المقاومة العراقية: أهميتها التاريخية ولمحة عن فصائلها طريق يمر من فوهة البندقية
بُعيد هزيمة حزيران (يونيو)1967، ساد المنطقة العربية جو من اليأس القاتل جعل قادة العدو يعتقدون أنهم قد حققوا بالفعل نصرهم النهائي التاريخي، فكان أن جلس موشي دايان قرب الهاتف منتظراً مكالمات الاستسلام من القادة العرب. في هذا الظلام الدامس كانت صيحة حشود 9 و10 يونيـــو المصرية «حَنحارب... حَنحارب» تهز أعماق القادة الوطنيين الشرفاء (القلائل للأسف) وتعمر نفوس مقاتلين بسطاء أمسكوا وتمسّكوا بالسلاح على ضفاف الهزيمة المرة، نداء رفض الاستسلام ومواصلة النضال الدؤوب الصامت ليل نهار لتغيير هذا الواقع ومسح عار الهزيمة والاحتلال.
وسرعان ما أتى التحول من حال لحال بعملية إغراق المدمرة المعادية «إيلات» على الجبهة المصرية آب 1967، ثم الاندحار المذعور لنخبة قوات العدو البرية المعززة بسلاح الجو من قرية الكرامة بغور الأردن آذار 1968. بغضون أشهر قليلة إسترد العرب أنفاسهم وثقتهم بأنفسهم بالسلاح لا بسواه، فشدت سيدة الغناء العربي أم كلثوم أجمل أناشيدها «أصبح عندي الآن بندقية» لتشتعل النفوس والجبهات بحرب الإستنزاف والمقاومة وتنهار سريعاً أحلام العدو بالإستسلام النهائي للعرب (الذي لم يتحقق بالكامل إلى الآن رغم كل ما حصل بعد ذاك من خيانات وانكسارات وحروب جانبية تبديدية في غير مكان).
ما الذي يجري في العراق اليوم ؟
كل الدلائل الجدية تشير إلى أننا نرى مقدمات مشهد ما بعد نكسة حزيران ولكن بظروف أصعب. مقاومون أباة رفعوا السلاح من أجل تجاوز الواقع الناجم عن الخيانة المزدوجة: من طرف الطاغية صدام بتهيئة أسباب الهزيمة (بوعي أو بدون وعي، لا فرق جوهرياً) ومن ثم تسليم بغداد للغزاة وتسليم نفسه أيضاً دون قتال، ومن طرف «المعارضة» بتسويغ وتشجيع غزو بلدها (أيضاً لا فرق إن كان ذلك عن وعي أم لا) والسير في ركاب المحتلين والعمل في خدمتهم. تصبح الخيانة مثلثة الأضلاع لو أضفنا الدور المباشر لبعض الحكام العرب في تمرير الغزو والاحتلال سياسياً ولوجستياً، والدور غير المباشر للواقع العربي المهتريء بما فيه الأحوال غير السارة لقوى التحرر والتقدم وبضمنها أحزابنا الشيوعية.
طرف مضاد دخل الساحة سريعاً، عراقيون أحرار وضعوا دمهم على أكفهم، بالريادة عن شعبهم المقهور وبالنيابة عن الأمة العربية الساهية اللاهية، يسعون، بالمقاومة، لبناء معادلة استراتيجية جديدة تحيل أحلام الغزاة بنصر نهائي «تاريخي» سريع إلى كابوس مرير بدأت ملامحه بالظهور.
وقد يتساءل بعض من التبست عليهم الأمور أو انطلت عليهم الألاعيب السياسية و الإعلامية: و ما الداعي أساساً للمقاومة طالما أقرّ المحتل بإعادة «السلطة» و«السيادة» للعراقيين بعد أشهر قليلة من الآن؟
ونجيب أن المحتل لم يعِد بهذا إلا تحت ضغط المقاومة في محاولة لاحتواء تصاعدها وانتشارها، هذا إن صدق الوعد أصلاً. ثم هل قال المحتل متى سيغادر العراق؟ لن يقولها إلا مرغماً بمزيد من المقاومة وتصاعدها وتطورها إلى ثورة شعبية مسلحة شاملة تحظى بتضامن قوي فاعل من شعوب المنطقة والعالم. لن يغادروا أرض الرافدين إلا بعد أن تصبح كلفة بقائهم، عراقياً وإقليمياً ودولياً (بما في ذلك داخل بلدانهم)، أعلى من أن تحتمل. أما حكاية «تسليم السلطة و السيادة» فلا تعني في قاموسهم أكثر من تنصيب «عراقيين» يلتزمون بشرعنة وجود قوات الإحتلال على أنها بطلب من حكومة «شرعية» معترف بها، ومستعدون للتنازل عن الثروة النفطية (تحت اسم خصخصة قطاع النفط) ومنح عقود النهب (الإعمار!) لشركات دول الاحتلال خصوصاً منها تلك المدعومة من كبار المسؤولين في واشنطن. ومن شروط «إستلام السلطة والسيادة» القبول فوق هذا كله بإدخال العراق في أحلاف عسكرية وإقامة العلاقات مع الكيان الصهيوني وتوطين أعداد كبيرة من الفلسطينيين في العراق بعد تفريغهم من فلسطين المحتلة بالإرهاب وحصارات الجدار والجوع والعطش. فإن تلكأ هؤلاء «العراقيون» في قبول وتأدية مهمتهم المستحيلة، فسيلجأ المحتل عندها لإشعال الحروب الأهلية بهدف تغطية فشله و تمزيق العراق إلى كيانات ضعيفة محتربة تسهل السيطرة عليها، وهذا الخيار الثاني يجري الإعداد له على التوازي مع العمل على الخيار الأول، وهو المطلوب صهيونياً على أي حال لتعميمه «نموذجاً» لكامل المنطقة.
من هنا مسؤولية القوى الوطنية العراقية في إحباط كل خيارات المحتل المكشوفة أو المخفية وتعزيز الخيار الوطني-التحرري البديل، مما يستوجب إنحياز جميع الوطنيين المخلصين، من زاخو شمالاً إلى أم قصر جنوباً، ومن كل التنوعات القومية والدينية والمذهبية والفكرية والسياسية، إلى خيار بناء الوحدة الوطنية الشاملة على قاعدة المقاومة بشكليها المتكاملين السياسي- الجماهيري والمسلح مع الكف عن إصطناع التعارض بينهما، والتفريق بين عمليات المقاومة الوطنية وبعض الأعمال المشبوهة التي تخدم أغراض الإحتلال ولا نستبعد وقوف أجهزته وراءها، وينبغي خصوصاً أن يكف البعض عن ترديد وترويج ما تخرجه مطابخ الحرب النفسية المعادية من تهم متهافتة ضد طلائع المقاومة المسلحة مثل «أتباع النظام البائد» و «تنظيم القاعدة» و«المثلث السني» و«الإرهاب» وما إلى ذلك. ونسارع هنا للقول (قبل أن يواجهنا أحد بإبتسامة متخابثة) أن كلامنا هذا موجه أيضاً لرفاقنا في الحزب الشيوعي العراقي الذي وضع بعض قادته أنفسهم في موقع مؤسف أقل ما يقال فيه أنه لا ينسجم مع تاريخ حزبهم المجيد، حزب الشهداء الأبطال وفي طليعتهم القادة العظام فهد وحازم وصارم وسلام عادل الحيدري، وجميعهم قتلوا على يد عملاء الإمبريالية وبإيعاز من أجهزتها، فهل تغير الإمبرياليون وأصبحوا أصدقاء للطبقة العاملة والشعوب المقهورة وحلفاء للشيوعيين؟ أم أن الذي تغير هو للأسف بعض القادة المحسوبين على حركتنا؟. ألا لو كان فهد العراق حياً لما صمت عن هذا العبث بهوية الحزب الذي أسسه عاملاً فعاملاً وفلاحاً بعد فلاح، سيراً على قدميه في طول البلاد وعرضها.
ولقناعتنا بالريادية التاريخية للمقاومة العراقية الباسلة ورهاننا على تقدمها واتساعها واتحادها في إطار جبهة تحرير وطني عريضة، نوجه من هنا من «قاسيون» التحية النضالية والجهادية للفصائل المسلحة التالية من الأطياف الوطنية والقومية والإسلامية واليسارية التي فاجأت الاحتلال بما لم تتوقعه كل مراكز أبحاثه الستراتيجية المتقدمة، وأربكته خلال أشهر قليلة بسرعة غير مسبوقة في تجارب المقاومة (ربما بإستثناء حركة الأنصار السوفييتية زمن الاحتلال النازي):
سرايا المقاومة الوطنية العراقية - حركة المقاومة الوطنية الإسلامية - طلائع جيش محمد - قوات المدينة الخاصة - أنصار الإسلام - جبهة تحرير العراق - جبهة الفدائيين العراقيين - جبهة التوحيد لتحرير العراق - التنظيم الناصري المسلح - منظمة الإنقاذ الوطني المسلح - حركة العودة المسلحة - أنصار الحركة الفدائية المسلحة - جماعة أبناء الإسلام - سرية حطين الخاصة - سرية ياسين البحر - سرية عبد الله عياض - سرية جعفر الطيار - المقاومة الشعبية المسلحة - منظمة تموز الفدائية - كتائب الحسين المجاهدة - حركة العقداء الأربعة - الحزب الشيوعي (خط فيصل الخاص) - مجموعة الضباط الأحرار (القاسميون) - الحركة الكردية المسلحة من أجل عراق موحد - حركة السائرين على خط ثورة 1920- وغيرهم من المنظمات التي لم يصلنا علم بها، إضافة لعشرات الخلايا المتفرقة التي تقاوم على مستوى الحارة أو القرية.
كما نحيي قوى المقاومة الجماهيرية السياسية المناهضة للاحتلال والداعمة للمقاومة المسلحة، ونخص منهم:
التجمع الوطني ضد الاحتلال - الحركة الديمقراطية ضد الاحتلال - التحالف الوطني العراقي - حركة الدفاع عن الشعب العراقي - الحزب الشيوعي العراقي (الكادر) - وحدة الشيوعيين العراقيين - التجمع الديمقراطي القومي - المؤتمر الوطني لمقاومة الاحتلال - الشخصيات والقيادات الوطنية والقومية المستقلة - التحالف الوطني للتحرر الديمقراطي.
أصبح عندي الآن بندقية... عند العراق الآن بندقية وطنية- شعبية، وإلى الوطن الحر الموحد والشعب المتآخي السعيد... طريق واحد... يمر من مطهر المقاومة... يمر من فوهة البندقية!
■ بشير يوسف