التوابيت المشحونة إلى تكساس: خيار المقاومة الاستراتيجي

أتت زيارة بوش الصغير السرية إلى مطار بغداد لمدة ساعتين فقط لتبدد ما تبقى من صورة النصر الأمريكي المزعوم، فكيف لقائد «منتصر» و «محرر» أن يتصرف كاللص المذعور في حلكة الليل، متخذا من أسباب التخفي والتمويه ما لا يخطرعلى بال منذ لحظة مغادرة مزرعته في تكساس وحتى مغادرة الأجواء العراقية في رحلة العودة؟!  بل يتكبد مشاق الرحلة الطويلة (27 ساعة) وهو يزمع العودة من حيث أتى لو تسرب أي خبر عن زيارته قبل إتمامها؟  هل هناك نصر معنوي للمقاومة العراقية وهزيمة بالمقابل للمحتلين (المحررين المزعومين) أكبر من هذا؟

قبلها كان قائد «المنطقة الوسطى» في الجيش الأمريكي (ومركزها المتقدم قاعدة السيلية في قطر!) الجنرال جون أبي زيد قد تبجح أن عدد أعداء أمريكا في العراق لا يتجاوز الخمسة آلاف فرد(!). فيما تواصل الآلة الدعائية الإمبريالية الهائلة المولجة بغسل أدمغة الشعوب والمسيطرة على أكثر من 90% من إجمالي وسائل الإعلام المتنوعة في العالم، تواصل ترويج المقولة المضحكة حول أن المقاومين هم إما من أتباع النظام الاستبدادي السابق الذين يستهدفون العودة للسلطة ويقودهم صدام حسين شخصيا من مخبئه في نواحي تكريت، أو من أتباع ما يسمونه «تنظيم القاعدة» الذين يريدون إقامة «إمارة إسلامية» في العراق بدل ضائع عن تلك التي فقدوها في أفغانستان حيث عزلهم عنها من كان قد نصَّبهم عليها قبل سنوات قليلة.

لا يخفى إلا على السذج، أن هذا الترويج الإعلامي (المدروس والمكثف بطريقة تدعو بحد ذاتها للارتياب) يستهدف ليس فقط تخويف جماهير الشعب العراقي من المقاومة وعزلها شعبيا وسياسيا في الداخل، بل كذلك تخويف دول وشعوب الجوار العربي والتركي والإيراني وباقي العالم. يندرج هذا الترويج في إطار نظرية الحرب النفسية المسماة «تشويه صورة العدو» أو «اختيار العدو الأنسب» (لهم)، وهذه مواضيع تعمل عليها في الولايات المتحدة مراكز بحث متخصصة ذات موازنات طائلة. كما لا تخرج عن هذا الإطار تلك «العمليات» المشبوهة التي تقع من حين لآخر(خصوصا بعد كل موجة ناجحة من عمليات المقاومة الحقة) مثل استهداف المدنيين العراقيين والمراجع الدينية والعتبات المقدسة ومقرات الأمم المتحدة والصليب الأحمر الدولي وغيرها من الأهداف التي لا يؤذي ضربها الاحتلال بل يساعده في محاولة تشويه وعزل المقاومة. 

سنتجاوز السؤآل البديهي الموجه للجنرال الأمريكي حول كيفية توصله لمعرفة عدد المقاومين إلى ما هو أكثر إحراجا: لماذا لم تقبض يا «أبو زيد» بعد على هؤلاء الخمسة آلاف بالذات مع أن عدد المعتقلين في سجونكم في العراق بلغ أضعاف هذا الرقم؟ لماذا تعجز قواتك البالغة، مع الحلفاء 

30-40 ضعفا للخمسة آلاف، ومع عناصر الشرطة المحلية الموالية 50 ضعفا، ناهيك عن الفارق البالغ آلاف الأضعاف لجهة القوة النارية واللوجستية، لماذا يعجزون عن وضع حد لهؤلاء الذين يتسببون بكل هذه التوابيت المشحونة يوميا إلى الولايات المتحدة والدول الأخرى المشاركة في الاحتلال، ناهيك عن الأكياس السوداء التي تدفن في العراق دون إعلان أو إحصاء لكون الجثث الموضوعة فيها هي لأفراد من المرتزقة الموعودين بجنسية العم سام بعد عودتهم «المظفرة» من إستعراض القوة المزعوم الذي يوشك أن ينقلب إلى فيتنام جديدة. 

وعلى ذكرالفيتنام، المفخرة الخالدة للحركة الشيوعية وحركة التحرر الوطني، كلمة نقولها بروح رفاقية (فالمسألة لا تخص الحزب الشيوعي العراقي وحده): يا أحفاد فهد وحازم وصارم وسلام عادل والحيدري، ياحزب الشهداء العظيم، ألم يحن الوقت بعد لإنقاذ شرف الراية الحمراء المزينة بالشاكوش والمنجل الذهبيين... بل ورفع هذه الراية حيث يجب في طليعة أفواج المقاومين الذين يعبرون الجسر في الصبح خفافا؟  فإذا كانت مقاومة المحتل فرض كفاية على الأفراد، يكفي أن يؤديه بعضهم، فهي بالنسبة للأحزاب الوطنية فرض عين ولن يغفر المستقبل لأي منها تخلفه عن الفعل المقاوم المؤسس للتحرير. لقد رحل النظام الفاشي من غير رجعة ولن يرحل الاحتلال من تلقاء نفسه أبداً كما تعلمون ولاشك.

بعد مأساة تسليم بغداد من يد جلاوزة النظام العراقي السابق إلى يد جلاوزة النظام العالمي الجديد، انبثق الرد سريعاً من فوهات بنادق المقاومة الوطنية العراقية، صوناً لكرامة شعب العراق المقهور المعذب والأمة العربية الساهية اللاهية كالعنزة على باب المسلخ. فمرحى ياأبطال المقاومة طلائع التحرير، ياأصحاب الخيار الإستراتيجي الصائب في زمن انسدت فيه أبواب السلم أمام الشعوب وفتحت قبور الإستسلام. لقد برهنتم لكل هوام وديدان الأرض أن العراق ليس جيفة أو لقمة سائغة ولن يكون. تحية لمن رسموا بالنار والدم خط الدفاع الأول عن دمشق وبيروت في شوارع بغداد والموصل والبصرة وبعقوبة والفلوجة. أيها الأبطال المجهولون: نشد على أياديكم ... ونفديكم.

2/12/2003

■ بشير يوسف

 

■■ ملاحظة: بعد وصول هذه المادة من السيد بشير يوسف، وصلتنا مادة أخرى تصب في نفس الاتجاه عن دور المقاومة العراقية في التصدي للإحتلال الأمريكي، نشرتها صحيفة «الأومانيتيه» بتاريخ 5/12/2003، ننشر نصها الكامل في هذه الصفحة.