مجموعة العشرين: مَن عزل مَن؟
كان من المفترض أن تناقش قمة وزراء خارجية دول مجموعة العشرين G-20 التي انعقدت في الثامن من الشهر الجاري بعض الأمور الجدية المرتبطة بالوضع الاقتصادي العالمي وتداعيات هذا الوضع الآخذ بالتعقد على نحو متسارع. غير أن المحاولات الغربية المحمومة لتصوير روسيا كدولة معزولة داخل القمة أفضت إلى المزيد من تهتك صورة الغرب الذي بدا عاجزاً ليس عن عزل روسيا فحسب، بل وكذلك عن الظهور بمظهر متوازن ومتحد.
وكانت القمة في إندونيسيا أول مواجهة مباشرة بين وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، ونظرائه الغربيين منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا. ودفع الإصرار الغربي على تحويل أعمال القمة إلى مساحة لبعض الألاعيب الإعلامية نحو تحويل القمة إلى مساحة للأخذ والردّ شملت مقاطعات لبعض الكلمات وانسحابات من بعضها الآخر، لتنتهي إلى نهايتها المنطقية حيث لم تستطع الدول المشاركة الاتفاق حتى على بيانٍ ختامي.
ورغم أن مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، حثّ زملائه على أنه «لا ينبغي لأحد أن يظلّ محايداً» في مواجهة روسيا، فإنّ ممثلي أكثر من نصف الدول الحاضرة في الاجتماع تصرّفوا على نحو دبلوماسي ولم ينجرّوا تماماً خلف الرغبة الغربية، ما جعل الأمر يبدو وكأنّ الغرب ذاته قد تمت محاصرته وعزلته في واحدة من مؤسساته، وليس روسيا.
وبعيداً عن التفاصيل التي شهدتها القمة ذاتها، فإنّ المهمّ هو أنها رسّخت التحليل القائل بافتقاد مجموعة العشرين لدورها الذي كانت قادرة على لعبه سابقاً. وهذا الافتقاد ليس ناتجاً فقط عن السلوك الغربي في أعمال هذه القمة فحسب، بل هو نتيجة للتراجع العام في الوزن النوعي للمنظومة الغربية التي تشهد تفككاً وارتفاعاً في مستوى التناقضات بين أقطابها الرئيسيين.
والأهم من هذا وذاك، أن افتقاد مجموعة العشرين لدورها لا يعبّر عن أزمة داخل مجموعة العشرين فحسب، بل هو في العمق مؤشر يعيد التأكيد على أنه ينبغي التفكير بمستقبل جميع المؤسسات التي قامت استناداً إلى توازنات دولية سابقة تزعّم خلالها الغرب قيادة العالم كما يشاء، فإما أن تتكيف هذه المؤسسات مع الواقع الدولي الجديد وبالتالي تضمن لنفسها احتمالية أن يكون لها دور في المستقبل، وإما أن تكون جزءاً من المؤسسات التي سيخمد دورها بالتدريج وصولاً إلى زوالها تماماً.