قناصة مجهولون و«تغيير الأنظمة» وفق مصالح الغرب 1/2
لعب القناصة المجهولون دوراً محورياً خلال ما يسمى «ثورات الربيع العربي» حتى الآن، وعلى الرغم من تواجدهم في التقارير المنشورة في وسائل الإعلام، فمن المستغرب ألا نولي إلا القليل من الاهتمام فقط لدورهم وأهدافهم
ترجمة: جيهان الذياب
ألّف الباحث الصحفي الروسي نيكولاي ستاريكوف كتاباً يناقش فيه دور القناصة المجهولين في زعزعة استقرار البلدان التي تستهدفها الولايات المتحدة وحلفاؤها لتغيير أنظمتها. يحاول المقال التالي توضيح بعض الأمثلة التاريخية التي اُستخدمت فيها هذه التقنية لتوفير الخلفية التي نفهم من خلالها الحرب الخفية الحالية على الشعب السوري التي تقوم بها فرق الموت لخدمة الاستخبارات الغربية .
رومانيا عام 1989
في الفيلم الوثائقي «كش ملك : استراتيجية الثورة» لـ سوزان براندستاتر الذي بثته محطة تلفزيون «آرتي» قبل بضع سنوات، كشف مسؤولو الاستخبارات الغربية كيف استُخدمت فرق الموت لزعزعة الاستقرار في رومانيا وتحويل شعبها ضد رئيس الدولة «نيكولاي تشاوشيسكو» .
يجدر بأي شخص مهتم بكيفية عمل وكالات الاستخبارات الغربية وجماعات حقوق الإنسان وإعلام الشركات وتواطؤها للقيام بتدمير منهجي للبلدان التي تتصارع قياداتها مع مصالح رأس المال الكبير والامبراطورية الرأسمالية، أن يشاهد فيلم «براند ستاتر» .
تحدث «دومينيك فونفيل»، العميل السري السابق في جهاز المخابرات الفرنسي، صراحةَ عن دور عملاء المخابرات الغربية في زعزعة استقرار السكان في رومانيا .
«كيف يمكنك تنظيم الثورة؟ أعتقد أن الخطوة الأولى هي تحديد موقع قوات المعارضة في بلد معين. ويكفي أن يكون هناك جهاز استخبارات متطور جداً لكي يحدد أي من الناس من ذوي المصداقية الكافية ولديهم التأثير الكافي لإثارة الناس ضد النظام الحاكم».
وقد بررت الرعاية الغربية للإرهاب هذا الاعتراف الصريح والنادر على أساس أنه “ الخير الأعظم» الذي جلبته رأسمالية السوق الحرة إلى رومانيا . وقد كان لابد من موت بعض الناس، وفقاً لمنظري «الثورة» في رومانيا!!.
رغم أن رومانيا اليوم هي إحدى أفقر البلدان في أوروبا. وينص تقرير قدمه موقع يوراكتيف الإخباري على ما يلي:
«ترتبط حياة معظم الرومانيين في العقدين الماضيين مع عملية مستمرة من الإفقار وتدهور مستويات المعيشة، وذلك وفقاً لمعهد بحوث مستوى الحياة في رومانيا، ونقلته صحيفة فايننشيارول اليومية». كما كشف مسؤولون في المخابرات الغربية تمت مقابلتهم في البرنامج الوثائقي أيضا كيف لعبت الصحافة الغربية دوراً محورياً في التضليل. فعلى سبيل المثال، تم تصوير ضحايا القناصة المدعومين من الغرب وتقديمهم إعلامياً للعالم كدليل على وجود دكتاتور مجنون «يقتل شعبه».
وحتى يومنا هذا، هناك متحف في الشوارع الخلفية من «تيميشوارا» في رومانيا يعزز أسطورة «الثورة الرومانية». أما فيلم آرتي الوثائقي فهو أحد المناسبات النادرة التي كشفت فيها الصحافة السائدة بعضاً من الأسرار السوداء للديمقراطية الليبرالية الغربية. وقد تسبب هذا الفيلم بفضيحة عندما تم بثه في فرنسا، مع مناقشة صحيفة لوموند ديبلوماتيك المرموقة للمعضلة الأخلاقية في دعم الغرب للإرهاب من خلال رغبته في نشر “الديمقراطية»!
روسيا 1993
أدى قصف البرلمان الروسي إلى مقتل الآلاف من الناس أثناء ثورة «بوريس يلتسين» المضادة في روسيا عام 1993. ووفقاً للعديد من تقارير شهود العيان آنذاك، استخدم «ثوار» يلتسين القناصة بشكل مكثف. وشوهدوا وهم يطلقون النار على المدنيين من المبنى المقابل للسفارة الأمريكية في موسكو، ونسبت وسائل الإعلام الدولية القناصة إلى الحكومة.
فنزويلا 2002
في الحادي عشر من نيسان 2002، أثناء محاولة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية الإطاحة بهوغو تشافيز بانقلاب عسكري، نظمت المعارضة الفنزويلية المدعومة من الولايات المتحدة مظاهرةً، اتجهت نحو القصر الرئاسي. وهناك فتح القناصون المختبؤن في المباني القريبة من القصر النار على المتظاهرين مما أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصاً. وادعت وسائل الإعلام الدولية و الفنزويلية المعارضة أن تشافيز «قتل شعبه»، الأمر الذي يبرر الانقلاب العسكري واقتراح التدخل «الإنساني». وثبت لاحقاً أن وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية هي من نظم هذا الانقلاب ولكن لم يتم تحديد هوية القناصين أبداً.
تايلاند أبريل 2010
في الثاني عشر من نيسان 2010، نشرت صحيفة «كريستيان ساينس مونيتور» تقريراً مفصلاً عن أعمال شغب دارت بين نشطاء «القمصان الحمراء» والحكومة التايلاندية. عنونت الصحيفة المادة كما يلي: «القناصة المجهولون يلقون بظلالهم على القميص الأحمر المعارض في تايلاند، موكب النعوش».
تطالب حركة «القمصان الحمراء» في تايلاند باستقالة رئيس الوزراء التايلاندي. وأشار تقرير الصحيفة إلى الرد العنيف من قبل قوات الأمن التايلاندية ضد المتظاهرين، بينما أفادت الحكومة من جهتها بشأن هذه الأحداث بالقول:
«استخدم السيد ابهيسيت عناوين التلفزيون الرسمي ليروي قصته، فقد ألقى باللوم على مسلحين مارقين، أو «إرهابيين»، في أعمال العنف الشديدة التي كانت حصيلتها وفاة 21 شخصاً على الأقل وإصابة 800 آخرين، وشدد على الحاجة إلى إجراء تحقيق كامل في مقتل الجنود والمتظاهرين. كما بث التلفزيون الحكومي صوراً متكررة لجنود تعرضوا لإطلاق نار من الرصاص والمتفجرات”.
تابع تقرير الصحيفة، على حد تعبير مسؤولين عسكريين تايلنديين ودبلوماسيين غربيين لم يكشف عن أسمائهم:
«يقول مراقبون عسكريون إن القوات التايلاندية وقعت في فخ نصبه عملاء محرضون من ذوي الخبرة العسكرية، فقد تكفل مسلحون مجهولون بشل حركة الجنود بعد حلول الظلام ونشر معارك فوضوية مع معارضين عزل، وكبدوا الطرفين خسائر فادحة. وبناءً على صور الكاميرات وشهادات الصحفيين، صرح دبلوماسيون غربيون وبعد إطلاعهم عليها من قبل المسؤولين التايلنديين عن وجود قناصين استهدفوا القادة العسكريين الميدانيين، مما يدل على درجة من التخطيط المسبق ومعرفة بتحركات الجيش. ولكن بعدما أعلن قادة المظاهرات أنهم لا يملكون جناحاً عسكرياً وأن تحركهم سلمي، فمن غير الواضح إن كان المتطرفين في هذه الحركة على علم بهذا الفخ. ويقول ديبلوماسي غربي على اتصال منظم مع قادة المعارضة:»لا يمكن الادعاء بأن الحركة السياسية سلمية وهي تمتلك ترسانة من الأسلحة للاستخدام عند الحاجة».
يستكشف مقال الصحيفة أيضاً إمكانية أن يكون القناصة عناصر مارقة في الجيش التايلاندي، يستخدمهم عملاء محرضون لتبرير القمع ضد المعارضة الديمقراطية. وتخضع النخبة الحاكمة في تايلاند حالياً تحت ضغط وجود المجموعة التي تسمى القمصان الحمر.
قرغيزستان يونيو 2010
اندلعت أعمال العنف العرقي في جمهورية قرغيزستان في آسيا الوسطى في يونيو 2010. وأفادت التقارير، على نطاق واسع، أن قناصة مجهولين فتحوا النار على أفراد الأقلية الأوزبكية في قيرغيزستان.
وحسب موقع يوراسيا دوت نت أن: «كثير من الناس مقتنعون بأنهم يرون المرتزقة الأجانب بوصفهم قناصة. ويتميز هؤلاء المقاتلون المزعومون الأجانب بمظهرهم. فقد أبلغ السكان رؤيتهم قناصة سود وطوال القامة، وقناصة إناث شقر من دول البلطيق. وسادت فكرة أن القناصة الإنجليز يجوبون شوارع أوش ويطلقون النارعلى الأوزبك. ولكن لا وجود لأي إثباتات مستقلة لهذه الشهادات من قبل الصحفيين الأجانب أو ممثلي المنظمات الدولية».
وقع العنف العرقي ضد المواطنين الأوزبك في قرغيزستان بالتزامن مع ثورة شعبية ضد النظام المدعوم من الولايات المتحدة، والتي نسبها العديد من المحللين إلى مكائد موسكو.
وجاء نظام باكييف إلى السلطة في الانقلاب الشعبي المدعوم من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية والمعروف في العالم باسم «ثورة الزنبق» في عام 2005.
لم يجر أي تحقيق ملائم حتى الآن في مصادر العنف العرقي الذي انتشر في أنحاء جنوب قرغيزستان عام 2010، ولا التعرف على عصابات النهب من القناصة المجهولة أو القبض عليها. ذكرت صحيفة كوميرسانت الروسية في السادس من آب 2008 نبأ العثور على مخبأ للسلاح الأمريكي في منزل في العاصمة القرغيزية بيشكيك، وهو مستأجر من قبل اثنين من المواطنين الأميركيين. ادعت السفارة الأمريكية آنذاك أنها تستخدم الأسلحة لتدريبات «مكافحة الإرهاب». ولم تؤكد السلطات القرغيزية ذلك.
ترتبط سياسة استخدام التوتر العرقي وخلق بيئة من الخوف تساعد في دعم ديكتاتورية غير مقبولة لدى الشعب، واستخدام «الجهادية الإسلامية» كأداة سياسية لخلق ما دعاه زبيغنيو بريجينسكي، مستشارالأمن القومي السابق للولايات المتحدة « قوس الأزمات»، ارتباطاً وثيقاً بتاريخ تورط الولايات المتحدة في آسيا الوسطى منذ إنشاء تنظيم القاعدة في أفغانستان في عام 1978 إلى وقتنا الحاضر .
*نُشرت هذه المقالة سابقاً في نوفمبر 2011، ويعاد نشرها لارتباطها بما يحدث في أوكرانيا