المصروفون من الخدمة في مؤسسة الطيران العربية السورية: الحكومة السابقة ظلمتنا.. والحكومة الحالية تتلكأ بإنصافنا
لعب الفاسدون في سورية دوراً مهماً في تشويه الحقائق وقلبها والتسويق للمشوه منها، حتى أصبح الفساد ثقافة بحد ذاتها، فجرى عن سابق إصرار وترصد وضع الخطط المدروسة للإيقاع بجميع فئات الشعب السوري، لينغمسوا في مستنقع الفساد..
هذه الخطط التي كانت تحاول التواري خلف التصريحات المتواصلة من المسؤولين الرسميين في الحكومة وزعمهم أنهم يعملون ليل نهار من أجل القضاء على الفساد والمفسدين، وأن مهمتهم الرئيسية (وتحديداً) في الخطة الخمسية العاشرة كانت محاربة الفساد، ما لبثت أن تعرت وفُضحت تماماً عند أول محك حقيقي تمر به البلاد. والسؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: عن أي فاسدين كانوا يتحدثون، وماذا كانوا يقصدون بتصريحاتهم «الخلبية» التي تعد اليوم من أبرز أسباب تفجر الأزمة؟.
لاشك أن أي حديث عن مكافحة الفساد يعتبر ضرباً من الخيال إن لم يبدأ بمحاسبة الحكومة السابقة عن كل القرارات الخاطئة التي اتخذتها بحق الوطن والشعب معاً.. الوطن من خلال ضربهم للاقتصاد الوطني بكل مفاصله الصناعية والزراعية والخدمية، والمواطن من خلال القرارات الخاطئة التي اتخذت بحقه، وخاصة تلك التي اختبأت تحت يافطة كبيرة جداً: «الصرف من الخدمة لأسباب تمس النزاهة». فأي حق يمتلكه أي مسؤول في الحكومة ليفصل ويطرد العشرات من الخبرات الفنية والهندسية والطبية دون أي وجه حق، ودون أي تحقيق أو أخطاء ارتكبت تم اكتشافها بالجرم المشهود؟!
نطرح هذه الأسئلة الآن، لأن هناك أمثلة تكاد لا تحصى من الذين اتخذت بحقهم إجراءات وقرارات ظالمة، وقد لجأ العشرات من هؤلاء إلى الإعلام لإنصافهم.. موظفون فقدوا رزق أسرهم بجرة قلم من مسؤول أقل ما يقال عنه إنه فاسد من الدرجة الأولى، لكن القوة بيده بحكم الموقع والصلاحيات والمنصب الذي أصبح جزءاً ملتصقاً بحياته.
فاسدون يحاربون الفساد
يحاربون الرشوة وما يجنونه منها بمئات الآلاف في كل دورة فساد، وملكياتهم بالملايين وملكيات أقربائهم وأصدقائهم غير الشرعية بالملايين، ويكتبون على جدران منازلهم: «هذا من فضل ربي».. وظلوا دائماً – رغم فسادهم- يرتقون باتجاه المناصب الأعلى بسرعة الشهب مزودين بأفضل التقييمات، وتزداد ثروة كل منهم وشهرته بالفساد، ولا يتعرض للمساءلة بينما خطأ بسيط لأي موظف صغير يخسر بسببه وظيفته وتعبه طول العمر.
لعل هذه المقدمة تنطبق تماماً على قضية الموظفين المصروفين من الخدمة في مؤسسة الطيران العربية السورية، الذين فوجئوا بتاريخ 13/9/2010 وهم على رأس عملهم بصدور قرار من رئيس مجلس الوزراء في الحكومة «الراحلة» بصرفهم من الخدمة لأسباب تمس النزاهة دون أية مقدمات!.
يقول هؤلاء الموظفون في الكتب التي وجهوها للسادة المسؤولين ما يلي:
«... في البحث عن الأسباب التي اعتمد عليها رئيس الحكومة قراره (أي قرار الصرف)، لم نتوصل لمعرفة تلك الأسباب، ولكن بعد مشوار طويل وشاق وعذابات الوقوف أمام أبواب المسؤولين تبين لنا ما يلي :
«قبل عطلة عيد الفطر دعينا لاجتماع عند مدير عام المؤسسة، وكان اعتقادنا في حينه، هو شكرنا على الجهود التي بذلناها خلال موسم الصيف، رغم الظروف الصعبة التي مرت فيها المؤسسة في ذلك الوقت، ولكن فوجئنا بإعلامنا بان هناك توجيهات من جهات عليا بنقلنا ضمن المديرية التجارية بعيدا عن قسم الحجز المركزي بنفس المديرية، فكانت دهشتنا من الطرح، ولكن أعلمناها رغبتنا بالنقل خاصة بان أكثرنا كان يطلب نقله من هذا القسم ويتم الرفض .».
ويتابع الموظفون في كتابهم: «في أول يوم دوام بعد عطلة عيد الفطر (رابع يوم من عطلة العيد) صدر قرار من المدير العام صباحا بنقلنا إلى عدة أقسام ضمن المديرية التجارية وبنفس التاريخ (13/9/2010)، صدر قرار رئيس مجلس الوزراء «العطري» بفصلنا من الخدمة، وخلال ساعة واحدة اجتمعت اللجنة المؤلفة من وزيرة الشؤون الاجتماعية والعمل، ووزير العدل والوزير المختص، وصادقت اللجنة على محضر الاجتماع، وتمت طباعة القرار وتوقيعه، ومن ثم نشره على الانترنت كل هذا بساعة واحدة، فما هو السبب الحقيقي وراء هذا الاستعجال لا أحد يعلم..؟».
رحلة البحث عن منقذ
ويؤكد الموظفون أنهم: «وفي اليوم نفسه مساءً بدأت معاناتنا حيث لم نترك بابا إلا وطرقناه، وكنا نتواجد الساعة الرابعة صباحا أمام باب «أبو سليم دعبول» لإيصال طلبنا إلى السيد رئيس الجمهورية، لأن كل هدفنا أن يعلم بموضوعنا وكلنا أمل ولا زلنا بان السيد الرئيس لا يرضى بالظلم الذي حل بنا، وعرفنا القصة فيما بعد، وهي أن المدير العام اتصلت بأحد الموظفين وهو من ضمن قائمة المسرحين «المفصولين»، وطلبت منه إجراء حجز لشخصين مهمين «حسب قولها» على رحلة مستأجرة لمصلحة محطة أمستردام، وهذه الرحلة لا يمكن الحجز عليها تخفيفا للنفقات، كون قبلها بيوم توجد رحلة وبعدها بيومين توجد رحلة، وهاتان الرحلتان مفتوحتان للبيع، ولا توجد حمولة عالية عليهما كان هذا بتاريخ 11/7/2010 الساعة السابعة مساء، والمدير العام كانت وقتها في مهمة رسمية في القاهرة، ويمكن طلب لاتصال من شركة سريتل» .
ويشير المفصولون أنه: «وبالفعل تم حجز محلين باسم محي الدين علي، والثاني باسم يوسف علي، وقد سألها الموظف حينها: هل أترك الرحلة مفتوحة للبيع؟؟!! فوافقت وكان السفر صباح 12/7/2010، وبالفعل سافر هذان الشخصان بنفس التاريخ، حيث لم يكن على الرحلة سواهما، وعادا بتاريخ 28/7/2010، وقد تقدموا بشكوى لإحدى الجهات بأن الرحلة كانت فارغة، وتم استدعاء الموظف الذي قام بحجز المحلين بطلب من المدير العام وثلاثة آخرين إلى الفرع /285/ وتم سؤالهم: عن كيفية الحجز وكيف تكون الطائرة مغلقة أو مفتوحة؟ علماً أن هذه الجهة غير اختصاصية، ولا تعرف شيئاً عن عمل الطيران، وكانت النتيجة فصل 11 موظفاً بدون أي سؤال أو تحقيق، ماعدا أربعة موظفين، وكانت المدير العام أيضا تذهب للتحقيق في هذا الفرع، والغريب أن اثنين من المسرحين كانوا بمهمة رسمية في لندن قبل شهر واحد من تاريخ تسريحهم لإتباع دورة على أعمال الحجز في المؤسسة».
نحمد الله ونشكره!
يقول الموظفون في ختام كتبهم الموجهة للجهات المسؤولة: «من يكون متهما بتهمة صحيحة يحمد الله بأن الأمور انتهت على هذه الحال، أما من يكون مظلوما، فلا يترك بابا إلا ويطرقه ليثبت براءته، وهو ما فعلناه ومازلنا نفعله لتاريخه لأننا مظلومون.. مظلومون بكل ما تحمل هذه الكلمة من معاني قاسية على الصعيد النفسي والمعنوي والأخلاقي، فما هي حالنا أمام أولادنا الذين يعرفون محبتنا لبلدنا وعملنا، ونكافأ بهذه المكافأة، فكيف سيكون مستقبلهم في هذا الوطن؟؟!!. ونحن نعرف بان الحكومة السابقة كانت فاسدة بكل المقاييس، ولكن ما هي حال الحكومة الحالية التي اقتنعت ببراءتنا، وما زالت تماطل في إنصافنا، فالسيد الرئيس اصدر أكثر من مرسوم عفو عن المجرمين والخارجين عن القانون وعن المعتقلين السياسيين، فما هو الذنب الذي اقترفناه لنبقى حتى الآن عرضة للقيل والقال؟ ونحن دائما نطلب من كل المسؤولين إجراء التحقيق معنا من قبل لجنة مختصة، لنثبت للجميع بأننا مظلومون، وقد تقدمنا بالكثير من الطلبات لمكتب القصر إما بالبريد المسجل أو بواسطة الفاكس، وتقدمنا بطلبات أيضا عن طريق رجال الدين، والقيادة القطرية، وعن طريق مجلس الشعب وامن الدولة، وهذا كان في الشهر الخامس من هذا العام، وتم رفع الطلب مرة ثانية عن طريق الوزير إلى مجلس الوزراء، وتم مقابلة رئيس مجلس الوزراء في مبنى الاتحاد العام، ونطق بالحرف الواحد وأمام رئيس الاتحاد بأنه يعرف بأننا مظلومون، وسيتم دراسة موضوعنا ولتاريخه لم يتم أي شيء».
سجل وظيفي مشرّف
بالرجوع للسجل الوظيفي للعاملين المفصولين يبدو واضحاً أن سجلاتهم مشرّفة وهم ليسوا بخائفين من البحث عن تاريخهم الوظيفي وهذا ما أكدوه في كتابهم قائلين نحيط علم سيادتكم بما يلي:
- إن سجلاتنا الوظيفية خالية من أية ملاحظة أو عقوبة من أي نوع كان على مدى خدمة كل منا.
- إن موظفي الحجز والكنترول لا علاقة لهم مباشرة بالحجوزات أو بالركاب، حيث يتم طلب المقاعد من قبل مكاتب مبيعات المؤسسة أو مكاتب السياحة والسفر عن طريق الهاتف أو البرقيات.
- تملك المؤسسة نظام التدقيق الآلي water mark الذي تم تطبيقه منذ ثلاث سنوات بهدف ضبط الحجوزات، بحيث تصبح آلية %100 دون تدخل من أي موظف، حيث يقوم بالتدقيق تلقائيا على جميع الحجوزات وإلغاء الحجوزات غير الكاملة منها بشكل آلي، ولا يقبل هذا النظام أي حجز بدون التفاصيل الضرورية اللازمة (الاسم الكامل، رقم التذكرة المصدرة آليا..) وبالتالي لا توجد إمكانية لوجود حجوزات وهمية، ويكلف المؤسسة شهريا /8000/ دولار وقد وقع على استثماره وزير النقل .
- لم يتم التحقيق مع سبعة أشخاص منا حتى تاريخه من أي جهة كانت؟!.
دعوة مفتوحة
ويختم العاملون جميع كتبهم بالدعوة التالية: «حيث إننا نعيل أسرنا وأن قرار صرفنا من الخدمة بدون أي وجه حق، وبدون إجراء أي تحقيق من الجهاز المركزي للرقابة والتفتيش أو الرقابة الداخلية في المؤسسة أو الوزارة، أو أية جهة مختصة بالتحقيق القانوني والفني، مما يضعنا وأسرنا عرضة للتشرد مع الإحساس بالظلم في استخدام القانون سلاحاً في وجه المواطن بدلا من إحساسه بحمايته له».
لذلك «نتقدم بهذا الطلب للسيد رئيس الجمهورية لإنصافنا وإحقاق الحق بتوجيه من ترونه مناسبا لإعادة فتح التحقيق بهذا الموضوع، واستدعاء كل من له علاقة في الموضوع، مع استعدادنا لنكون أول المتواجدين للخضوع للتحقيقات القانونية النزيهة والفنية المنصفة، وعلى تحمل صدور أية عقوبة بحقنا عندما تثبت المخالفة القانونية، وفي حال تم إثبات براءتنا نرجو من سيادتكم التكرم بإعادتنا إلى عملنا، وطي قرار الصرف، علما بأننا تقدمنا بالكثير من الشكاوى مرفق طياً قائمة بها، ولتاريخه لم نتلق أي جواب؟؟!!».
ملاحظة هامة: نظراً لحساسية الجهات التي لجأ إليها العاملون، وهي عشرون جهة رسمية وحكومية ودينية وجمعيها من «أعلى المستويات»، نعتذر عن نشر أسمائها مع التأكيد على استعدادنا لتقديمها لأية جهة تفتح التحقيق في قضية هؤلاء الموظفين المظلومين من أجل إنصافهم.
كما أننا نطالب الجهات المعنية بإعادة التحقيق ومحاسبة الحكومة السابقة مع فريقها الاقتصادي على ما اقترفوه من أخطاء وفساد بحق الدولة والشعب، هؤلاء الفاسدون الذين أكدنا في أكثر من مناسبة أنهم كانوا وما زالوا بوابات العبور للعدو الخارجي.