَدَمر، وقررت أن أنقل صناعتي إلى الخارج، فيما قامت صديقاتي بفتح معامل في السويداء أو اللاذقية، لكن هذا الأمر بدا عملية مقامرة كبيرة، خاصة أن الحرب لم تنته بعد».
مكتسبات تاريخية وإصرار لنيل المزيد!
تؤمن معظم المشتغلات بالشأن النسوي، أن النساء السوريات تخطين الكثير نحو نيلهن حقوقهن تاريخياً، كما أن السوريات حصلن على مكاسب عديدة من خلال كفاحهن ونضالهن وصلابتهن، على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، وقد برزت الكثير من أسمائهن على المستوى الثقافي والعلمي والمعرفي والعملي، كما على المستوى الاجتماعي الاقتصادي والسياسي.
وعلى الرغم من أن البعض، ما زال يقلل من أهمية بعض هذه الأدوار، معتبرينها لا تتخطى الشكلانية، ولكن بالمقابل تصر العديد من النساء، على أن هذه الأدوار هي من المكتسبات التاريخية التي يجب أن يبنى عليها، وخاصة في المرحلة المقبلة، وما قد تحمله التغييرات الدستورية القادمة من حقوق إضافية للنساء، يجب العمل عليها منذ الآن، صيانة لحقوقها وعدم إنكارها، وتعزيزاً لمكتسباتها.