افتتاحية قاسيون 1245: أين «الاتفاق» الذي تحدثوا عنه؟!

افتتاحية قاسيون 1245: أين «الاتفاق» الذي تحدثوا عنه؟!

تناولت الافتتاحية السابقة من قاسيون، وعنوانها «من يصمد ينتصر... من يُفرّط يُهزم»، الأحاديث التي راجت خلال الفترة الماضية حول «اتفاق أمني» قريب مع «إسرائيل»، والتي زادت كثافتها خلال الأسبوع الفائت بالتوازي مع اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة التي حضر الرئيس السوري قسماً منها؛ حيث أكدت مصادر إعلامية متعددة، غربية بمعظمها، و«إسرائيلية» الهوى في أغلبها، أن الاتفاق سيتم توقيعه في نيويورك، أو في واشنطن، وسيتضمن تنازلات كبرى من الجانب السوري، وأن لقاءً سيجمع رئيس وزراء الاحتلال مع الرئيس السوري الانتقالي يوم 29 من هذا الشهر برعاية ترامب.

 

رغم الحملة الدعائية الضخمة، إلا أن الوقائع حتى اللحظة تقول: إنه لم يكن هنالك لقاء، ولم يجر توقيع أي اتفاق حتى اللحظة، وأن هنالك عراقيل عديدة أمام الوصول إلى أي اتفاق.

هذا التناقض الكبير بين ما قيل ويُقال في الإعلام، وبين ما يجري على أرض الواقع، وخاصة حين يتعلق الأمر بمستقبل سورية وطبيعة علاقتها بالكيان «الإسرائيلي»، يتطلب تفكيراً في أسبابه ومعانيه، وتالياً الدوافع التي تكمن خلفه.

بين ما يمكن تسجيله من استنتاجات في هذا الإطار، ما يلي:

أولاً: الإعلام عموماً، والغربي خصوصاً، يتابع ما كان يقوم به طوال الوقت بما يخص سورية؛ أي الكذب ثم الكذب ثم الكذب، بغية تضليل الناس، وإعادة تشكيل وعيهم بالطريقة المناسبة للغرب ومصالحه في منطقتنا.

ثانياً: الكذب بشأن اتفاق مُذل مع «إسرائيل»، ليس خروجاً عن السياق العام، بل استمرارٌ ضمنه. وهو يعكس حاجة «إسرائيلية» لتحطيم معنويات السوريين وإقناعهم بأنهم مهزومون لا محالة، ودفعهم نحو اليأس، وتالياً، الاستسلام والقبول بأي شروط مُذلةٍ تُفرض عليهم.

ثالثاً: عدم حصول اتفاق رغم كل الضغط باتجاهه، بما في ذلك الإعلامي والسياسي والاقتصادي، هو تعبير عن التوازن الحقيقي للقوى على المستوى العالمي، وفي منطقتنا خصوصاً؛ فـ«إسرائيل» اليوم، ومن ورائها الولايات المتحدة، أضعف بما لا يُقاس مما كانت عليه عام 2019 حين تم توقيع ما سمي اتفاقات أبراهيمية. والدول الأساسية في المنطقة بدأت بإعادة تموضع جدّي وسريع؛ من المصالحة السعودية الإيرانية، إلى المصالحات التركية مع الدول العربية الأساسية، إلى الوجود المشترك لكل من تركيا والسعودية ومصر وإيران، وإن بمستويات مختلفة، ضمن بريكس وشنغهاي، وليس انتهاءً بالمناورات المشتركة المصرية التركية، وبالطبع اتفاقية الدفاع المشترك السعودي الباكستاني والمظلة النووية الباكستانية... هذه الوقائع بمجملها، مضافاً إليها التقدم الشعبي العالمي غير المسبوق، والدبلوماسي، بما يخص القضية الفلسطينية... كل ذلك يعني أننا أمام وضعٍ، الطبيعي فيه، هو تراجع «الإسرائيلي» وخسارته لا العكس، ولهذا السبب بالذات، فإن الصهيوني يُضاعف من استعراضاته السياسية والعسكرية والإعلامية، لعل وعسى يُغطي على عملية التراجع الموضوعية الجارية.

أخيراً: فإن عملية التراجع الموضوعي للأمريكي و«الإسرائيلي» تؤمن ظروفاً ملائمة لنحصن أنفسنا، ولنمنع تقديم أي تنازلات، ولنسير قُدماً مع الوقت نحو استعادة الحقوق وعلى رأسها الجولان السوري المحتل، ولكنها ليست كافية وحدها، ولن تضمن وحدها ألا يجري تقديم تنازلات يدفع من يقدمها ثمنها في نهاية المطاف. نقول: إن عملية التراجع الغربي وحدها ليست كافية، لأنها إنْ لم تُستكمل بتوحيد حقيقي للسوريين، فإن أي ظرف خارجي، مهما كان جيداً، لن ينفع في حماية البلاد من الانزلاق نحو مزيد من الخراب والفوضى والدمار.

تحصين سورية والسوريين عبر توحيدهم، يعني بالملموس الذهاب نحو الحل السياسي الشامل الحقيقي لا الشكلي، بالاستناد إلى روحية القرار 2254 وخارطة الطريق الموجودة ضمنه، بما فيها تشكيل جسم الحكم الانتقالي، وصياغة الدستور الدائم كأحد مهمات المؤتمر الوطني العام، ووصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1245
آخر تعديل على الأحد, 28 أيلول/سبتمبر 2025 19:02