القبة الحديدية .. المثقوبة!

القبة الحديدية .. المثقوبة!

تجمع الرجال في الغرفة المحصنة منذ الصباح، جنرالات و«أبطال حرب» انتظروا هذه اللحظة منذ أكثر من سبع سنين، يأمل الجميع بأن الأمر يستحق كل ذلك الانتظار، صمت الحضور مترقبين، لمع شيء ما في السماء، نظر الجميع إلى شاشاتهم وهم يراقبون عدة صواريخ من طراز «كاتيوشا» وهو تطلق تباعاً في الجو، عبس الجميع بعد أن راودتهم ذكرى السنين الماضية، حرب تموز 2006، حين أطلق حزب الله أربعة آلاف صاروخ مشابه على «إسرائيل»، وقتها قتلت تلك الصواريخ المئات وتسبّبت بنزوح أكثر من 250 ألف مستوطن، في حين اختبأ مليوناً آخر في ملاجئ تحت الأرض، ينتظر الرجال في تلك الغرفة المحصنة الكثير اليوم، وهاهم يصفقون بحبور بعد أن خرجت إحدى الصواريخ من محطاتها وانطلقت لتدمر ما في السماء في ثوان.!

كان هذا في العام 2011، عندما أعلنت وزارة الحرب الكيان الصهيوني إطلاق «القبة الحديدية»، المنظومة الدفاعية التي عكفت على تطويرها منذ العام 2005، والتي تصنّعها شركتا «رافايل للنظم الدفاعية المتقدمة» و«شركة صناعات الطيران الإسرائيلية». وقد كان من المفترض أن تقدّم القبة الحديدية حماية للمدن والتجمعات السّكنية والعسكريّة الصهيونية عن طريق عددٍ من البطاريّات الدفاعية تعمل في مجال 45 كم وتحمل كلّ منها 20 صاروخاً مدمراً للصواريخ قصيرة المدى، لكن تلك المنظومة «المبتكرة» تتعرض اليوم لامتحان صعب للغاية، فقد أمطرت المقاومة الفلسطينية الأراضي المحتلة بالصواريخ، والتي يبدو أنها ما زالت تصل أهدافها على الرغم من تطور وتعقيد «القبة»، مما دفع الكثير من وسائل الإعلام الصهيونية إلى محاولة تمجيد هذه المنظومة وتطمين النّاس حول فاعليّتها، لكن الصورة الحقيقة لتلك المنظومة الفاشلة أصبحت واضحة للعيان، ويراها الجميع في داخل الأراضي المحتلة كلما رفعوا رؤوسهم نحو السماء.

ليست قبة حقيقية

«القبة الحديدية» ليست «قبة» حقيقية بالطبع، بل هي مجموعة متكاملة من الرادارات والصواريخ، حيث يكتشف الرادار الأرضي قدوم صاروخ المقاومة ويرسل معلومات عن إحداثياته وسرعته ومساره إلى مركز التحكّم بالبطّاريّة، وتقوم حواسيب مركز التحكّم بالتأكّد من اتّجاه الصّاروخ نحو منطقة مأهولة من عدمه، فإن كان الأمر كذلك، تُطلق البطاريّة صاروخاً من نوع «تامير» من بين 20 صاروخا تمتلكها. ويستقبل صاروخ التصدّي بشكل آني توجيهات مركز التحكم وراداره الدّاخليّ. ويواصل الصاروخ صعوده حتى التقائه بصاروخ المقاومة، فينفجر بالقرب منه ليُفجّر الرأس الحربيّة للهدف بعيدًا عن المناطق الآهلة، لكن، يرى الخبراء ما لا نراه نحن، ويفيد بعضهم بتقلب نظام التوجيه بشكل كبير، فعوضاً عن أن ينطلق صاروخ التصدّي عاليا بشكل متّسق ليلتقي بهدفه وجها لوجه فإنّه يقوم بتغيير مساره في شكل استدارات حادّة ويلتقي بصاروخ المقاومة من الخلف أو جانبيّا، في حين أنّه من المفترض أن يلتقي به في شكل متقابل ليقوم بتفجير رأسه الحربية ،وبذلك فهو ينجح فقط.. بتفجير جزء من الصاروخ وهو ما يجعل الرأس الحربية قادرة على الانفجار على الأرض بعد سقوطها..!

غير قادرة على صد هجوم

لم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد عَرف نظام «القبة الحديدية» انتقادات لجهة كلفته العالية بالمقارنة مع كلفة صاروخ القسّام، ما يعني أن إطلاق عدد كبير من هذه الصواريخ، ولاحقاً اعتراضها، سوف يكون هجومًا على الموارد المالية للكيان الصهيوني. فصاروخ الاعتراض «تامير» تتراوح كلفته بين 35 و50 ألف دولار اميركي، في حين لا تتجاوز كلفة القسّام بضع مئات من الدولارات،كما انتقد لعدم فعاليته في اعتراض صواريخ القسّام المنطلقة من جنوب مستوطنة «سديروت» نظرًا إلى قصر المسافة والوقت بين الأهداف المقصودة في المستوطنة ونقطة انطلاق الصواريخ في قطاع غزة،  كما أن المنظومة، كما يبدو، غير قادرة على صد هجوم كثيف بالصواريخ خلال أي حرب قادمة في المنطقة مثل إطلاق 500 صاروخ يوميًا، إذ بمنطق النسبة المئوية يستطيع هذا النظام أن يمنع سقوط الصواريخ على الأرض بما نسبته 1-3، أو 1-2، فكل 500 صاروخ تحتاج إلى 1000 أو 1500 صاروخ لصدّها، وهذا أمر غير معقول بالنسبة إلى «للكيان الصهيوني».

أكذوبة وخدعة

نرى المزيد من التناقضات في داخل الكيان الصهيوني، وهي تزداد يوماً بعد يوم مع اشتداد وتيرة رد المقاومة الصاروخي على العدوان، فها هو مهندس الصواريخ الصهيوني« مردخاي شيفر» الحاصل على «جائزة الكيان في الصناعات الأمنية»، والمتخصص في صناعة الصواريخ الدفاعية،  يدلي لأحد مواقعه الإخبارية معلناً بأن منظومة «القبة الحديدية» هي بكل بساطة «أكذوبة» وأن ما ينشره الجيش الصهيوني عن نجاح المنظومة في اعتراض عدد كبير من القذائف الصاروخية ما هو إلا «خدعة»، ويضيف : « إن ما يحصل هذه الأيام هو رحلة نقاهة مقارنة عما سيحصل في حال مواجهة عسكرية مع حزب الله» ويقول موضحاً: « إن الناطق بلسان الجيش يكذب، والعاملون على تشغيل المنظومة لا يعرفون بأنها خدعة، وحتى الجنود الذي يضغطون زر الإطلاق لا يعرفون بأنهم  يطلقون على لا شيء لأنهم يعتقدون أن الانفجارات التي يرونها ناجمة عن اعتراض الصاروخ الهدف، و التفجيرات التي يشاهدها الإسرائيليون هي تفجيرات ذاتية لصواريخ القبة الحديدية وليس بالضرورة تفجيرات ناجمة عن اعتراض قذيفة»!

مفاجآت تثير الرعب

ستحمل الأيام القادمة الكثير من المفاجآت للجانب الصهيوني، وبالأخص في عمق جبهته الداخلية وتماسك البنيان الشعبي، فها هي المنظومة الأكثر كلفة وتطوراً تقف عاجزة أمام صواريخ المقاومة «البدائية»، تتهاوى يوماً بعد يوم قطع من «القبة» الاسطورية على رؤوس االمستوطنين، ليدرك الجميع بألا مهرب من صواريخ الحق وهي تنهمر تباعاً أينما تريد ووقتما تشاء تثير الرعب والترقب وتحطم المزاعم والتطمينات وتعلن عن حرب من نوع آخر عنوانها الغضب الساطع في السماء.