افتتاحية قاسيون 1247: المعنى التاريخي لانتصار غزّة
بعد وقتٍ قصيرٍ من عملية طوفان الأقصى يوم 7 أكتوبر 2023، وبدء الصهيوني بحرب الإبادة المتوحشة ضد الشعب الفلسطيني، قالت قاسيون في افتتاحيتها ذات الرقم 1154، في 24 كانون الأول 2023، وتحت عنوان «ما وراء غزة»، ما يلي: «لعل أهمّ استنتاج يمكن تثبيته بخصوص الإدارة الأمريكية للمعركة، هو أنّ المعركة المطلوبة أوسع بكثير من حدود قطاع غزة، ومن حدود فلسطين؛ وشعارات «لا لتوسيع الحرب» بالتوازي مع «لا لوقف إطلاق النار»، المقصود منها هو بالضبط: منع حرب مباشرة بين الكيان وعدة دول في المنطقة، بمقابل ضرورة توسيع الحرب على شكل فوضى شاملة تشمل الإقليم بأسره».
وأضافت: «إنّ المدى الزمني للمخطط الأمريكي في تفجير كامل المنطقة، ليس محصوراً بأسابيع أو أشهر، بل يتطلب فعلياً عدة سنوات. والحرب على غزة، وعلى فلسطين، ضمن هذا المخطط، ليست الغاية النهائية، بل هي أداة في رفع الحرارة، ورفع التناقضات في مجمل المنطقة، لتسهيل الوصول إلى الغاية: الفوضى الشاملة».
اليوم، وبعد سنتين من الإجرام الصهيوني، تبدأ الحرب بوضع أوزارها على مشهدٍ يعجز فيه الكيان، وعلى رأسه نتنياهو- الذي من المحتمل أن يُستبعد من مراسم توقيع الاتفاق في مصر يوم الإثنين، وبغياب بايدن الذي تم إشعال الحرب في عهده- يعجز عن تحقيق أي من الأهداف التي أعلنها طوال فترة الحرب؛ فلا هو استطاع القضاء على حماس والمقاومة الفلسطينية أو سحب سلاحها، ولا استطاع استعادة أسراه إلّا عبر صفقة تبادل أسرى كما قررت المقاومة منذ اللحظة الأولى، ولم يستطع تهجير أهل غزة خارجها، ولا المحافظة على احتلاله لأقسام منها... إضافة إلى ذلك، فقد خسر الكيان على المستوى الشعبي العالمي والدبلوماسي الدولي خسارة عظيمة غير مسبوقة، ومعه الولايات المتحدة التي دعمته في كل خطوة من خطوات حرب الإبادة.
بالعودة إلى الاقتباس الذي بدأنا به، فإن الخسارة الأكبر بالنسبة للأمريكي والصهيوني معاً، هي أن استخدام غزة كأداة في تسخين المنطقة وصولاً لتفجيرها بأكملها، ضمن فوضى شاملة هجينة، ورغم أنه حقق بعض الخروقات هنا وهناك، إلا أنه وصل إلى حائطٍ مسدود، وانعكس سلباً على كامل المشروع الأمريكي في المنطقة، ولم يستطع تحقيق أهدافه؛ فاتفاقات أبراهام والناتو العربي وما شاكلهما قد تبخرت فعلياً، وحل محلها واقع إقليمي جديد، سمته الأساسية هي التقارب والتوافق بين الدول الكبرى في المنطقة، من السعودية إلى إيران إلى مصر إلى تركيا، وتقارب هذه الدول مجتمعة بشكل أكبر مع الصين وروسيا، الخصمَين والمنافسَين الأساسيَّين للهيمنة الغربية.
إن المعنى التاريخي لانتصار غزة، ورغم التضحيات والآلام الهائلة التي جرى دفعها، ورغم «التعنت الإسرائيلي» المتواصل حتى اللحظة، هو أن إمكانيات الهيمنة الأمريكية في منطقتنا كلها، وليس في غزة أو في فلسطين فحسب، قد تضاءلت بشكل غير مسبوق، وأن الانسحاب من كامل منطقتنا بات احتمالاً أكثر واقعية من أي وقت مضى... وأكثر من ذلك، فإن إمكانية تغيير ميزان القوى الدولي لمصلحة الأمريكان انطلاقاً من منطقتنا قد تبخرت إلى حدٍّ بعيد؛ الأمر الذي سينعكس على كل الترتيبات الجديدة في منطقتنا، بما في ذلك علينا في سورية، التي سينفتح أمامها أفق استقلال حقيقي وسيادة حقيقية، في حال استثمرت الظروف الجديدة عبر توحيد الشعب السوري قولاً وفعلاً، ابتداء بالحل السياسي الشامل على أساس جوهر القرار 2254، وعلى أساس مؤتمر وطني عام، يتحول إلى منصة أساسية لإنفاذ حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1247