بدع حكومية تنهال على الخريجين!
البرنامج سنوياً سيكبد الدولة بحدود 300 مليون ليرة بالحد الأدنى، علماً أن نتيجته بالنسبة للمتدربين غير مضمونة إطلاقاً
عاصي اسماعيل عاصي اسماعيل

بدع حكومية تنهال على الخريجين!

هنيئاً لكم أيها الخريجون بهذا الاهتمام الحكومي منقطع النظير، فبعد كل المعاناة مع البرنامج الحكومي السابق المسمى «برنامج تشغيل الشباب» هاهي حكومتكم تتقدم ببشارة للخريجين الشباب المتعطلين عن العمل ببدعة حكومية جديدة، أُطلق عليها هذه المرة «برنامج دعم الخريجين الجدد» وهو بالنتيجة ليس أكثر من فترة تدريب مأجور لعدد محدود جداً من المحظيين من هؤلاء.

البرنامج، حسب ما رشح عنه عبر إحدى الصحف الرسمية، سيكون على مراحل، والقدرة الاستيعابية لكل مرحلة هي ألف مستفيد كحد اقصى من الخريجين الجدد سنوياً، والذين سيتم قبولهم وفقاً لتسلسل المعدلات الأعلى بالاختصاصات الأساسية والفرعية المطلوبة، وممن لا تتجاوز أعمارهم /35/ عاماً بتاريخ التخرج، وتخصص نسبة 50% من عدد المستفيدين للجرحى العسكريين والمدنيين وأسر الشهداء ومن في حكمهم «زوج، أبناء، أشقاء» وفي حال عدم توافر هذه النسبة يصار إلى ملئها من باقي الخريجين المتقدمين للاستفادة من هذا البرنامج وفق تسلسل معدلات تخرجهم.‏
وبموجب البرنامج «البدعة» أعلاه يمنح المستفيدون مكافأة شهرية مقطوعة قدرها 25 ألف ليرة خلال مدة الاستفادة من البرنامج، التي تم تحديدها بـ 6 أشهر لكل مرحلة غير قابلة للتجديد.
وتحدد الاحتياجات اللوجستية المطلوبة للاستفادة من البرنامج بنموذج طلب استفادة من برنامج دعم الخريجين الجدد، نموذج عقد للاستفادة من البرنامج، استمارة تقييم أداء شهري للخريج خلال فترة استفادته من هذا البرنامج، برنامج إلكتروني يقوم بأتمتة بيانات المرشحين لبرنامج دعم الخريجين الجدد وترتيب المقبولين للاستفادة من البرنامج وربطهم بالحيز الجغرافي المطلوب لدى الوزارة والجهات المرتبطة بها.‏
البرنامج «البدعة» وبالتفنيد الرقمي سيكبد الدولة مبالغ كبيرة، فحسب ما ورد أعلاه فإن كل مرحلة سنوية عبارة عن 1000 متدرب، كل منهم سيتقاضى 25 الف ليرة شهرياً، أي بإجمالي سنوي 150 مليون ليرة، ولا بد أن تكاليف الإدارة والتدريب والاستمارات والبرنامج الإلكتروني لأتمتة البيانات والقاعات ومستلزمات العملية التدريبية وغيرها الكثير من التكاليف والمصروفات الأخرى «تحت مسمى الاحتياجات اللوجستية» ستكون موازية لهذا المبلغ، إن لم تكن أكثر.
بمعنى آخر أن البرنامج سنوياً سيكبد الدولة بحدود 300 مليون ليرة بالحد الأدنى، علماً أن نتيجته بالنسبة للمتدربين غير مضمونة إطلاقاً على مستوى حصولهم على فرصة العمل الدائم التي يحلمون بها، وجل ما سيحصل عليه بعض الخريجين «المحظيين» هو 150 ألف ليرة طيلة الأشهر الستة من التدريب، ربما لا تغطي نفقات المواصلات على المستوى الفردي، بالإضافة لبعض المعارف النظرية المضافة.
وبالتالي يمكننا أن نطرح التساؤل المشروع عن الجدوى العملية من مثل هذه الابداعات، اللهم باستثناء ما يمكن أن يحققه بعض «الإداريين والمدربين والمشرفين وغيرهم من اللوجستيين» من تنفيذ المشروع «البدعة» كأجور وتعويضات أو مكافآت وغيرها، بالإضافة طبعاً لما سيروج على أن الحكومة مهتمة بالخريجين الجدد؟!
مما لا شك فيه أن تدريب الخريجين عملية إيجابية ومطلوبة، وهي ربما تعتبر حاجة ملحة، بالمقابل فإن ما يعتبر حاجة ملحة أكثر لهؤلاء الخريجين الجدد، جميعاً ودون استثناء، هو حصولهم على فرصة العمل الدائمة التي تضمن لهم صون كرامتهم وإبعاد شبح البطالة والعوز عنهم، وتضمن لهم استقرار وضعهم المستقبلي، وخاصة على المستوى المعيشي.
ترى ألم تتمكن العقلية الحكومية المبدعة من التقدم باقتراح مشاريع لفتح جبهات عمل إنتاجية دائمة لها طابع الاستثمار الاقتصادي التشغيلي للخريجين، على أن تكون المبالغ المرصودة لمثل هذه المشاريع «الابداعية» ذات الطابع المؤقت غير المنتج، نواة رأسمال لهذه المشاريع التي من الممكن أن تمول ذاتياً وتتوسع لاحقاً؟
أم أن الابداع الحكومي يقتصر على تصفية ما هو موجود بعهدتها من شركات منتجة، وعلى المزيد من الانفاق غير المنتج والمثمر، مع الكثير من التغني والترويج التسويقي بأن الحكومة تمارس دورها؟
والنتيجة أن البرنامج أعلاه، مع كل ما سيتبعه من حملات تسويق وبهرجة وتحميل منية للخريجين، ربما لن يكون أكثر من تشريع لضخ الأموال غير المجدية استثمارياً، بل ربما سيكون بوابة لعبور المزيد من الفساد، سواء على مستوى آليات القبول التي سيعمل بها في انتقاء الخريجين الجدد ممن سيحصلون على المكافأة الشهرية الموعودة والمسقوفة بـ 6 اشهر، أو على مستوى المصروفات والتكاليف والانفاق ومن سيستفيد منها من بعض «اللوجستيين».