الحكومة المؤقتة تتحدث بلسان حكومات السلطة الساقطة!
تحدّث السيد باسل عبد العزيز عبد الحنان، وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال السورية التي عينتها سلطة الأمر الواقع، في لقاء مع «التلفزيون العربي» بتاريخ 16 كانون الأول 2024 قائلاً: «الإجراءات الاقتصادية تشمل التحوّل من منظومة اشتراكية شمولية فاسدة إلى نظام اقتصاد حر تنافسي ومفتوح»، وأنّه التقى بمستثمرين متحمسين للاستثمار في سورية.
ربّما لو صدرت هذه الكلمات عن شخص ليس في موقع مسؤولية لتمّ تجاوزها، ولكنّها صادرة عن شخص يُفترض بأنّه مسؤول حكومي، ولو كان مؤقتاً. دعونا نناقش ما قاله بشكل عقلاني أولاً، لنصل بعدها إلى النتيجة.
أمّا ما قاله عن المنظومة الشمولية الفاسدة، فهو أمر نسلّم به دون جدال، وأمّا عن المنظومة الاشتراكية، فيجب علينا هنا أن نقف قليلاً ونتساءل: على أيّ أساس قرر بأنّ سورية شهدت منظومة اشتراكية؟
هل كانت سورية حقاً منظومة اشتراكية؟
على أيّ أساس صُنّفت سورية ضمن المنظومات الاشتراكية؟ فالواقع يقول إنّ السياسات الاقتصادية منذ أواخر القرن الماضي، وتحديداً منذ الثمانينيات، وبشكلها الفاضح منذ بداية هذا القرن «أي استلام بشار الأسد بشكل رسمي للسلطة»، كانت تتبنى بوضوح نهج «الليبرالية الجديدة» تحت شعارات «الانفتاح الاقتصادي» و«تحرير الأسواق». هذا النهج الذي شهد تفكيك القطاع العام، تسليم الموارد الوطنية للمستثمرين، ورفع الدعم تدريجياً عن الفئات الأكثر فقراً.
إنّ الحديث عن الانتقال نحو «السوق الحر المفتوح» اليوم لا يختلف كثيراً عن الشعارات التي رُفعت سابقاً وأدت إلى إضعاف البنية الاقتصادية للبلاد. فالليبرالية الجديدة في سورية ما قبل 2011، والتي اتبعت توصيات المؤسسات المالية الدولية كصندوق النقد الدولي، أسهمت في تعميق الفقر والبطالة وتفكيك الصناعة الوطنية، وهو ما مهّد فعلياً للانفجار الاجتماعي والسياسي لاحقاً.
الغرب نفسه يتراجع عن «السوق المفتوح»
من المفارقات التي يجب أن يتنبّه إليها الوزير عبد العزيز، أنّ الغرب نفسه - الذي يُعتبر الأب الروحي لنظرية «السوق المفتوح» - بدأ يتراجع عنها. ففي كتاب «ما الخطأ الذي حدث مع الرأسمالية؟» للمستثمر العالمي روجير شارما، يتضح أنّ النظام الرأسمالي العالمي دخل في أزمة حادة بسبب سياسات تحرير الأسواق، التي أدت إلى «لا تصنيع» وتآكل الاقتصاد الإنتاجي لصالح الاحتكارات والشركات الكبرى.
اليوم، يشهد العالم بأسره ارتفاعاً في معدلات الفقر واللامساواة، مع إقرارٍ واسع بأنّ الليبرالية الجديدة «أي السوق المفتوح والحر» لم تُنتج سوى أزمات اجتماعية واقتصادية متكررة، وفقدان ثقة الشعوب بقدرة الأسواق المفتوحة على تحقيق النمو. فإذا كانت هذه السياسات قد فشلت في مراكز الرأسمالية نفسها، كيف يمكن تبنيها كحلّ في سورية؟
ما البديل؟
إنّ الخروج من الأزمة الاقتصادية يتطلب إعادة النظر جذرياً في السياسات الاقتصادية التي تُدار بها البلاد. فبدلاً من الانجرار وراء شعارات «الحرية الاقتصادية» و«المنافسة»، يجب التركيز على:
- إعادة بناء القطاع الإنتاجي: دعم الصناعة والزراعة كركيزة أساسية للنهوض الاقتصادي
- الاستثمار الوطني: توجيه الموارد نحو مشاريع وطنية تُدار بشفافية وتحقق تنمية حقيقية.
- سياسات حماية اجتماعية: ضمان حقوق الطبقات الفقيرة والعاملة، بدلاً من تحميلها تكلفة الإصلاحات الاقتصادية.
سقطت السلطة، وبقي أن نسقط النظام!
جوهر أي نظام سياسي هو طريقة توزيع الثروة ضمن المجتمع التي يديرها هذا النظام... ورفع شعار «السوق الحر» يعني أن النظام ما يزال هو نفسه حتى الآن، لأن هذا الشكل من «السوق» سيبقي توزيع الثروة لمصلحة الأغنياء وضد مصلحة الفقراء، وسيبقي اقتصادنا تابعاً وغير منتج... ما يعني أن هذا التصريح هو مؤشر إضافي على أن ما جرى حتى الآن هو تبديل للسلطة واستمرار للنظام، كما جرى في بلدان أخرى مثل تونس ومصر... ولذا فإن السوريين مطالبون بمواصلة النضال وتنظيم أنفسهم وقواهم، وخاصة أبناء حزب الـ90% لكي يفرضوا نظاماً جديداً يدافع عن مصالحهم وحقوقهم...