أين وصلت العلاقات الروسية الصينية في ذكراها الخامسة والسبعين؟
أعلنت شركة «غازبروم» الروسية في الحادي عشر من الشهر الجاري أنّ توريدات الغاز الروسي إلى الصين في عام 2024 ستتجاوز الحجم المتفق عليه بموجب العقود بين الجانبين. جاء ذلك في بيان صادر عن الشركة الروسية الذي أكد أن «غازبروم» تعمل حالياً على التحضير لزيادة تصدير الغاز عبر خط أنابيب «قوة سيبيريا» وفقاً للاتفاق بين الشركتين حول إيصال حجم التوريدات إلى أعلى المستويات بشكل مبكر، وستزيد عن الحجم المتفق عليه بموجب العقود بمقدار مليار متر مكعب في عام 2024.
وقد أشار نائب رئيس الوزراء الرّوسي ألكسندر نوفاك إلى أنّ «غازبروم» زادت من توريدات الغاز إلى الصين في عام 2023 الماضي 1.5 مرة، إلى 22.7 مليار متر مكعب من الغاز، وهي في العام الحالي قد تبلغ 30 مليار متر مكعب.
وكانت شركتا «غازبروم» الروسية وCNPC الصينية قد اتفقتا على إيصال حجم التوريدات عبر أنبوب «قوة سيبيريا» إلى المستوى الأعلى البالغ 38 مليار متر مكعب من الغاز في كانون الأول 2024 بدلاً عن كانون الثاني 2025، حسبما كان متفقاً عليه في وقت سابق.
بعيد سماع خبر تجاوز توريدات الغاز الروسي إلى الصين مخططاتها، يتبادر إلى الذهن فوراً الخطوة الأولى التي قام بها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عقب إعلان الولايات المتحدة عقوباتها الشهيرة في العام 2014، رداً على عودة القرم إلى روسيا في آذار 2014، حيث في مقابل العقوبات والضغط الشديد على روسيا، كانت أول خطوة قام بها بوتين هي الذهاب إلى الصين وإنجاز اتفاق بيع الغاز للصين بما يعادل 400 مليار دولار، وجرى تعاون كبير في مجالات الطاقة والنفط والاتصالات وغيرها. حيث أبرم الاتفاق حول هذا المشروع بين شركة «غازبروم» الروسية العملاقة والشركة الصينية الوطنية للنفط والغاز في أيار 2014، وبلغت مدة العقد مع بكين 30 عاماً.
وكان هذا الاتفاق بمثابة ضربة قوية جداً للولايات المتحدة آنذاك، وما كان كلاماً ومشروعاً على الورق، أصبح الآن وقائع وارتباطات على الأرض ذات طابع اقتصادي، صار عمرها عشر سنوات وهي تتطور بشكل صاروخي وسريع جداً.
وتحتفل روسيا والصين العام الجاري بالذكرى الـ75 لإقامة العلاقات الدبلوماسية، حيث قد وصل سكرتير مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو إلى الصين في زيارة طويلة شملت المشاركة في «منتدى شيانغشان العاشر» العسكري في بكين والمعرض الجوي الدولي إلى جانب المشاورات الروسية الصينية حول الأمن الاستراتيجي، وغيرها كثير من الفعاليات.
وقد أشاد الجانبان الروسي والصيني بالمستوى الرفيع غير المسبوق للشراكة الاستراتيجية الشاملة بين البلدين، والتي أصبحت أساساً متيناً لمشاريع تجارية واقتصادية وثقافية وإنسانية مشتركة وناجحة، إذ أصبحت العلاقات بين روسيا والصين إحدى ركائز السياسة والأمن العالميَّين.
تتطوّر هذه العلاقات بشكل سريع على المستوى السياسي والاقتصادي وحتى العسكري، وكان الرئيسان الروسي والصيني قد ثبّتا أسس التعاون الاستراتيجي بين البلدين خلال قمة بريكس التي عقدت الشهر الماضي في قازان.
حيث أكد الرئيس الصيني شي جين بينغ خلال لقائه مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين: «لقد سلكنا الطريق الصحيح لبناء العلاقات بين القوى العظمى على مبادئ عدم الانحياز وعدم المواجهة وعدم التوجُّه ضد أطراف ثالثة، وفي العصر الجديد، نولي أنا وأنت (بوتين) دائماً اهتماماً متزايداً بالعلاقات الصينية الروسية وإبقائها تحت الرقابة الشخصية».
وتابع: «في سياق التحولات التكتونية التي لم نشهدها منذ قرن من الزمان، يشهد الوضع الدولي اضطرابات خطيرة، ولكن هذا لا يمكن أن يزعزع قناعتي بثبات الخيار الاستراتيجي للبلدين لصالح الدعم المتبادل الثابت. وثبات الصداقة العميقة التي تعود إلى قرون بين بلدينا، وثبات الشعور بالواجب كقوى عظمى».
وكان البلدان قد عقدا قمة كبرى في موسكو العام الماضي أعلنا فيها الشراكة الشاملة، وأكد الرئيس الصيني عقب محادثاته مع الرئيس الروسي، أنّ العلاقات الصينية الروسية تجاوزت كونها علاقات ثنائية، وهي ذات أهمية كبيرة للنظام العالمي. وأكدا أن العلاقات الروسية-الصينية القائمة على شراكة شاملة وتعاون استراتيجي، تدخل عصراً جديداً.
وأوضح: «لقد لخّصنا أنا والرئيس بوتين معاً نتائج تطور العلاقات الثنائية على مدى السنوات العشر الماضية واتفقنا على أنّ العلاقات الصينية الروسية تجاوزت العلاقات الثنائية، وهي ذات أهمية حيوية للنظام العالمي الحديث ولمصير البشرية».
كما أكد الرئيسان على أنّ العلاقات الروسية الصينية وصلت إلى أعلى مستوى في تاريخهما، وقال البيان: «العلاقات الروسية الصينية من الشراكة الشاملة والتفاعل الاستراتيجي، التي تدخل عهداً جديداً، بفضل الجهود المستمرة للأطراف، وصلت إلى أعلى مستوى في تاريخها وتواصل التطور تدريجيّاً».
وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ إنّ روسيا والصين ستساهمان في الانتعاش الاقتصادي في فترة ما بعد الوباء، ويضمنان الأمن الغذائي.
وأشارا إلى أنّ العلاقات بين روسيا والصين ليست تحالفاً عسكرياً ومواجهة، وليست موجَّهة ضد دول أخرى.
وتطرّقا إلى أنّ العلاقات بين روسيا والصين ناضجة ومستقرة ومكتفية ذاتياً، وصمدت في وجه الوضع الدولي المضطرب ولا تخضع لتأثير خارجي.
وشدّدا على أنّ روسيا والصين ضدّ سياسة القوة، والتفكير في الحرب الباردة، والمواجهة بين المعسكرين (الغربي والشرقي).
وأشارا إلى المساهمة الإيجابية لمنظمة معاهدة الأمن الجماعي في إمكانية تطوير التعاون بين منظمة معاهدة الأمن الجماعي وجمهورية الصين الشعبية لضمان السلام والاستقرار.
كما أكد البلدان رفضهما القاطع لمحاولات استيراد «الثورات الملونة» والتدخل الخارجي في شؤون آسيا الوسطى.
وبما أن ما يقرب من واحد من كل أربعة بلدان، أي ما يمثل 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، يخضع لعقوبات أمريكية فليس من المستغرب أن تبحث هذه البلدان عن حلول بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، أيْ أنّ روسيا والصين ليستا وحدهما من يبحثان عن مخرج بعيداً عن الهيمنة الأمريكية، وهو ما يفسّر تنامي قوة بريكس.