بايدن في جدة، وبوتين في طهران...
يغادر جو بايدن مساء الجمعة 15 تموز الأراضي الفلسطينية المحتلة، متجهاً إلى جدة حيث سيتم في اليوم التالي 16 تموز عقد قمة يجتمع فيها الرئيس الأمريكي مع زعماء دول مجلس التعاون الخليجي بالإضافة إلى مصر والعراق والأردن، ليغادر في اليوم التالي عائداً إلى واشنطن.
في طهران، وعلى بعد أقل من 2000 كم من جدة، سيجتمع رؤساء روسيا وإيران وتركيا يوم الثلاثاء 19 تموز، ضمن صيغة أستانا، والموضوع الوحيد المعلن على جدول الأعمال هو سورية، إضافة للقاءات ثنائية بين الأطراف الثلاثة.
استنتاج بديهي
ليس خافياً أنّ أيّ قمة تعقد هذه الأيام، وفي أيّ بقعة من بقاع العالم، لا بد وأنّها تتصل بصورة ما بالصراع العالمي الجاري على قدم وساق، والذي تشكل أوكرانيا أحد عناوينه.
وهذا الصراع كما هو معلوم أوسع من أوكرانيا بكثير، حتى أنّ حضور أوكرانيا على واجهته بات ذاوياً ومتراجعاً خلال الأسابيع الأخيرة، لتتصدر مكانها: أزمات الطاقة والغذاء والتضخم، والتخبط السياسي في أوروبا والولايات المتحدة، والانحيازات الجديدة على المستوى العالمي، وغيرها من الملفات الكبرى.
ولذا ليس من الصعب القول إنّ هنالك ارتباطاً ما أو علاقة ما بين القمتين في جدة وفي طهران، ولكنّ ما يتطلب انتباهاً وتفكيراً هو ماهية وحقيقة ذلك الارتباط.
الإعلام الغربي
يرى المتابع لعمليات الضخ الإعلامي الغربي حول كلٍ من القمتين، أنّ هنالك موضوعة واحدة يجري تكرارها والطرق على رؤوس الناس بها بشكل مستمر. تتلخص هذه الموضوعة بما يلي:
قمة طهران هي رد فعلٍ روسي بالدرجة الأولى، وإيراني بالدرجة الثانية، على قمة جدة. الروس والإيرانيون يخشون حدوث استدارة خليجية كاملة نتيجة إغراءات وتهديدات الأمريكان. بموجب الاستدارة المفترضة، فإنّ الخليج سينبطح تحت العباءة «الإسرائيلية»، ليكون كلاهما أساساً لـ«حلف بغداد» جديد تحت القيادة الأمريكية، ولكن هذه المرة ضد الإيرانيين إقليمياً، وضد الروس والصينيين عالمياً.
حتى أنّ الإعلام الغربي، وعند حديثه عن قمة أستانا في طهران، يصل حد الإغفال النهائي لوجود سورية ليس فقط على رأس جدول أعمال تلك القمة، بل لوجدها أساساً ضمن جدول الأعمال؛ ليصبح جدول أعمال قمة طهران وفقاً للإعلام الغربي مختصراً بنقطة واحدة: الرد على قمة جدة!
حقيقة الأمر
ليس جديداً بطبيعة الحال أنْ يتعامل الإعلام الغربي مع المسألة بهذه الطريقة؛ إذ لطالما قادت العجرفة الغربية الفارغة عقول المسؤولين الغربيين باتجاه اعتبار أنفسهم مركز الكون ومحوره، وأنّ أي فعل يجري في أي بقعة من بقاع العالم إنما يأتي كرد فعل عليهم.
وليكون المرء منصفاً، فهم بالفعل محور الكون ومركزه؛ محور ومركز العالم القديم والنظام العالمي القديم الذي تجري الإطاحة به الآن...
بكل الأحوال، فإنّ المقولة التي يجري تقديمها حول طبيعة الارتباط بين القمتين، تفترض أنّ بايدن سيحقق أهدافه المرجوة في جدة، أو أنه حققها بالفعل، وهذا مجرد وهمٍ لا أساس له من الحقيقة؛ وهو ما سبق أنْ بيّناه في مادة سابقة في قاسيون بعنوان: «بايدن في الخليج: أربعة أكاذيب معلنة، وحقيقة واحدة مخفية».
حقيقة الأمر تكمن في أنه ليس لدى الروس ولا الصينيين أية مخاوف جدية تتعلق بمواقف دول الخليج العربي، أو بتحولاتها اللاحقة.
أهم من ذلك، هو أنّ الروس والصينيين قد غادروا مواقف الدفاع بوجه الأمريكان والغربيين منذ سنوات، وباتوا في مواقع الهجوم، لذا فإنّ فهم سلوكهم وتحركاتهم ينبغي أن ينطلق من هذا التصور بالذات... بكلام آخر، ينبغي أن يتمّ التفكير بقمة أستانا في طهران، التي تشكّل الأزمة السورية جدول أعمالها الكامل المعلن، على أنها قمة سيجري التحضير فيها لهجوم إضافي على الغرب...
وبوضوح أكبر، ينبغي التفكير بقمة أستانا القادمة في طهران، انطلاقاً من احتمال أن تكون نقلة نوعية في طريقة التعامل مع الملف السوري، باتجاه حلّه على أساس القرار 2254؛ فكما أنّ الغرب قد وافق نفاقاً على اتفاقات مينسك وعطّل تنفيذها، ويجري اليوم تنفيذ تلك الاتفاقات دون الغرب ورغماً عنه، كذلك الأمر بالنسبة للقرار 2254، الذي وافق الغرب عليه نفاقاً، واشتغل طوال سبع سنوات على تعطيله، وبات الوقت مناسباً لتنفيذه دون الغرب ورغماً عنه، وبطريقة عملية تمر بالضرورة عبر أستانا...