مفاوضات النووي الإيراني… حاجة لواشنطن ومأزق لـ «إسرائيل»
بالتزامن مع جولات التفاوض الإيرانية-الأمريكية التي تستضيفها مسقط، نرى أصواتاً من «إسرائيل» متخوّفة من إمكانية الوصول إلى اتفاق، ما يمثّل بالنسبة للكيان ضربة جديدة ربما تدفعه للقيام بمغامرات غير محسوبة، فالمفاوضات مستمرة على أجندة واضحة ومعلنة، فما الذي جرى تحقيقه حتى اللحظة؟ وما هي فرص الكيان في تخريب إمكانية الوصول إلى اتفاق جديد؟
انتهت الجولة الثالثة من المفاوضات الإيرانية - الأمريكية يوم السبت 26 نيسان الماضي، مع إعلانات متزامنة عن أجواء إيجابية سادت هذه المفاوضات، ومن المقرر أن تجري الجولة الجديدة يوم السبت القادم 3 أيار، في الوقت الذي تجتمع فيه الوفود الفنية والتقنية لبحث المسائل التفصيلية. وما إن بدأت جلسات الفنيين حتى حدثت سلسلة انفجارات غامضة في ميناء بندر عباس في إيران، وتقول المصادر إن مواد كيميائية كانت مخزّنة في الميناء هي سبب الانفجار، بينما يبدو أن توقيت الحدث وتزامنه مع ما يجري في سلطنة عمان التي تستضيف المفاوضات يوجّه أصابع الاتهام للكيان الصهيوني. فبالنسبة لـ «إسرائيل» المطلوب هو اقتلاع المشروع النووي الإيراني من جذوره لا التفاوض عليه، وفي الواقع يشكّل هذا المشروع العصب الأساسي لإيران التي تملك وزناً إقليمياً كبيراً بالإضافة لإمكانيات كامنة تحتاج لمشروع وطني لإنتاج الطاقة من جهة بالإضافة لضرورة كسر الطوق المفروض على الدول النامية من قبل دول المركز الرأسمالي. بل والمشكلة الأكبر بالنسبة للكيان هي أن دخول الولايات المتحدة في مفاوضات مع إيران حول هذا الملف بالتحديد هو بمثابة تفكيك للسردية التي تقول إن إيران خرجت مهزومة ويعيد دمجها مع المنطقة التي تنتمي إليها، وهذا ما يؤكد صحة التحذيرات التي كانت تخرج من داخل «إسرائيل» حول أن «الانتصار العسكري قد لا يقود إلى انتصار سياسي»، فالمحللين كانوا يرون أن جيش الاحتلال حقق نجاحات عسكرية على عدد من الجبهات لكن إمكانية تحويل هذه «الإنجازات» إلى واقع سياسي أفضل للكيان يخرج الكيان من أزمته الوجودية ليس مضمون النتائج على الإطلاق!
كيف تسير المفاوضات؟
المفاوضات حسب ما تبدو حتى اللحظة ليست سهلة ولن تكون كذلك، فالطروحات الأمريكية تركّز حتى الآن على سقوف عالية وهذه مسألة مألوفة في المفاوضات، وتتحدث أصوات من واشنطن عن ضرورة تفكيك البرنامج النووي الإيراني والقبول بحق إيران بتوليد الطاقة النووية لكن على أساس استيراد كل مستلزمات هذه العملية من الخارج، أي محاولة لإعادة طهران إلى مصاف الدول التابعة، وحرمانها من توطين الصناعة النووية بشكل كامل، وأيضاً هناك حديث تزامن مع الجلسة الثالثة الأخيرة عن طرح ملفات ترتبط بقدرات إيران الصاروخية وغيرها، على أساس أن هذا الملف يمكن أن يكون مطروحاً على طاولة المفاوضات.
أما بالنسبة لإيران فالموقف شديد الوضوح، فليس هناك نية للتفاوض لا على حق إيران في تخصيب اليورانيوم ولا على القدرات الصاروخية والدفاعية ويرى المفاوضون الإيرانيون أن المفاوضات مرتبطة بضمان سلمية النشاط النووي داخل البلاد، بل وأيضاً يطالبون بضمانات واضحة تحميهم في حال غيّرت الولايات المتحدة رأيها مرّة جديدة كما حدث في اتفاق 2015 الذي انسحب منه ترامب في 2018، إذ تضع طهران مجموعة شروط منها أن ينقل مخزونها الحالي من اليورانيوم عالي التخصيب إلى طرف ثالث «غالباً هو روسيا» وتكون موسكو ملزمة بحسب الاتفاق أن تعيد هذا المخزون إلى إيران في حال انسحبت واشنطن منه.
حتى اللحظة يبدو أن الاتفاق لا يزال يتحضّر وليس من المتوقع أن يعلن عنه سريعاً بل إن الرئيس ترامب اضطر للتراجع عن المهلة الزمنية التي أعلن عنها سابقاً، فبعد أن هدد بأن إيران يجب أن تصل للاتفاق أو ستواجه عواقب يرى نفسه مضطراً للتراجع وتمديد المدة وليس من الصعب أن نستنتج أن الاتفاق مطلوب بالنسبة للطرفين ولكن فهم دوافع كل طرف من شأنه أن يسهل فهم المسألة.
كيف يبدو الاتفاق من المواقع المتقابلة
بالنسبة لإيران هناك دائماً نظرة إيجابية لإمكانية رفع العقوبات في حال نجحت طهران في الحفاظ على برنامجها النووي حتى بوجود ضوابط عليه، وأعلن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في مقال كتبه بجريدة الواشنطن بوست أن التوصل لاتفاق وتجنب الحرب من شأنه منع استنزاف الخزائن الأمريكية. هذا فضلاً عن فتح السوق الإيرانية أمام فرص استثمارية كبيرة أمام الشركات الأمريكية تصل حسب عراقجي إلى تريليون دولار، وترى طهران أن الاتفاق إن تم إنجازه سيمثل نقلة استراتيجية للبلاد، ما يطرح تساؤلات حول الدافع الأمريكي للتفاوض، فالولايات المتحدة عملت منذ عقود على حرمان إيران من تحقيق كلّ ذلك، فما الذي تغيّر اليوم؟! ببساطة هناك قناعة في الإدارة الأمريكية أن استراتيجيتها بالشرق الأوسط لم تحقق مبتغها تماماً، وعندما كانت الآجال الزمنية محدودة وصلنا بالفعل إلى المرحلة التي يمكن أن ينقلب السحر على الساحر، فحجر الأساس في المشروع الأمريكي كان يعتمد على تعميق الفوالق بين كافة القوى الإقليمية في المنطقة، ومحاولة حشر الدول العربية في خندق واحد مع الكيان وإيجاد أطر من نمط «الناتو العربي» الذي يحوّل المنطقة إلى ساحة مواجهة، لكن قوى إقليمية أساسية مثل إيران والسعودية وتركيا ومصر رأت أن برميل البارود الذي نعيش فوقه سينفجر بالجميع، وبدأت بالفعل بعقد تفاهمات بينية معلنة وجماعية بعضها لا يزال وراء الأبواب المغلقة، ما يُخرج الولايات المتحدة من المعادلة، ويضعف تأثيرها على المشهد، من هذا الباب بالتحديد يضمن الوصول لاتفاق دوراً لاحقاً لواشنطن يكون مرهوناً بأن تقدم الأخيرة تنازلات جدية سيكون الكيان أكبر المتأثرين بها، وهو ما يفسر السعار الصهيوني خلال أكثر من عام مضى، وهذا ما تدركه دول الإقليم الأساسية، فمع كل انفتاح بيني يجدون أنفسهم في موقع أكثر استقراراً وفي موقع تفاوضي أفضل، حتى أن السعودية وإيران وخلال زيارة وزير الدفاع السعودي إلى طهران مؤخراً كانوا يتحدثون عن أن العلاقات الثنائية على وشك أن تفتح فصلاً جديداً ما يعني خطوة للأمام تنسجم مع المبادرة الروسية-الصينية لأمن الخليج الذي تكون إيران والسعودية أحد أعمدته الأساسية.
قدرة الكيان على التأثير لا تزال موجودة، لكن تنفيذ عمليات ذات طابع استخباراتي يعيدنا إلى فترة سابقة حيث لم تكن المواجهة العسكرية المباشرة ممكنة، أي أن الكيان اليوم يملك قدرات محدودة على التوتير لكنّه يعرض نفسه لردود فعل قاسية حتى من قبل واشنطن كون سلوكه هذا من شأنه أن يقوض الاستدارة الأمريكية الضرورية.