الافتتاحية.. ... واكتمل المشهد العراقي
قبل أيام من الذكرى الأولى لسقوط بغداد من الداخل، وعلى أيدي الاحتلال الأمريكي، وبعد تنامي المقاومة العراقية بأشكالها الأولى، رغم كل صنوف الحرب النفسية ضدها ومحاولة تشويه صورتها، فهاهو الشعب العراقي ينتفض وينفجر بوجه الاحتلال من الموصل شمالاً إلى البصرة جنوباً، تحت شعار: «لاخيار إلا المقاومة»!
وإذا كان نظام صدام حسين الاستبدادي ضد الشعب لم يؤسِس إلا للهزائم، فإن أبطال الانتفاضة العراقية الحالية والمستمرة دفاعاً عن كرامة الوطن والمواطن هم من المحرومين الفقراء والعاطلين عن العمل، لا من التكنوقراط أو الأثرياء أو من قوى السوق والفساد، ولاهم من القادمين من الخارج على ظهر الدبابة الأمريكية، بل هم الغالبية الساحقة من أبناء الشعب العراقي الذين غلبهم القهر على يد الجلاد صدام حسين يوم الاحتلال العراق وسقوط بغداد، أكثر مما أخضعتهم القوات الأمريكية الغازية.
ومن هنا، فإن القراءة الواعية لدروس سقوط بغداد واحتلال العراق وتحييد أهله عن شرف الدفاع عنه، وبذات الوقت، التوقف جدياً عند دلالات الانتفاضة العراقية الراهنة وعلاقتها بمجمل الوضع في العالم العربي تجعلنا نؤكد على الحقائق التالية:
■ لارهان إلا على الشعب سياج الدفاع عن الوطن والسيادة الوطنية، وأساس أية وحدة وطنية في أي بلد عربي، وأن كل محاولة لتهميشه وإفقاره وحجز حريته والنيل من كرامته وتكبيله بالقبضة الأمنية والأحكام العرفية والاعتداء على حقوق المواطنة، سيفتح الطريق أمام التدخل الخارجي ويضعف مناعة الوطن أمام تنفيذ المخططات الإمبريالية والصهيونية، سواء بالعدوان المباشر أم بالاعتماد على بعض أهل الداخل، أو على الاثنين معاً.
■ إن ما يحدث اليوم في العراق واتساع المواجهات واحتدامها ضد قوات الاحتلال والشعار الشعبي الذي ترفعه الجماهير من الشمال إلى الجنوب: «أخوة سنة وشيعة، هذا الوطن مانبيعه». أسقط دفعة واحدة كل مقولات الاحتلال الكاذبة حول: «المثلث السني، قوات القاعدة، فلول النظام السابق»، إلى آخر ماهنالك من وعود بـ«الأمن والازدهار الاقتصادي والديمقراطية»!
■ أثبتت الانتفاضة العراقية أن المقاومة هي طريق الوحدة والخلاص من الاحتلال، وكشفت زيف الادعاءات الأمريكية حول «التحرير والديمقراطية» مثلما تبين منذ أشهر، زيف الادعاءات حول وجود أسلحة الدمار الشامل، وهاهي الدبابات الأمريكية تطأ أجساد المواطنين العزل في أحياء بغداد والفلوجة والرمادي والشعلة والصدر والبصرة، التي تحولت إلى مدن منكوبة، رصاص الاحتلال يحصد مئات المواطنين لمجرد خروجهم إلى الشوارع مطالبين برحيل الاحتلال، وبرفض تقسيم العراق، ولكن شعب العراق لم يغادر المتراس ومازال يقاوم وسينتصر.
■ وكما اقترب الشعب الفلسطيني بانتفاضته الباسلة ومقاومته الأسطورية من تشكيل قيادة وطنية موحدة على الأرض عبر خيار المقاومة ونبذ المساومة طريقاً لدحر الاحتلال، هاهي الانتفاضة العراقية تؤسس لوحدة وطنية حقيقية معمدة بدماء الشهداء والوصول إلى برنامج سياسي وطني عراقي خالص قادر على دحر الاحتلال، ويشكل نقيضاً للاستراتيجية الأمريكية الرامية إلى تقسيم العراق عبر تثبيت العصبيات العشائرية والنزعات الفئوية والمذهبية والعرقية.
■ أعطت الانتفاضة العراقية الباسلة جواباً حاسماً على خنوع النظام الرسمي العربي وأصحاب مقولة «إحنا مش قادرين نحارب أمريكا»، وضد مروجي أفكار التيئيس والاستسلام المسبق لمشيئة الإمبريالية والصهيونية عبر تعميم الهلع من عواقب العمليات الاستشهادية وكل أشكال المقاومة ضد الغزاة، وعبر الترغيب بأوهام الليبرالية الاقتصادية ومشاريع الاحتلال الخارجية. المفصلة على قياس قوى النهب والفساد في كل بلد عربي.
■..... فعند نزول جماهير العراق الفقراء والمحرومين إلى الشارع لمقاومة الاحتلال لم تخفهم آلة الحرب الأمريكية، ولا أزلام مجلس الحكم، ولا مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الصغير ولم يعتمدوا على مهزلة القمة العربية، بل اعتمدوا على منطق التاريخ بأن الاحتلال إلى زوال وإن الشعب باق عبر خيار المقاومة، قمة القمم وذمة الذمم…فمن ميسلون إلى بورسعيد ومن جنوب لبنان إلى مخيم جنينغراد في فلسطين، إلى الفلوجة والرمادي والبصرة في العراق الآن، كان الطريق إلى الاستقلال والسيادة والوحدة الوطنية، معمداً بدم الشهداء والمقاومين أصحاب الحق بلقب… حماة الديار...