إلغاء قرار وطني.. بامتياز
من قرار وطني بامتياز إلى إلغاء هذا القرار.. ترى من يسمي هذه القرارات، ومن ينعتها بصفاتها المحمودة والمذمومة.
من قرار وطني بامتياز إلى إلغاء هذا القرار.. ترى من يسمي هذه القرارات، ومن ينعتها بصفاتها المحمودة والمذمومة.
خمسة أشهر على إعلان حكومة سفر، والنتيجة قرارات وتراجعات لم يفهمها أغلب السوريين، فالمواطن السوري ليس أكثر من «كائن» معد للتجارب من أصحاب اللون الأسود، فالحكومات المتلاحقة تستمتع في التجريب به، وعليه، وكأن الاقتصاد هو علم التجارب، والإجراءات والقرارات الاقتصادية بالنسبة لهم، ليست أكثر من تجربة مجهزة للتعديلات، وكأنما لا يمكن فهم تأثيراتها وتبعاتها بدقة على الاقتصاد أو المواطن قبل اتخاذها، وذلك على عكس كل التجارب الاقتصادية الناشئة في العالم التي استطاعت توصيف وتحديد أثر كل إجراء أو قرار على مواطني بلدانهم، فالتخطيط الاقتصادي ليس أكثر من حسابات يمكن التنبؤ بها قبل اتخاذ أي قرار، وبدرجة خطأ لا يتجاوز الـ5%..
في يوم البيئة العالمي اتخذت الجهات الوصائية في سورية قراراً بنقل «الدباغات» إلى المدينة الصناعية بجانب مدينة عدرا العمالية، تخفيفاً للتلوث عن مدينة دمشق، ورصاصة رحمة لسكان المدينة العمالية التي يحدها من الجنوب معمل الاسمنت الذي ينفث سمومهليل نهار في سماء المدينة، ومن الغرب تهب نسمات مسائية محملة بروائح الصرف الصحي لمدينة دمشق ومطاحن ومشاغل ميكانيك وأكوام من النفايات والكيمياويات.
مع مرور خمس سنوات على بدء الأحداث في سورية، لا تزال القطاعات كافة تتأثر سلباً بقرارات الحكومة التي لم تتقن إدارة الأزمة، بما يخفف من تداعياتها على الشعب السوري، فكانت قراراتها الاقتصادية تصب في مصالح قلة قليلة من التجار وغيرهم.
قبل أن نحاسب الحراك الجماهيري في الشارع، علينا محاسبة الحكومات السابقة، وتحديداً حكومة العطري التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه. فالإنفاق الاستثماري في تراجع عبر سنوات الخطة الخمسية العاشرة، وتشهد بذلك بيانات الموازنات العامة للدولة منذ أكثر من ست سنوات، والذي يطالع أرقام موازنات 2006 حتى 2011 يكشف تغيُّراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام يتضمن تراجعاً من دور الدولة التنموي. وقد أدى هذا التراجع إلى الضغط على إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام، في حين لم يكن القطاع الخاص قادراً، رغم كل ما أعطي من ميزات، على ردم الفجوة الاستثمارية أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدلات النمو التي استهدفتها في الخطة العاشرة.
أصدرت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل قراراً تحت الرقم 1823 لعام 2011 بشأن ضم الخدمة السابقة بالحكومة إلى مدد الخدمة المحسوبة في المعاش، ورفع النسبة، ورد تعويض الدفعة الواحدة، وذلك بناء على أحكام القانون 92 لعام 1959 وتعديلاته، وخاصة المواد 71 مكرر و82 منه، وعلى اقتراح مجلس الإدارة في المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية المتخذ بجلسته رقم 12 تاريخ 7/9/2011، وعلى مقتضيات المصلحة العامة.
أعاد التقنين الذي تعيشه مختلف المحافظات السورية اليوم مشكلة القطاع الكهربائي إلى الواجهة، ليفتح من جديد مشكلة قطاع مستعص عن الحلول الحكومية الناجعة، وهذا لا يعني بالتأكيد أنه مستعص عن الحل أساساً أو مطلقاً، بل إن الإهمال التاريخي لهذا القطاع، وعدم السعي لحل مشاكله، مضافاً لكل ذلك، تجاهل الجهات الحكومية، ممثلة بوزارة الكهرباء، ضرورة الاعتماد على الطاقات المتجددة التي تمتلك سورية منها الشيء الكثير، وكل ذلك هو من أوصل القطاع الكهربائي إلى هذا الواقع السيئ، فبات مشكلة وطنية تحتاج إلى حلول وقرارات كبرى، فلا «الرتوش» ولا الحلول الجزئية هي المخرج من هذه الأزمة اليوم..
لعب الفاسدون في سورية دوراً مهماً في تشويه الحقائق وقلبها والتسويق للمشوه منها، حتى أصبح الفساد ثقافة بحد ذاتها، فجرى عن سابق إصرار وترصد وضع الخطط المدروسة للإيقاع بجميع فئات الشعب السوري، لينغمسوا في مستنقع الفساد..
تتفاخر الدول وتتبارى في زيادة حجم الإنفاق العام لديها عاماً بعد عام، وذلك بهدف تشجيع الإنتاج وزيادته، وتأمين فرص عمل لمئات آلاف من الشباب العاطلين عن العمل، وفي المقابل، فإن انخفاض حجم الإنفاق العام، سيساهم في صنع الركود في الاقتصاد الوطني، ورفع حجم البطالة، والذي سينعكس بدوره على مستوى المعيشة بالضرورة، ولذلك، فالدول قد تضطر للجوء إلى القروض بهدف زيادة حجم الإنفاق العام لديها، فهل الإنفاق العام يتراجع في سورية؟! وما هي مدلولاته؟! وخاصة أن تراجع الإنفاق الاستثماري يعد خير شاهد على تراجع دور الدولة التنموي؟!
من جديد تطل أزمة الغاز برأسها على السوريين، وذيولها لم تكن قد فارقت مخيلتهم بعد، كما تتجدد مع هذه الأزمة أيضاً تصريحات الوزير المختص ذاته حول حقيقة وجود أزمة من عدمه، فبين نفي مبدئي كالعادة لوجود أزمة غاز في سورية، والذي يشكل بالمحصلة مشكلة تضاف للإشكال الأساسي، لتطفو على السطح في الوزارة ذاتها، خلافات في تقييم حقيقة الأزمة وعمقها، بين وزير متفائل بحلها بأيام معدودة، وجهات أخرى، كمؤسسة محروقات، ترى أن الأزمة قد تطول، فمن نصدّق؟! وهل هي أزمة فعلية أم هي محاولة لافتعال أزمة من جانب تجار الأزمات المرتبطين بالقرار التنفيذي أساساً؟! وما هي جذورها؟! ولماذا تتحدث الحكومات المتعاقبة عن نتائج تلك الأزمات دائماً دون الخوض في الأسباب الحقيقية لنشوئها، والبحث عن آليات معالجتها؟!