حرب.. خارج الهدنة..
رفع رأسه بتثاقل من على وسادته، لقد أيقظه الضجيج في كل مكان، لم يكن المعسكر يوماً بهذا الاضطراب، فتح عينيه بكسل والتفت حوله، أناس يدخلون ويخرجون بسرعة إلى غرفته دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، يبدو أن شيئاً ما قد حدث
رفع رأسه بتثاقل من على وسادته، لقد أيقظه الضجيج في كل مكان، لم يكن المعسكر يوماً بهذا الاضطراب، فتح عينيه بكسل والتفت حوله، أناس يدخلون ويخرجون بسرعة إلى غرفته دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، يبدو أن شيئاً ما قد حدث
تجمع الرجال في الغرفة المحصنة منذ الصباح، جنرالات و«أبطال حرب» انتظروا هذه اللحظة منذ أكثر من سبع سنين، يأمل الجميع بأن الأمر يستحق كل ذلك الانتظار، صمت الحضور مترقبين، لمع شيء ما في السماء، نظر الجميع إلى شاشاتهم وهم يراقبون عدة صواريخ من طراز «كاتيوشا» وهو تطلق تباعاً في الجو، عبس الجميع بعد أن راودتهم ذكرى السنين الماضية، حرب تموز 2006، حين أطلق حزب الله أربعة آلاف صاروخ مشابه على «إسرائيل»، وقتها قتلت تلك الصواريخ المئات وتسبّبت بنزوح أكثر من 250 ألف مستوطن، في حين اختبأ مليوناً آخر في ملاجئ تحت الأرض، ينتظر الرجال في تلك الغرفة المحصنة الكثير اليوم، وهاهم يصفقون بحبور بعد أن خرجت إحدى الصواريخ من محطاتها وانطلقت لتدمر ما في السماء في ثوان.!
اصطفت الطائرات الحربية تباعاً واحدة تلو الأخرى، ها هي قد عادت للتو من مهمتها وأطفأت المحركات، فتح الطيارون أبواب قمراتهم وترجلوا بتكاسل إلى أرض المطار، إنها الطلعة التاسعة هذه الليلة، والجميع يعلم بان هناك المزيد، لم يعد هناك الكثير لتدميره بعد أن سوت تلك الطائرات الاسرائيلية الشوارع والمنازل بالأرض، وتحولت «غزة» المحاصرة إلى كتلة من النار
كانت رحلة مرهقة ومحفوفة بالمخاطر، لكنهم وصلوا أخيرا إلى وجهتهم، هم مجموعة صغيرة من العجزة والمرضى الأمريكيين وقد شقوا عباب البحر بعيداً عن موطنهم إلى الجزيرة «الحمراء» القريبة، وها هم يطوفون الآن في أحد شوارع الجارة «كوبا» أشبه بالضائعين، أرادوا ان يتحققوا بأنفسهم مما سمعوه في أمريكا، «نظام صحي اشتراكي»، «هل هو بالفعل بهذا السوء الذي يتحدثون عنه في البرامج التلفزيونية؟» يتساءل البعض منهم وهو يحث الخطا نحو صيدلية عشوائية في أحد الشوارع الفقيرة للعاصمة الكوبية، لكن، لا يمكن أن يسوء الوضع أكثر من ذلك، فجميعهم قد رفضوا من برنامج الضمان الصحي في الولايات المتحدة الأمريكية، وهاهم ينتظرون الموت بعد أن عجزوا عن تامين كلفة طبابتهم، لكنهم لا يعلمون بان دموع الفرحة ستنهمر على وجوههم بعد قليل، غير مصدقين على الإطلاق، لقد وجدوا جميع أدويتهم هنا، بربع السعر الأمريكي، بالإضافة إلى دخول مجاني لفحص متكامل في أحد المشافي،.
تبدو قلة الكلام عن هذا الموضوع مثيرة للاهتمام، فعلى الرغم من «مزارع الدماء» في الهند، و«سوق البويضات الخصبة» في قبرص، والطفرة غير المسبوقة في تجارة «الكلى» البشرية بعد التسونامي الكبير في أندونيسيا، يبقى موضع «الاتجار بالقطع البشرية» أمراً عادياً ومشروعاً في الكثير من الأماكن، لكن، في كل سنة، تشكل هذه «التجارة» منظومة اقتصادية متكاملة تتواءم مع مستلزمات القطاع الصحي حول العالم بما يقارب مليارات الدولارات من القطع والسوائل البشرية، يبدو الأمر عادياً وضرورياً إذا حافظنا على نظرتنا التقليدية للأمر : «يعطي المعافى ما يستطيع الاستغناء عنه من جسمه للمريض» لكن الحقيقة مختلفة تماما :«يمص الغني دماء الفقير..»، بالحرف، وليس كتشبيه إنشائي..!
رفع بندقيته عالياً أمام عدسات الكاميرات من أجهزة الموبايل المحمولة، وقف أمام مجموعته الخاصة من الملثمين في وسط صحراء مجهولة، ألقى ببعض الكلمات الصاخبة، وأشار إلى «الكفرة» المرتعشين داخل حفرة عريضة قد جهزت منذ دقائق، يعلم الجميع بأن الاوان قد حان، ها هي لحظاتهم الأخيرة، يصرخ حامل البندقية بهستيريا عارمة تلحقها صيحات «النصر» و«الثبات» من أتباعه الأوفياء، سرعان ما ستتوجه فوهات البنادق إلى الكتل اللحمية المكدسة داخل الحفرة تلك، وستتكدس الجثث المضرجة بالعشرات، لكن صيحات التهليل والنشوة البربرية ستبقى صادحة حتى نهاية المشهد هذا.
«كان ذلك في بداية الصيف الماضي.. كنت قد انتهيت للتو من امتحاناتي السنوية .. وليس لي من عمل أنجزه سوى الجلوس أمام التلفاز والاستمتاع ببعض البرامج الخفيفة وتناول المزيد من الطعام غير الصحي.. لكن شيئا بقي يعكر صفو جلساتي تلك على الدوام.. ظلت صورتها تحوم في خيالي ولم تبتعد ترانيم ضحكاتها يوما عن سمعي طوال الأسهر القليلة الماضية..
صور الدمار بدأت بالانتشار في كل مكان، جماعات من البرابرة بدأت تجتاح المدن العراقية لتدمر وتقتل كل ما تراه أمامها، هو حقد أعمى تغذيه رواسب جاهلية بقيت حاضرة بين النفوس تذكي نارها عداوات الجيران وحسابات الماضي البعيد، عادت صور العراق إلى الواجهة اليوم والصدمة بادية على الوجوه، وسرعان ما تنادت الجموع لنجدة الآلاف من العراقيين بين جرحى ومهجرين من النساء والأطفال والشيوخ،
انتهت استراحة الغداء، وتوجه المجندون بانتظام في طوابيرهم الضيقة إلى غرفة التحكم، يجلس كل منهم أمام شاشة الكمبيوتر الخاص به، ويبدأ على الفور بالنقر على الأزرار، كانت ربع الساعة الماضية كافية لاسترداد القليل من النشاط بعد ثلاثة أيام متواصلة من العمل، قليل من الهواء المنعش يعيد إلى النفس بعض السكينة بدلاً من هذه الغرف المعدنية الضيقة تحت الأرض
نظمت منظمة «اليونيسيف» التابعة للأمم المتحدة في العام 2006 رحلة خاصة لمساعدة الأطفال المحتاجين في الباراغواي، حيث قامت جينا بوش ابنة الرئيس الامريكي الأسبق جورج بوش بمشاركة المنظمة في جميع نشاطاتها هناك، لكنها اختتمت ما فعلته هناك بأمر غريب، قامت الشابة جينا بشراء ما يقارب مائة ألف آكر من الأراضي بالقرب من مدينة نائية تدعى «تشاكو» على الحدود البرازيلية الأرجنتينية المشتركة مع الباراغواي،