المقاومة.. توحِّد العراق.. وتُحرج المتخاذلين
المشاعر العدائية للاحتلال الأمريكي للعراق أصبحت حقيقة واقعة وظاهرة للعيان، وهي تتصاعد يوماً بعد آخر اسرع مما توقعه المتفائلون.
المشاعر العدائية للاحتلال الأمريكي للعراق أصبحت حقيقة واقعة وظاهرة للعيان، وهي تتصاعد يوماً بعد آخر اسرع مما توقعه المتفائلون.
قبل أيام من الذكرى الأولى لسقوط بغداد من الداخل، وعلى أيدي الاحتلال الأمريكي، وبعد تنامي المقاومة العراقية بأشكالها الأولى، رغم كل صنوف الحرب النفسية ضدها ومحاولة تشويه صورتها، فهاهو الشعب العراقي ينتفض وينفجر بوجه الاحتلال من الموصل شمالاً إلى البصرة جنوباً، تحت شعار: «لاخيار إلا المقاومة»!
ها قد مر عام على احتلال العراق الذي انتقل من حكم الطغاة إلى حكم الغزاة، وها هو الشعب العراقي البطل يقاوم ويمنع المحتلين والمأجورين الأذلاء من قتل روح المقاومة والاستشهاد دفاعاً عن الوطن وكرامة المواطن، ويرفض العمليات المشبوهة ضد المدنيين الأبرياء والمقامات الدينية ومنشآت الدولة، لأن تلك العمليات هي حتماً من صنع الاحتلال وعملائه وهدفها الإساءة إلى سمعة المقاومة العراقية الباسلة ضد الاحتلال، وزرع الفتنة بين مكونات الشعب العراقي حتى يسيطر المحتلون الأمريكان والصهاينة على العراق وتقسيمه وجعله «نموذجاً» لغيره من الدول العربية، وضرب المقاومة في فلسطين وجنوب لبنان والجولان وفي كل مكان من الوطن العربي.
بُعيد هزيمة حزيران (يونيو)1967، ساد المنطقة العربية جو من اليأس القاتل جعل قادة العدو يعتقدون أنهم قد حققوا بالفعل نصرهم النهائي التاريخي، فكان أن جلس موشي دايان قرب الهاتف منتظراً مكالمات الاستسلام من القادة العرب. في هذا الظلام الدامس كانت صيحة حشود 9 و10 يونيـــو المصرية «حَنحارب... حَنحارب» تهز أعماق القادة الوطنيين الشرفاء (القلائل للأسف) وتعمر نفوس مقاتلين بسطاء أمسكوا وتمسّكوا بالسلاح على ضفاف الهزيمة المرة، نداء رفض الاستسلام ومواصلة النضال الدؤوب الصامت ليل نهار لتغيير هذا الواقع ومسح عار الهزيمة والاحتلال.
كشفت أنباء صحفية بأن حاكم العراق الأمريكي بول بريمر قد طلب من الرئيس بوش إعفاءه من منصبه لأنه أخفق في تحقيق خطط إدارته بواشنطن لإجراء الانتخابات، لقد كشف بريمر جزءاً من الحقيقة، أما الحقيقة الكاملة فإن طلب إعفائه يعود إلى سببين:
تؤكد الوقائع والأحداث من جديد أن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد في مواجهة الاحتلال والعدوان.. ولم يكن يوم التاسع والعشرين من كانون الثاني الماضي يوماً عادياً.. إنه استمرار ليوم تحرير الجنوب اللبناني في الخامس والعشرين من أيار الذي اعتبر عيداً للتحرير.. فقد عاش لبنان يوماً فريداً، فيه الكثير من حرارة يوم التحرير الشهير. وفيه الصورة المتداخلة بين المشهد الإنساني في استقبال الأسرى المحَّررين واستعادة جثامين شهداء سقطوا منذ سنوات بعيدة، ليواروا الثرى في مناطق متفرقة من محافظات لبنان، ويرسمون لوحة على امتداد خارطة الوطن..
رائع هو عديد الغيارى، الذين انتفضوا لكرامة نساء العراق، إثر إلغاء مجلس المحكومين قانون الأحوال الشخصية الذي سنـته جمهورية تمــوز؛ حتى لـكأن الناس كانوا ينتظرون يوماً كهذا لـيـفصحوا عما في صدورهم، بعد أن أمسى مجلسُ المحكومين حجراً طوطما، يـعبـد ولا يمس، بل أنّ مدَونات المجلس الشنيعة قضتْ بتحريم وتجريم استعمال كلمات عربية مثل المقاومة والجهاد، وربما اتســع الخرق على الواقع، فحرمت كلمات أخرى مثل الاستعمار والجلاء.
أتت زيارة بوش الصغير السرية إلى مطار بغداد لمدة ساعتين فقط لتبدد ما تبقى من صورة النصر الأمريكي المزعوم، فكيف لقائد «منتصر» و «محرر» أن يتصرف كاللص المذعور في حلكة الليل، متخذا من أسباب التخفي والتمويه ما لا يخطرعلى بال منذ لحظة مغادرة مزرعته في تكساس وحتى مغادرة الأجواء العراقية في رحلة العودة؟! بل يتكبد مشاق الرحلة الطويلة (27 ساعة) وهو يزمع العودة من حيث أتى لو تسرب أي خبر عن زيارته قبل إتمامها؟ هل هناك نصر معنوي للمقاومة العراقية وهزيمة بالمقابل للمحتلين (المحررين المزعومين) أكبر من هذا؟
تواجه القوات الأمريكية، منذ احتلالها لبلاد الرافدين مأزقاً شديداً، يصعب عليها الخروج منه، فهي لم تحقق نصراً سريعاً وسهلاً، كما كانت تتوقع، بل وجدت نفسها تخوض حرباً طويلة مخططاً لها مسبقاً.
لم تكد تمر أسابيع قليلة على قيام مجموعة من السياسيين الإسرائيليين والفلسطينيين بالتوقيع بالأحرف الأولى، والتي وقعت فيما بعد، على «اتفاق جنيف» حتى بدأ سيل من مبادرات التسوية ينهمر في كل من لندن ومدريد، ومن حزب العمل، وحزب الليكود، ثم اجتماعات القاهرة، لتبدو ساحة الصراع العربي الإسرائيلي وكأنها تحولت فعلاً من ساحة قتال إلى ساحة مبارزة كلامية، واتضح وكأن شيئاً ما جرى طبخه وراء الكواليس، وسواء جاءت هذه التحركات إيحاء أم اضطراراً فإنها تدل على أن كل الأطراف تبدو راغبة أو مضطرة للحركة في هذا الوقت بالذات.