إلغاء قرار وطني.. بامتياز

من قرار وطني بامتياز إلى إلغاء هذا القرار.. ترى من يسمي هذه القرارات، ومن ينعتها بصفاتها المحمودة والمذمومة.

نعم ببساطة ألغت الحكومة السورية قرار تعليق المستوردات التي تتجاوز رسومها الجمركية 5 %.. وأما تعليق وزير الاقتصاد فهو أن قرار إلغاء تعليق الاستيراد جاء نتيجة تقييم آثاره، واستجابة لرغبة المواطنين والتجار.

يعترف وزير الاقتصاد على الأقل بأولوية المواطن في تصريحه، وهذا بغض النظر عن من هو أكثر أثراً في قرارات كهذه، ومن ثم لا بد من الوقوف عند عبارة (جاء نتيجة تقييم آثاره)، وهنا السيد الوزير لا ينعتها لا بالإيجابية ولا بالسلبية، رغم الإطناب والمديح الكبيرين للآثار الإيجابية التي تحدث عنها شركاء القرار الاقتصادي.

حاكم المصرف المركزي السوري صرح في الأسبوع الماضي أن خفض الواردات سيتيح لسورية توفير 6 مليارات دولار سنوياً لمواجهة العقوبات التي فرضتها كلٌ من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي..وهذه واحدة من الإيجابيات التي سنخسرها من إلغاء القرار، أم أن الحاكم ربما سيخرج علينا بمقولة جديدة عن المليارات التي سيوفرها عكس القرار.

وزير المالية وفي تصريح قريب يقول إن ترشيد الاستيراد وليس منع الاستيراد لفترة محددة هو ما نعمل عليه الآن، وعليه فإن ترشيد تعليق الاستيراد طبق على بعض المواد الكمالية، وبعض المواد التي لها منتج بديل في سورية...لماذا إلغاء القرار إذاً والكماليات ليست لنا نحن الشعب السوري.

يضيف وزير المالية على حسنات قرار منع الاستيراد وآثاره الايجابية: (بما يتعلق بالاستيراد فهو إجراء له هدفان الأول هو القطع الأجنبي، الذي خصصته الدولة لتغطية حاجة البلاد من المستوردات أو يستخدم في تمويل التجارة الخارجية).. وهنا في هذه الايجابية كيف ستعوض الدولة ما ستخسره من قطع أجنبي لتغطية المستوردات.. نحن بحاجة إلى تصريح جديد لوزير المالية.

وزير المالية وأيضاً في ذروة ايجابيات القرار ومن باب الوطنية: (هذا القرار قيد المناقشة والدراسة وإن كان له سلبيات سيعاد النظر فيه، ولكن الغاية الأساسية منه حماية الصناعة المحلية، وحماية الليرة السورية من التدهور).. مرة أخرى من سيحمي الصناعة الوطنية والليرة السورية بعد إلغاء القرار؟.

بالأمس فقط قال وزير الاقتصاد: (إن الوزارة شارفت على وضع اللمسات الأخيرة لمنعكسات قرار تعليق الاستيراد للمنتجات التي تزيد رسومها عن 5%، ووضع الاقتراحات المناسبة للحفاظ على مصلحة المواطن، ومنها ما يتعلق بعدم ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية).. ترى هل لمسات الحكومة بهذا السحر؟. أنا أعتقد أن الوزير آخر من يعلم.

ومنذ اتخذت الحكومة قرارها الملغى قبل أقل من شهر زادت معاناة  المواطنين، وبدأت الأسعار تأخذ طريقها إلى أعلى الهرم، وبدأ التجار يحتكرون المواد الأساسية لغاية ليست في نفس يعقوب؟

منذ أن اتخذ القرار الملغى صار سعر البيضة الواحدة ثماني ليرات، والثلاث بيضات بـ25 وصحن البيض  بـ210 ليرات في قفزة دون ريش، أما الزيوت والسمون والخضراوات وباقي المواد الغذائية فطارت ولم تحط حتى ساعة إلغاء القرار.

يبدو واضحاً من الارتباك الواضح في التصريحات والقرارات الحكومية في الفترة الأخيرة أن الفريق الاقتصادي البديل الذي يقود هذا المرحلة الحرجة فاقد للتنسيق، وكما يبدو جلياً أيضاً أن البعض غائب عن دوره، وهنا يجب التذكير بحاجة الوطن والمواطن إلى من يملك قراراً واضحاً أهم ما في صفات هذا القرار ومواصفاته الحكمة، وقراءة مستجدات المرحلة، وعدم التعامل مع الطارئ منها بردة فعل.

لا يمكن أن يدار اقتصاد وطني محاصر... فقط  بقرارات تسمى وطنية بامتياز.