جديد تسليع الصحة تحت عنوان التشاركية!

جديد تسليع الصحة تحت عنوان التشاركية!

تستمر مسيرة تسليع الصحة تحت عناوين الاستثمار والتشاركية مع القطاع الخاص، وآخر المستجدات بهذا الشأن ما وضحته معاون وزير الصحة للشؤون الصيدلانية والهندسة الطبية الدكتورة رزان سلوطة لموقع «الاقتصادية» بتاريخ 17/11/2024، والتي يمكن تكثيفها بالنقاط التالية:

  • تواصل وزارة الصحة العمل على تشجيع المستثمرين للاستثمار في القطاع الصحي من خلال تحسين بيئة العمل، واختزال المتطلبات.
  • صدر قرار تنظيمي يمكن بموجبه فتح صيدليات خاصة في المشافي الحكومية، وبذلك نكون قد حققنا هدفين، أحدهما استفادة المشفى من عوائد هذه الصيدليات والنقطة الثانية استمرار هذه الصيدليات بعملها على مدار 24 ساعة وبالتالي تأمين الأدوية للمرضى بأيّ وقت.
  • هناك بعض الأفكار الأخرى المطروحة للتشاركية ومنها السماح للأطباء من القطاع الخاص فتح عيادات ضمن المشافي الحكومية.
  • وبالنسبة للمخابر يمكن أن تكون أيضاً أحد القطاعات المطروحة للتشاركية بما يخصّ التحاليل النوعية، حيث تكون عامل جذب للخاص ضمن الأجهزة الموجودة أو بإضافة أجهزة جديدة، وبما يضمن تقديمها بتكلفة أقل من القطاع الخاص، ويحقق عائداً مرضياً للمشفى بالتوازي مع تأمين خدمات جيدة للمرضى ويوفر لهم جميع التحاليل المطلوبة.
  • تمت دراسة عدة أفكار ليكون الموضوع قيد التنفيذ على أرض الواقع منها التجهيزات الطبية الغالية الثمن بالمشافي، حيث يقوم القطاع الخاص بشراء هذه التجهيزات ووضعها في الخدمة في مشافي الوزارة بأسعار منطقية ومدروسة من الوزارة.
  • العمل جارٍ على تشجيع إنشاء مراكز خاصة متكاملة متخصصة لمعالجة الأورام، وتم ترخيص أحد هذه المراكز في دمشق، والعمل مستمر لإنشاء مراكز أخرى تغطي جميع المحافظات، وهذا سيكون رديفاً للمشافي الحكومية في تقديم خدمات العلاج والتشخيص وفق معايير وأسس معيَّنة ومحددة من الوزارة.

بعض الآثار والنتائج السلبية!

هناك الكثير من الآثار السلبية التي سيتم حصادها بنتيجة البدء بتنفيذ الخطوات أعلاه على مستوى الخدمات الصحية في المشافي العامة، وخاصة في ضوء تآكل الطبيعة المجانية المفترضة لهذه لخدمات فيها بعد إجراءات سابقة حولتها إلى هيئات عامة عززت الخدمات المأجورة، بالإضافة طبعاً إلى إجراءات تخفيض الإنفاق عليها عاماً بعد آخر، والنزف المستمر للكادر الطبي والتمريضي منها، وغيرها من النتائج السلبية الكثيرة السابقة!

ويمكن اختصار السلبيات المستجدة، استناداً لما طرحته معاون وزير الصحة أعلاه، بالنقاط التالية:

  • تسخير الموارد والإمكانات في المشافي العامة للغايات الربحية، فالاستثمار الخاص يسعى لتحقيق الأرباح كغاية أوّلاً وآخراً، وبشرعنة دخوله إلى المشافي العامة سيسعى لتسخير إمكاناتها ومواردها (عيادات - أجهزة ومستلزمات – مخابر – صيدليات - كادر طبي وتمريضي...) لخدمة هذه الغاية الربحية!
  • استكمال إنهاء الهدف الأساسي من المشافي العامة، فالمشافي العامة وُجدت لتوفير خدمات صحية مجانية أو منخفضة التكاليف للمواطنين، وخاصة للشرائح المفقرة، ودخول الاستثمار الخاص في هذه المشافي سيؤدي إلى زيادة كلفة الخدمات تدريجياً، مما يقلل إمكانية حصول المفقرين على الرعاية الصحية بعد تآكل مجانيّتها تباعاً، على ذلك فإنّ استمرار السير بهذا النهج التفريطي لا يعني الانحراف عن الهدف الأساسي من المشافي العامة فقط، بل تجاوز هذا الهدف وإنهاءه كلياً!
  • تكريس التمييز الطبقي، فزيادة تكاليف الخدمات الصحية يعني أن من لديهم القدرة على تحملها سيحصلون على خدمات أفضل، أي سيحظون بمعاملة تفضيلية عن سواهم من المفقرين العاجزين عن تحمل هذه التكاليف، والنتيجة هي تعزيز الفرز الطبقي في الحصول على الرعاية الصحية!
  • دخول الاستثمار الخاص الربحي على الخدمات الصحية في المشافي العامة سيعزز ممارسات المحسوبية والوساطة والفساد فيها بما يحقق مصالحه ويضمنها، وبظل تفشي أنماط المحسوبية والفساد فإن الرقابة الرسمية ستزداد ضَعفاً، وبالتالي سيسهل على مستثمري القطاع الخاص أن يتجاوزوا بعض القوانين والتعليمات، لتحقيق المزيد من الأرباح على حساب المرضى!

والنتيجة الطبيعية لكل ما سبق تكريس تحويل الصحة إلى سلعة قابلة للاستثمار والتربح منها، فالأولوية الربحية بالنسبة للمستثمرين تعني التضحية بالاحتياجات الصحية المجتمعية، بالإضافة إلى أن ربط جودة الرعاية بالقدرة المادية للمريض تعني انعدام المساواة في الحصول على الخدمات الصحية، وبالتالي تصبح المشافي العامة، المجانية افتراضاً، عاجزة عن توفير الخدمات الصحية بجودة مقبولة للفئات الأكثر احتياجاً إليها، والمتمثلة بالغالبية المفقرة!