بعد الحسابات «الدقيقة»: ما أخفق بول بريمر في تحقيقه..

كشفت أنباء صحفية بأن حاكم العراق الأمريكي بول بريمر قد طلب من الرئيس بوش إعفاءه من منصبه لأنه أخفق في تحقيق خطط إدارته بواشنطن لإجراء الانتخابات، لقد كشف بريمر جزءاً من الحقيقة، أما الحقيقة الكاملة فإن طلب إعفائه يعود  إلى سببين:

■ تعرضه لمحاولة الاغتيال مرتين من قبل المقاومة، وإذا كانت ذراع المقاومة قد أخطأت الهدف لسبب من الأسباب، في الوصول إليه، في المرات القادمة لن ينجو منها.

■ والسبب الثاني لا يعود إلى إخفاقه في تحقيق مخطط إدارته لإجراء الانتخابات فقط، بل بسبب إخفاقه في جميع المراحل منذ تعيينه حاكماً للعراق.

ماذا كانت واشنطن تريد من حاكمها في العراق؟

كانت تريد منه تحضير طبخة تؤدي إلى تشكيل حكومة تتحالف مع الولايات المتحدة وتقبل بالوجود الأمريكي في العراق، وبمحض إرادتهم، والقبول بوجود عدد من القواعد الأمريكية على أرض بلاد الرافدين لحماية المصالح النفطية، ومن هنا جرى تشكيل مجلس الحكم الانتقالي الحالي للاعتماد عليه في تحقيق المخطط المذكور، ولكن اتجاه الحكومة الأمريكية بدأ يتحول عن هذا المجلس، ويشاع بأن بريمر ينوي استبعاد أعضاء مجلس الحكم الانتقالي لعدم تمتعهم بثقة الشعب العراقي. ومن المعروف أن أكثرهم لهم علاقات بالمخابرات الأمريكية وعاشوا سنوات طوالاً على موائدها، ويظن الأمريكيون أن الحكومة العراقية المنتقاة بعناية ستكون أوفر حظاً من الشرطة العراقية البائسة التي تتعرض مقراتها لأعمال التفجير وأفرادها للقتل، والذين يطلب منهم حفظ الأمن في البلاد بعد أن يجري سحب القوات الأمريكية إلى الخلف وتستقر في قواعد عسكرية مهيأة مسبقاً وتكون قريباً من المنابع النفطية التي احتلت العراق من أجلها.

إن هذا الهدف لم يتحقق حتى الآن، وخصوصاً بعد أن طرح الزعيم الديني علي السيستاني قضية إجراء انتخابات عامة وجعل الأمور كلها بيد ممثلي الشعب الحقيقيين لا المزيفين، لوضع دستور جديد يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين بغض النظر عن طوائفهم الدينية أو القومية، وليكون العراق للعراقيين جميعاً.

معالم الفشل الأمريكي

ومن معالم الفشل الأمريكي في العراق:

1. تصاعد المقاومــة الوطنية للاحتــلال وامتدادها إلى مختلف أرجاء العراق، وعلى الرغم من جميع المحاولات التي بذلتها وتبذلها قوات الاحتلال لوضع حد لها، مستخدمة أساليب متنوعة فإنها أخفقت حتى الآن إخفاقاً تاماً، فلا الاعتقالات بالجملة ولا القتل العشوائي، ولا تدمير البيوت على رؤوس أصحابها، ولا استخدام الأساليب الإسرائيلية في مقاومة الانتفاضة الفلسطينية قد أجدت نفعاً، بل على العكس تماماً، فإن أوار المقاومة يزداد اشتعالاً، والخسائر الأمريكية والبشرية في تصاعد، على الرغم من محاولات القيادة الأمريكية إخفاءها.

أية مقاومة نؤيد ونؤازر

تدور في العراق وخارجه تساؤلات كبرى، حول بعض الأعمال التي تجري تحت اسم المقاومة وهي ليست منها بتاتاً، ويذهب ضحيتها كثير من الأبرياء.

إننا نؤيد ونساند كل الذين يرفعون السلاح ضد ما يسمى بقوات التحالف، وبخاصة، القوات الأمريكية والبريطانية، بغض النظر عن أيديولوجية أصحابها، ويقومون بمهاجمة قوات الاحتلال ويقتلون جنودها ويدمرون آلياتها، ويهاجمون معسكراتها ومراكزها بالصواريخ والقنابل ومختلف أنواع الأسلحة التي في حوزة المقاومين ويجعلون حياة جنود الاحتلال جحيماً لا يطاق، حتى يصل هذا العدو إلى قناعة بأن بقاءه لم يعد يطاق وما عليه إلا الرحيل.

محاربة «المقاومة»

أما الأعمال الأخرى التي توصف زوراً وبهتاناً بأنها مقاومة فليس لها أية صلة بذلك، بل موحى بها وموجهة من المخابرات الأمريكية و الموساد الإسرائيلي، وهدفها تشويه سمعة المقاومة الوطنية وعزلها عن الجماهير الشعبية، هذه الجماهير التي تحتضن رجال المقاومة وترفض الإدلاء بأي معلومات عنهم، وبالتالي تسهيل ضربها والقضاء عليها ليستديم أمد الاحتلال بالبقاء في العراق، وقادة العدو لا يخفون نواياهم وإلا ما تفسير قيام هذه «المقاومة المشبوهة» بالاعتداء على المدارس والمطاعم والمساجد حيث الناس يؤدون الصلاة أو مهاجمة مقرات الأحزاب، كما حدث منذ وقت قريب في أربيل، وذهب ضحية هذه الأعمال كثير من الأطفال والنساء والرجال. إن هذا لا يخدم إلا أهداف المحتلين ولذلك نحن نشجب مثل هذه الأعمال ولا نعتبرها قوة مقاومة وطنية لا من قريب ولا من بعيد.

2. ضعف مواقع المجلس الانتقالي الذي عينته قوات الاحتلال وعزلته عن الجماهير الشعبية، ولم يتحول منذ تعيينه إلىقوة مساندة فعالة لها، بل على العكس صار عبئاً ثقيلاً عليها، وبحاجة إلى حماية أمريكية.

3. عدم ثقة القوات الأمريكية برجال الشرطة الذين اختارتهم وعينتهم ودربتهم ليكونوا القوة البديلة عن جيشها في إعادة «الأمن» للبلاد واستتبابه، لدرجة أنها اتهمت عناصر من هذه الشرطة بالتعاون مع المقاومة، ومدها بالمعلومات الهامة عن تحرك القوات الأمريكية وآلياتها، واعتقلت بعضهم بهذه التهمة.

4. لقد لعب الأمريكيون بعواطف بعض الأقليات القومية وكالوا لها الوعود وإذا بالدولة التي وعدتهم تقف حائرة أمام مواقف  القوى الأخرى في داخل العراق وخارجه والتي  تعارض تقسيم العراق وتمزيقه. لقد تخلى الأمريكيون سابقاً عن وعودهم بتأمين حقوق الأقليات التي «انغشت» بهم وتركوها وحدها تعاني من الإحباط، ولن يكون مصير الموعودين الجدد بأفضل من ذلك لأن هذه الدولة الاستعمارية لاتهمها إلا مصالحها وتتخلى عن حلفائها في أية لحظة، وفي أحرج الأوقات.

5. استفحال البطالة استفحالا ًخطيراً، وقيام آلاف البطالين بمظاهرات كبرى تطالب بإيجاد فرص عمل لهم وسقط فيها قتلى وجرحى.

6. كما أن آلاف الجنود والضباط العراقيين الذين سرحوا بعد الاحتلال مباشرة تظاهروا وطالبوا برواتبهم.

7. إلى جانب الوضع الاقتصادي المنهار، والوضع الأمني المتدهور، وفقدان الخدمات العامة، وغيرها لم يوجد لها حل.

حسابات أمريكية خاطئة

لقد تبين للقيادة الأمريكية أن احتلال العراق كان سهلاً بفضل الآلة الجهنمية العسكرية التي تملكها، أما البقاء في العراق بهدوء واطمئنان فهذا أمر لا تحلم به، ولم تحسب حسابه. لقد حولت المقاومة أرض العراق إلى جحيم لا يطاق وألهبت الأرض تحت أقدام جنودهم ولكل هذه الأسباب بدأ بول بريمر يفكر بالتخلي عن المهمة الصعبة التي أوكلت إليه.

إن الشعب العراقي الشقيق وقواه الوطنية مدعوان إلى اليقظة التامة حيال مكائد المحتلين الأمريكان وعملائهم كما أنهم مدعوون إلى التعاضد ورص الصفوف في جبهة واحدة ضد قوى الاحتلال. وأن يضعوا الخلافات الدينية والطائفية والقومية جانباً وأن يكون شعارهم «العراق للعراقيين، لا للأمريكان المحتلين» وإرغامهم على الرحيل من بلادهم بأي وسيلة كانت. ومن ثم الالتفات إلى الوضع الداخلي في البلاد، لإعادة بناء وطنهم الذي نكب بالحكم الصدامي الديكتاتوري الدموي ردحاً طويلاً من الزمن، وبالاحتلال الأمريكي حالياً. حتى يعيش كل فرد في بلاد الرافدين في أمان واطمئنان وسلام، تتآخى فيه الأديان والقوميات في الحقوق والواجبات وبناء وطن حر وشعب سعيد، هذا الشعار الذي رفعه الشيوعيون العراقيون منذ تأسيس حزبهم في منتصف العقد الثالث من القرن الماضي ومازال هذا الهدف النبيل قائماً حتى الآن.

■ عادل الملا

 

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.