حرب.. خارج الهدنة..
رفع رأسه بتثاقل من على وسادته، لقد أيقظه الضجيج في كل مكان، لم يكن المعسكر يوماً بهذا الاضطراب، فتح عينيه بكسل والتفت حوله، أناس يدخلون ويخرجون بسرعة إلى غرفته دون أن ينبس أحدهم ببنت شفة، يبدو أن شيئاً ما قد حدث
نهض على عجل وارتدى بزته العسكرية وفضوله يزداد بمرور الدقائق، همّ بسؤال أحد زملائه لكنه لم يرد على الإطلاق، الوجوه متجهمة والكل يحدق في شاشات الأجهزة المحمولة وكأن الجميع قد فوت موعداً مهماً، فكر قليلاً ومد يده إلى جيبه ليخرج هاتفه المحمول، هناك أكثر من خمسين رسالة نصية جديدة، وهناك كانت المفاجأة، بدأ بتقليب تلك الرسائل وهو لا يصدق عينيه : «حماس اختارتك لتكون جلعاد شاليط القادم»، «حماس وعدت بالانتقام وسيكون هنالك انتقام» «في الحرب القادمة ستعود كل فلسطين فصواريخ القسام تنتظركم، وإذا ما أردتم النجاة فاخرجوا من أرضنا.»
كانت تلك نصوص لرسائل نصية وصلت إلى آلاف الإسرائيليين، مسؤولين وإعلاميين في دولة الاحتلال وقد امتلأت أجهزتهم الخليوية بتلك الرسائل، بالإضافة لإرسال البريد الالكتروني للصحفيين المدرجين في قوائم الاتصال مع قوات الاحتلال، كان ذلك منذ عدة شهور، عندما استطاع أحد المخترقين الفلسطينيين اقتحام موقع «israeldefense» الإسرائيلي العسكري، وبعث رسائل للمشتركين في حساباته تحمل الكثير من الغضب والقليل من اللباقة، مما أثار هلع المؤسسات الأمنية الإسرائيلية التي اعتبرت هذا النوع من الاختراق سابقة خطيرة في مجال الأمن المعلوماتي الإسرائيلي.
الحرب الالكترونية
لم تتوقف الحرب الالكترونية على الكيان الصهيوني للحظة واحدة، الصواريخ تسقط على البيوت وتوقع المئات من الضحايا، لتبدا موجات صواريخ المقاومة بالرد، أما في العمق، هناك حرب أخرى تدور رحاها بعنف، حرب لا يمكن تجاهل خسائرها، هي جبهة جديدة فتحت بعنف في وجه المعتدي، حتى وصل الاهتمام بالحرب الإلكترونية في الكيان الغاصب إلى درجة أن هناك دعوات داخل المؤسسة الأمنية ولجنة الخارجية والأمن في الكنيست لإعادة صياغة العقيدة الأمنية الإسرائيلية التي بلورت مطلع خمسينيات القرن الماضي لكي تتلاءم مع الحرب في الفضاء الإلكتروني التي تعيرها المقاومة الفلسطينية الكثير من الاهتمام.
مرافق ومصارف
تكثفت الهجمات الالكترونية الفلسطينية في الآونة الأخيرة، وارتفعت نسبتها إلى 500 بالمائة خلال العدوان الإسرائيلي على غزة كما صرحت شركة «أربور» المتخصصة بأمن الشبكات، وأضاف التقرير الخاص بها بأن أغلب مواقع الخدمات المدنية والمرافق الحكومية والتعاملات المصرفية والوكالات العسكرية الإسرائيلية قد تعرضت لهجمات مركزة خلال الشهر الجاري، كما دفعت تلك الهجمات الشرسة وغير المسبوقة إلى قيام «مايك روجرز» رئيس لجنة الاستخبارات الأمريكية في مجلس الشيوخ بالإدلاء بتصريح هام لقناة «سي بي اس» الامريكية منذ أيام حذر فيه من خطر كبير يهدد «الأمن القومي الإسرائيلي» جراء مثل تلك الهجمات مستعرضاً تطور أسلوب المقاومة الفلسطينية في استهداف تلك المواقع حيث قال : «أرى بأن اسرائيل قد بذلت جهدا كبيرا في مجال الحماية الرقمية، لكن حجم وتركيز الهجمات الالكترونية الفلسطينية يتنامى بشكل جدي، وقد يصل تأثيره قريبا على مجرى الأحداث العسكرية على الأرض، وهذا أمر يجب أن يتنبه إليه الجميع..»
القبة الحديدية
يستخف الكثير من الخبراء التقنيين بتأثير تلك الهجمات، فهي تعتمد عادة على أقدم المناهج المتبعة في الهجوم على المواقع الالكترونية، وهي إغراق الموقع بالكثير من الطلبات حتى تنهار منظومة التخديم الرقمي الخاصة به ويخرج الموقع عن الخدمة، أو عن طريق اختراق بعض الحسابات الالكترونية وتسجيل بعض الرسائل المناصرة للقضية الفلسطينية من قلب تلك المواقع الإسرائيلية، فلا يتجاوز تأثير تلك الاختراقات مجال الحرب الإعلامية ووهن نفسية العدو وتسجيل المواقف الإعلامية بما يتعلق بالعمليات العسكرية العدوانية الأخيرة، لكن وسائل التواصل الاجتماعي قد ساهمت في نشر الرسائل وبث الأخبار وجذبت الكثير من المهتمين والتقنيين للدخول في تلك الحرب إلى جانب الفلسطينيين والمساهمة في إخضاع الخدمات الرقمية الإسرائيلية وتعطيلها، وكان آخر تلك العمليات قيام قراصنة الكترونيين صينيين بالاستيلاء على عدة وثائق عسكرية سرية من شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية، وهي شركة حكومية تطور صواريخ وطائرات، وشركة رافائيل لنظم الدفاع المتقدمة، وهي شركة حكومية تأسست عام 1948 تعمل بتطوير صواريخ أرض جو، وهما الشركتان اللتان طورتا نظام الدفاع الصاروخي المعروف بـ «القبة الحديدية».
أنظمة الدفاع «الحديدية»
لم تخضع تلك الحرب السرية لأي هدنة، ولا يبدو أنها ستتوقف في المدى المنظور، بل ستتأثر حدتها بمدى تطور الأحداث على الأرض، لكنها تجمع حولها يوما بعد يوم الكثير من المتعاطفين مع الجرح الفلسطيني، وتجمع في صفوفها خيرة من الشباب المقاوم الواعي الذي اختار سبلاً جديدة لحرمان عدوه من النوم والتأثير عليه في العمق، وبث الرعب بين صفوفه بعد أن يحرمه من ثقته بـ«جيشه الجرار» و «أنظمة الدفاع الحديدية» عن طريق رسالة نصية واحدة أو صورة معبرة تصل إلى حاسبه المنزلي أو على شاشته المحمولة.