ن.عادلة ن.عادلة

الحكومة المؤتمنة على المال العام.. فرطت بالمال العام!!

قبل أن نحاسب الحراك الجماهيري في الشارع، علينا محاسبة الحكومات السابقة، وتحديداً حكومة العطري التي أوصلت البلد إلى ما وصل إليه. فالإنفاق الاستثماري في تراجع عبر سنوات الخطة الخمسية العاشرة، وتشهد بذلك بيانات الموازنات العامة للدولة منذ أكثر من ست سنوات، والذي يطالع أرقام موازنات 2006 حتى 2011 يكشف تغيُّراً مهماً في التركيب الهيكلي للإنفاق العام يتضمن تراجعاً من دور الدولة التنموي. وقد أدى هذا التراجع إلى الضغط على إمكانية توليد فرص عمل في القطاع العام، في حين لم يكن القطاع الخاص قادراً، رغم كل ما أعطي من ميزات، على ردم الفجوة الاستثمارية أو الوفاء بمتطلبات تحسين معدلات النمو التي استهدفتها في الخطة العاشرة.

وكانت الحكومة رحيمة فأطلقت رصاصة الرحمة على الشركات الرابحة من خلال عرضها على الاستثمار، والموت السريري للشركات الخاسرة والمتعثرة. فقدمت المرافئ السورية الرابحة لشركات محلية وأجنبية، عندما أنشئت شركة التوكيلات الملاحية بموجب المرسوم التشريعي رقم 247 تاريخ 20/12/1969 تم تأميم الوكالات الخاصة بموجب الأمر العرفي رقم 30 تاريخ 21/7/1966 واعتُبرت الشركة المحدثة مسؤولة عن الالتزامات للوكالات السابقة ضمن حدود ما آل إليها من حقوق، وجرى تقويم موجودات الوكالات السابقة من قبل لجنة شُكلت بقرار من وزيري الاقتصاد والتجارة الخارجية والمالية، والحكومة السابقة أنهت العمل بمرسوم التأميم، وعادت الشركات الخاصة لتمارس دورها، ولتستولي على الأموال التي كانت تحققها شركة التوكيلات الملاحية.

ـ وكذلك مزارع الدولة: فبعد التحول إلى اقتصاد السوق أُقر مشروع قانون العلاقات الزراعية، بعد سلسلة من الإجراءات التمهيدية وأبرزها: حل مزارع الدولة بالكامل وخصخصتها، إغلاق التعاونيات، إنهاء مؤسسة المكننة الزراعية. وصدر قانون العلاقات الزراعية بعد 46 سنة على صدور القانون الأول عام 1958، وتم تعديله عام 1963 وجاء ضمن التوجهات الاقتصادية الجديدة: من أجل تنظيم العلاقة بين المالك والفلاح، وضع علاقات جديدة تتلاءم مع المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية، واستند في ذلك إلى مبادئ جديدة من حيث: إخضاع العقود التي ستبرم بعد نفاذ القانون لمبدأ سلطان الإرادة وحرية التعاقد، وضرورة توثيق العلاقة العقدية بين المزارع وصاحب العمل، إلخ.. وأكد القانون على أن العقد شريعة المتعاقدين، كقانون العمل الذي أُقر وانتهك مواد عديدة لمصلحة  العمال.

ـ رجوع عن التأميم: ماذا تفسر ذلك؟! رجوع عن التأميم أدى إلى تهجير الآلاف من الفلاحين من أراضٍ عملوا بها لسنوات طويلة، ورفعت أمام القضاء آلاف الدعاوى تطالب بالأرض وتعويضات عن سنوات سابقة. وقد أدى ذلك أيضاً إلى تفتيت الأرض أكثر مما هي مفتتة. شعارات براقة، وغشاوة أرادت الحكومة السابقة وضعها أمام أعيننا.

ـ مشاركة: إشراك المستثمر في الشركات الرابحة ومثال ذلك صناعة الاسمنت. الشراكة مع غيث فرعون في شركة اسمنت طرطوس ومنح تراخيص للقطاع الخاص لإقامة معامل اسمنت، وخامات الاسمنت تصنف بأنها من الثروات المعدنية، وهي صناعة رابحة بامتياز. والسؤال هنا: إذا كانت الحكومة تعتبر هذه الصناعة استراتيجية ورابحة، فلماذا لم تعمل على إقامة معامل أخرى مع تطوير خطوط الشركات الموجودة؟ لم تقم الحكومة بذلك، بل أصرت على منح الشركات الرابحة للمستثمر رحمة به. وكان القادم منح مناجم الفوسفات للمستثمرين. وكنا نتساءل: إلى أين تسير السياسة الاقتصادية في سورية؟ وهل يجوز للحكومة المؤتمنة على المال العام أن تفرط بالمال العام؟

ـ عودة إلى البدء: لماذا لا نحاسب الحكومة السابقة؟ أجاب التقرير الاقتصادي لاتحاد عمال اللاذقية في مجلس الاتحاد الأخير بالآتي: لقد وقفنا في الاتحاد وعارضنا الخطة الخمسية العاشرة بتدابيرها الاقتصادية والاجتماعية الليبرالية، حيث كان لها التأثير المباشر والفعال في الأحداث التي وقعت. إذاً الحكومة هي المسؤولة أولاً.

ويتابع التقرير: في اللاذقية توقفت مجموعة شركات ومؤسسات بإهمال من الحكومة السابقة، مثل الشركة العربية لصناعة الأخشاب، الشركتان العامتان لصناعة المحركات والألمنيوم، معمل أسمنت برج إسلام، المعمل الثاني في شركة الخيوط القطنية. معمل كونسروة جبلة، خصخصة 70% من عمل الشركة العامة لمرفأ اللاذقية الذي كان يشغل عدداً لا بأس به من أبناء اللاذقية الذين أصبحوا الآن بلا عمل.

ـ من إنجازات الحكومة: صدر عام 2010 قرار يحل المؤسسة العامة للرخام والإسفلت في اللاذقية، وإلحاقها بالمؤسسة العامة للجيولوجيا والثروة المعدنية، مع أن شركة الرخام كانت رابحة، ولم يحدث أن خسرت خلال 20 عاماً، ونتيجة هذا الإلحاق تم حرمان 900 عامل من المؤسسة العامة للرخام والإسفلت من أغلب استحقاقاتهم. أليست هذه إنجازات نحصد نتائجها الآن؟