نظريات المؤامرة: تشتيتٌ عن المؤامرات الحقيقية
موت الأميرة ديانا، اغتيال الرئيس الأمريكي جون كيندي، أحداثٌ أخفت خلفها نماذج لنظريات مؤامرة شهيرة واسعة الانتشار داخل وخارج الولايات المتحدة الأمريكية. لكن هذا النوع من النظريات، يتدرج من البساطة إلى التعقيد، ولا تتوقف عن الانبعاث على مر السنوات، كان آخرها الاعتقاد بأن مجموعة من الديمقراطيين والنخب تحاول تقويض رئاسة دونالد ترامب. في حين يعتقد البعض الآخر أن مركز أبحاث شهير في ولاية ألاسكا هو مختبر للتحكم في العقول.
تقول أشد نظريات المؤامرة إضحاكاً، بأن هناك كائناً أسطورياً شرساً يُلقب بـ «ذو الرجل الكبيرة» يجوب الولايات المتحدة الأمريكية، إذ سجلت ولاية واشنطن بمفردها أعلى معدل مشاهدات لآثار أقدام هذا الكائن بلغ عددها 2032 مشاهدة في الولاية، وفقًا لمجلة نيوزويك. في حين يؤمن أمريكيون آخرون بوجود بركان نشط أسفل إحدى الولايات، ويذهبون في ظنهم للاعتقاد بأن الحكومة الأمريكية تدرك تماماً الموعد الذي سيثور فيه هذا البركان كي يمحو الولايات المتحدة عن الوجود.
يعتقد المؤمنون بهذا النوع من الأفكار أنه لا شيء في العالم يحدث مصادفةً، وبالتالي كل شيء محسوب ومقرر سابقاً ومرتبط ببعضه البعض بنظامٍ معقد من الإشارات والرموز التي ينبغي متابعتها وكشفها. ولهذا تعرّف نظريات المؤامرة بكونها ميلاً إلى تفسير أحداث أو مواقف مُعيّنة بوجود مؤامرة تتخفّى خلفها، تقودها حكومة أو مجموعة أفراد، أو حتى شخص واحد بعينه. وغالباً ما يحمل المصطلح صبغةً سلبيةً، لأنه يدلل على نوع من التلاعب والتضليل يقوم به الطرف المتآمر في وجه المتآمر عليه، الذي يكون عادة شعباً أو مجموعةً كبيرةً من الأفراد.
أفلام الكارتون كجزء من المؤامرة
هناك اعتقادٌ سائد بأن كُتّاب مسلسل الرسوم المُتحركة «سمبسون» المخصص للبالغين، قادرين على التنبؤ بالمستقبل، وأنهم يضمنون في برنامجهم إشارات ورموز تشي بما قد يحصل في القادم من الزمن. ومن أشهر تلك القناعات تلك المرتبطة بفوز ترامب وأوباما في الانتخابات الأمريكية، وظهور شخصيات فنية أمثال المغنية الأمريكية «ليدي غاغا» هذا إلى جانب التنبؤ بأحداث 11 سبتمبر، وصولاً إلى قضايا محلية أخرى كجرائم قتل أو فضائح متعلقة بصفقات فساد. ويذهب المؤمنون بهذا الأمر إلى القول: إن المسلسل استطاع حتى التنبؤ بانتشار فايروس كورونا، ففي إحدى الحلقات المذاعة عام 1993 يقوم بعض العاملين في مصنع ياباني بنشر فايروس معدٍ عن طريق الخطأ. لكن السؤال الذي يستدعي التفكير هنا: إن كان الأمر كذلك حقاً، وكان هذا المسلسل مِعبراً لتسريب خطط قادة العالم ووكالة الاستخبارات الأمريكية، ما الهدف الذي سيحققه؟ خاصة وأن التنبؤ بأي من تلك الأحداث لم يحل دون تنفيذها. قد يكون هناك تفسيرٌ أبسط لكل هذا؛ القراءة الجيدة للتاريخ ولإستراتيجيات الدول في حفظ مصالحها، يسهل تصور خطواتها القادمة أو سياساتها المستقبلية.
قصة موت معلن ونظريات المؤامرة
في قصته الشهيرة «قصة موت معلن» الصادرة عام 1989، يعبر الكاتب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز عن فكرة بالغة الأهمية حينما يقول: إن المعرفة أو فضح المخططات أيّاً كانت تلك المخططات غير كافٍ لوقفها أو الحيلولة دون وقوعها. في القصة يعلم الجميع بأن جريمة ما توشك على أن تُرتكب، حتى أن الخبر يُشاع وينتقل من بيت إلى بيت، بحيث يعرفه الجميع، إلّا الضحية التي توشك على خسارة حياتها. ولأن الجريمة جريمة شرف يريد القاتلان بنشر الخبر أن يقوم أحد بثنيهما عما يزمعان تنفيذه، ويظنان بأن نشر الخبر على الملأ كافٍ كي يظهر من يقوم بردعهما، ولذلك تنفذ الجريمة التي كانت محض خطة بذات الطريقة التي أُعلن بأنها ستنفذ بها.
وهذا الأمر يشبه إلى حدٍ كبير خطط وسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، التي يتم إعلانها ونشرها على أوسع نطاق، لتمسي جزءاً يومياً ومقبولاً من حياة الناس. بحيث لا يُسائلها أحد، أو يحاول الوقوف في وجهها.
مؤامرات تحت ضوء الشمس
في برنامجه الشهير (تحت الجلد) يجادل الممثل والناشط البريطاني راسل براند بالقول: إن أخطر نظريات المؤامرة هي تلك الجليّة تماماً، والتي تكون مكشوفة وممارسة أمام عيوننا بصورة علنية تماماً، كما لو أن تلك العلنية تُكسبها نوعاً من الشرعية، وتُذهب عنها شُبهة الخطر وتجعلها مقبولة في عيون العالم، فقط ببساطة لأنها تُنفذ في وضح النهار.
وبالطبع لا يجد براند ضيفاً أنسب كي يناقش معه قضية نظريات المؤامرة أكثر من الموظف السابق لدى وكالة المخابرات المركزية إدوارد سنودن، الذي عمل كمتعاقد مع وكالة الأمن القومي قبل أن يُسرب تفاصيل برنامج التجسس «بريسم» إلى الصحافة عام 2013. إذ يرى سنودن أن الكثير من نظريات المؤامرة صحيحة في جوهرها، لكن اسمها «نظرية المؤامرة» هو المضلل، فهو يرى أن أعظم نظريات المؤامرة مورست بشكلٍ علني، وكانت محمية من قبل القانون باعتبارها جزءاً من السياسات وأنظمة الحكومات. ويضيف سنودن أيضاً: إن المتآمرين كثيراً ما يعلنون نواياهم صراحةً عبر الجرائد والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي. وتلك الفكرة الأخيرة شديدة الأهمية حقاً، لأن الاعتيادية والتطبيع يخلعان عن تلك السياسات صفة الخطورة، بحيث تبدو أقل درامية وإثارةً للغموض من نظريات أخرى. فالتهديد الحقيقي بنظر سنودن ينطوي في التلاعب في تقسيم الدوائر الانتخابية، أو صناعة الديون أو المراقبة الجماعية.
ففي جوهرها تعبر هذه النظريات عن مخاوف الناس، وتشي بالْكَم الكبير من عدم الثقة المحيط بحكوماتهم وقادتهم، وهذا أهم ما ينبغي الالتفات إليه والتفكير به في تحليل هذا النوع من الخطاب السائد.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1015