المقاومة.. توحِّد العراق.. وتُحرج المتخاذلين

المشاعر العدائية للاحتلال الأمريكي للعراق أصبحت حقيقة واقعة وظاهرة للعيان، وهي تتصاعد يوماً بعد آخر اسرع مما توقعه المتفائلون. 

وكان يوم الحادي والثلاثين من آذار المنصرم يوماً دامياً بالنسبة للقوات الأمريكية، إذ شنت المقاومة العراقية على قوات التحالف عدداً كبيراً من الهجمات في مختلف أنحاء العراق، قتل فيها خمسة جنود أمريكيين وأربعة «مقاولين» أمريكيين في مدينة الموت «الفلوجة»، كما أصيب ثلاثة جنود بريطانيين، وفي الأيام التالية توالت هجمات المقاومة على الرغم من التهديدات الأمريكية بالانتقام.

الأرض تميد تحت أقدام المحتلين

ويبدو أن المحلتين الأمريكيين شعروا بخطر مقاومة الشعب الباسلة وأن الأرض أخذت تميد تحت أقدامهم وتهدد وجودهم فقرروا على مايبدو «أن يتغدوا بالشعب العراقي ومقاومته قبل أن يتعشى بهم» فاختلق بريمر حاكم العراق الأمريكي قصة ملفقة، اعتقلت قواته على أثرها حجة الإسلام مصطفى اليعقوبي الساعد الأيمن للسيد مقتدى الصدر، مما أدى إلى تفجر الأوضاع في العراق، ودارت مواجهات لم يسبق لها مثيل في مدينة النجف بين قوات التحالف وآلاف المتظاهرين ثم امتدت المظاهرات بمئات الآلاف، وأعمال المقاومة إلى العديد من مدن العراق، من البصرة جنوباً حتى بغداد وكركوك شمالاً، حيث ندد المتظاهرون بقوات الاحتلال وطالبوا بخروجها من البلاد، وقد أسفرت المواجهات بين الجماهير المحتجة وقوات الاحتلال عن مقتل 12 جندياً أمريكياً وسقوط 28 شهيداً وأكثر من 200 جريح في مدن الصدر والشولة والبصرة والكاظمية، ثم امتدت المظاهرات والصدامات إلى بغداد والبصرة والعمارة والناصرية، وأشارت وكالات الأنباء إلى أن الجماهير سيطرت على جميع مراكز الشرطة في الكوفة واستولت على الأسلحة الموجودة فيها. وفي بغداد اقتحمت القوات الأمريكية مكتب الشهيد الصدر والتي قوبلت بمقاومة شديدة أسفرت عن مقتل شخصين على الأقل وجرح عشرة آخرين.

اللجوء إلى وسائل أكثر نجاعة

وقد وزع مقتدى الصدر بياناً، بثته المحطات الفضائية، وجه فيه أنصاره إلى العمل ضد القوات الأمريكية والبريطانية وقال فيه: «إن التظاهرات باتت ورقة محروقة، ولابد من اللجوء إلى وسائل أكثر نجاعة» وبهذا الشكل يكون الوضع في العراق قد انفتح على مصراعيه أمام احتمالات مختلفة.

احتلال مباني البلديات

وفي اليوم التالي تأزمت الأوضاع أكثر، والجماهير كانت أكثر تصميماً على مواصلة النضال ضد الاحتلال، حيث تصاعدت المظاهرات واحتلت الجماهير مباني البلديات في عدة مدن، وجرت اشتباكات مع القوات الأمريكية وحلفائها، فقصفت هذه المرة القوات مناطق سكنية في العاصمة بغداد بمشاركة مروحيات الأباتشي والدبابات مما أسفر عن مقتل خمسة مواطنين وجرح عدد آخر، كما أن القوات الأمريكية قامت بعملية إنزال في حي العباسية ببغداد وفي الكوفة. وفي الوقت ذاته كانت القوات الأمريكية تحاصر مدينة الفلوجة وضربتها بالصواريخ انتقاماً من هذه المدينة البطلة.

لايمكن إخماد الروح الوطنية

لقد ظنت الإدارة الأمريكية أنها بتشديد العدوان على الشعب العراقي وقواه المناضلة الصلبة تستطيع إخماد الروح الوطنية فيه والقضاء على مقاومته المتصاعدة عمقاً واتساعاً ولكن أعمالها العدائية هذه أعطت نتيجة عكسية وكانت بمثابة الشرارة التي يندلع منها اللهيب الذي أخذ يمتد من أدنى بقعة في العراق إلى أقصى نقطة فيه وهذا ماحصل في اليومين الماضيين.

ولذا فإن وكالة رويترز على حق حين اعترفت في تقرير لها: «إن الأصوات المعادية للولايات المتحدة في هذا البلد تزداد قوة يوماً بعد يوم وأصبحت كراهية العراقيين للمحتلين الأمريكيين بادية للعيان».

بعد عام على الاحتلال

بعد عام على احتلال القوات الأمريكية ـ البريطانية للعراق لم ير العراقيون أي خطوة إيجابية نحو وطنهم، بل لاقوا الكثير من الدمار والخراب والقتل العمد والاعتقالات العشوائية للمواطنين. فلا الديمقراطية التي وعدوا بها قد تحققت، ولا السلام خيم ولا الأمن قد ساد، ولا الاقتصاد تخلص من أزماته، ولا الأحوال المعاشية للناس قد تحسنت، وكل الدلائل تشير إلى أن الأمور ستسير من سيئ إلى  أسوأ، وكل ذلك ليس غريباً أن يزداد العراقيون حقداً وغضباً على محتلي بلادهم ومضطهدي شعبهم ومدمري مدنهم وقراهم وناهبي ثرواتهم وأن الأمور لن تسير في طريق الانفراج بل في طريق التصاعد ومن أبرز مظاهرها:

● تصاعد المقاومة العراقية شدة واتساعاً لتشمل المناطق العراقية كلها، وكان يوم 31 آذار نموذجاً لهذا التصاعد.

● الاندفاع الواسع نحو الانضمام إلى صفوف المقاومة والمشاركة فيها بنشاط.

● انعكاس الضغوط الشعبية على القوى السياسية في البلاد وخصوصاً القوى الإسلامية التي لا تزال تدعو إلى خروج المحتلين الأمريكيين بالطرق السياسية لتنتقل إلى مستوى أعلى في النضال ضد الاحتلال، إلى مرحلة المقاومة المسلحة، وخاصة أن العدو المحتل لاينوي الخروج من العراق.

● ازدياد قلق الإدارة الأمريكية ومخاوفها من تسليم السلطة للعراقيين ـ وإن كان شكلياً ـ مع بقاء قوات الاحتلال في قواعد محددة. وما تسليم بعض الوزارات، كالصحة والتربية للعراقيين إلا محاولة للخداع بينما تظل الوزارات الهامة مثل الدفاع والداخلية والنفط وقوى الأمن بيد الأمريكيين وتحت إشرافهم المباشر.

● ومن الأمر التي تقلق الأمريكيين كثيراً هو خشيتها من أن تحذو دول أخرى حذو إسبانيا في قرارها بسحب قواتها من العراق، فقد أعلنت قوى المعارضة في كل من إيطاليا وبولونيا وأستراليا أنها فيما لو نجحت في الانتخابات المقبلة ستقتدي بإسبانيا.

● كما أن فرنسا وألمانيا مازالتا تعارضان الاقتراح الأمريكي الذي يدعو إلى دور جماعي لحلف الناتو في العراق بعد نقل السلطة في أواخر حزيران وقد صرح وزير الخارجية الفرنسية الجديد ميشيل بارنييه في مؤتمر صحفي:« نعتقد بأن حلف الأطلسي ليس المكان المناسب لإعداد أو اتخاذ قرار فيما يتعلق بالوضع في العراق». وأضاف: إن هذه المسألة الخاصة بدور محتمل للحلف في العراق قد لا تحظى بأولوية.

وهكذا فإن جميع الدروب تؤدي إلى الطاحون، أي أن العراقيين لن يجدوا أمامهم إلا حقيقةواحدة وهي تصعيد المقاومة ضد قوى الاحتلال وإجبارها على الرحيل.

 

■ وحيد الشامي