يبدو من الإعلام الاقتصادي المحلي بأن رجال الأعمال الإقليميين والمحليين يدورون كالمكوك بحثاً عن فرصٍ في الرحاب السورية المدمَّرة...
تتصدر إعادة الإعمار أعلى التصريحات الرسمية، فمن تقديرات إعادة الإعمار بحوالي 400 مليار دولار، إلى التعهدات بدور الأصدقاء، إلى التصريحات في المؤتمرات الدولية حول الاستعداد للمساهمة في إعادة إعمار سورية وغيرها الكثير...
لتجارب إعادة الإعمار اتجاهان عامان، الأول: هو النجاح الذي كان حليف عمليات إعادة إعمار القوى الدولية الكبرى في الاتحاد السوفييتي، وأوروبا، واليابان بعد الحرب العالمية الثانية. والثاني: هو الفشل الذريع وهو سمة غالبية الدول النامية التي أنهت حروبها بعد التسعينيات وأقربها لبنان، أفغانستان، والعراق..
في عدد قاسيون رقم (734) الصادر بتاريخ 31/1/2016، تناول ملف إعادة إعمار سورية تجربة (إعادة إعمار كوسوفو) بعد حربها الأهلية التي اندلعت في شباط عام 1998 وانتهت في حزيران 1999، وغذتها الدول الغربية على أساس عرقي وطائفي، ثم تدخلت عسكرياً عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو) حينها.
تستمر قاسيون في قراءة أبرز تجارب إعادة الإعمار التي سبق وأن طُبقت في دول مختلفة تعرضت لأزمات سياسية، وستتناول في هذا العدد تجربة إعادة إعمار كوسوفو وهي واحدة من جمهوريات البلقان التابعة لجمهورية يوغسلافيا سابقاً، حيث اندلعت فيها حرب أهلية في شباط عام 1998 وانتهت في حزيران 1999، غذتها الدول الغربية على أساس عرقي وطائفي، ثم تدخلت عسكرياً عبر حلف شمال الأطلسي (الناتو).
لقد أوضحنا في الحلقة السابقة في العدد (730) أن تجربة إعادة الإعمار اللبنانية عانت من قصور جدي في الرؤية ناتج عن التزام واضعيها بمصالح فئات اجتماعية محددة، من المستثمرين في القطاعات المصرفية والتجارة والخدمات العامة والعقارات، وعلى ذلك افترضت الخطة استقراراً أمنياً في المنطقة التي شهدت العديد من التوترات الأمنية والعسكرية، فاعتمدت بشكل كبير على الاستثمار الأجنبي والتمويل الخارجي والقطاع الخاص عبر عقود الـ (BOT)، وأهملت دور الدولة.
لقد أوضحنا في العدد 727، فكرة أثر الاتجاه الدولي السائد في المجال الاقتصادي وحتى السياسي على عملية إعمار لبنان، حيث اتسم الوضع الدولي بالفوضى التي رسخها الاتجاه النيولبيرالي في الاقتصاد العالمي وهو ما انعكس مباشرة على تجربة إعادة إعمار لبنان، والتي ستوضحها مقالة اليوم.
تستمر قاسيون في الإضاءة على أبرز تجارب عمليات إعادة الإعمار في دول شتى، وذلك للاستفادة من تلك التجارب التاريخية في صياغة محددات خاصة بتجربة إعادة الأعمار السورية اللاحقة. وفي هذا العدد سنتوقف عند تجربة إعادة الإعمار اللبنانية التي سنناقشها على حلقتين على الأقل، وسنركز في الأولى على فكرة غاية بالأهمية، وهي الاتجاه السائد في الاقتصاد الدولي الذي تمت فيه هذه العملية.
منذ أيام قليلة فقط سربت بعض وسائل الإعلام عن مصادر أمريكية أن ثروة المسؤوليين العراقيين في مرحلة إعادة الإعمار بلغت حوالي 700 مليار دولار، فيما تحدثت تقارير عن نهب وفساد بلغ حوالي 1000 مليار دولار خلال العقد الفائت المرافق لمرحلة الغزو الأمريكي، وبغض النظر عن الغايات السياسية لهذه التسريبات في هذه اللحظة من تاريخ العراق، إلا أن ذلك دليلاً دامغاً على ضخامة مستويات الفساد في عملية إعادة الاعمار التي أشرفت على كل تفاصيلها الولايات المتحدة، وهو ما سنسلط الضوء عليه في آخر مقالاتنا عن التجربة العراقية.
لقد مهّدت فترة الحصار الغربي للعراق الطريق للغزو الأمريكي العسكري، والغزو الاقتصادي الذي استند فعلياً على إضعاف دور الدولة وإنعاش القطاع الخاص، لتسلم مهام اقتصادية متعددة، برزت بداية على شكل توزيع المواد الغذائية في برنامج النفط مقابل الغذاء، ولاحقاً اتضح الدور الأمريكي في تدمير جهاز الدولة العراقي والسيطرة على أهم مفاصل إعادة الإعمار، عبر الشركات والمؤسسات الأمريكية، والتي هيمنت على قطاع النفط أهم قطاع اقتصادي عراقي.