خارطة طريق «سورية/ أردنية/ أمريكية» ... لحل أزمة داخلية في السويداء السورية!
جرى الإعلان يوم الثلاثاء الماضي، 16 أيلول 2025، من جانب كل من وزارة الخارجية السورية، ووزارة الخارجية الأردنية، والمبعوث الأمريكي الخاص لسورية توم براك، عن «خارطة طريق لحل الأزمة في السويداء»، صدرت بشكل رسمي متضمنة 13 نقطة تفصيلية، تشمل جوانب إنسانية وإدارية وسياسية، إضافة إلى ديباجة تنص على وحدة سورية وسيادتها. وجرى الحديث لاحقاً عن عمل مشترك بين الأطراف الثلاثة على دفع الخارطة لمجلس الأمن الدولي بغرض اعتمادها وثيقةً رسمية ضمنه.
نحاول هنا تقديم قراءة أولية لهذه «الخارطة»، ليس عبر دراسة نصها التفصيلي (علماً أننا سنمر على بعض التفاصيل)، بل أهم من ذلك، انطلاقاً من معنى أن يتم توقيع اتفاق ذي طابع دولي/إقليمي لحل أزمة ذات طابع داخلي سوري...
ربما من المفيد أن نبدأ هذه القراءة بالتذكير بما قلناه وتوقعناه في الأيام الأولى لاندلاع هذه الأزمة، في مادة للمحرر السياسي لقاسيون نُشرت بتاريخ 17 تموز 2025، وحملت عنواناً هو: «النتيجة: كلنا خاسرون!».
تقول المادة:
«انتهت جولة جديدة من العنف الدموي الفظيع، كانت ساحتها هذه المرة هي محافظة السويداء السورية، وآمال السوريين وقلوبهم معلقة بأن تكون انتهت بشكل كامل، وأن تكون «خاتمة الأحزان» التي يعيشها الشعب السوري بشكل متواصل منذ 14 سنة.
والآن، وبعيداً عن الاستعراضات الإعلامية من هذا الطرف السوري أو ذاك، ما هي النتائج الفعلية لهذه الجولة الجديدة من الدم؟
يمكن تقسيم النتائج إلى نوعين:
الأول هو الخسائر، وضمنه:
أولاً: خسرنا كسوريين مئات من شبابنا ونسائنا وشيوخنا وأطفالنا، وأضفنا دماء جديدة لنهر الدم العظيم المتدفق بلا توقف.
ثانياً: خرجت كل الأطراف المتحاربة، بلا استثناء، أضعف وأقل حيلة مما كانت عليه، وذلك بالتوازي مع ازدياد وزن الخارج وتأثيره؛ فالمعادلة ليست معقدة ولا صعبة لمن يمتلك الحد الأدنى من المنطق الوطني السليم: كلما جرى الدفع باتجاه تفريق الداخل وتأجيجه ضد بعضه البعض، تحت أي ذريعة أو شعار، كلما زاد ضعف الداخل بالعموم، بكل أطرافه، وزادت الثغرات التي يتسرب منها التدخل الخارجي.
ثالثاً: تم زرع آلام وجراح وأحقاد جديدة، وتم رفع درجات التوتر ضمن المجتمع السوري ككل، وتم تعزيز خطابات الكراهية والخطابات الطائفية والحاقدة والثأرية، الأمر الذي من شأنه أن يخلف مزيداً من الضعف العام في كامل المجتمع.
الثاني هو الدروس والعبر، وضمنه:
أولاً: أي اتكاء أو استناد سوري، من أي طرف كان (وهو ما جرى من أطراف متعددة بأشكال مباشرة وغير مباشرة)، على طرف خارجي، لمواجهة طرف داخلي، هو اتكاء على الهواء؛ فالخارج لا يمكن ائتمان جانبه، خاصة إن كان أمريكياً أو «إسرائيلياً»، بل ومصلحته هي خداع الأطراف الداخلية والتغرير بها باتجاه إدمائها جميعها، وإدماء البلاد وإضعاف وحدتها أكثر فأكثر.
ثانياً: منطق الغلبة والحلول الأمنية والاحتكار هو منطق فاشل لا يمكن الاستناد إليه في بناء بلد واحد موحد عزيز ومستقل. بالمقابل فإن المنطق الوحيد الصالح هو منطق الحل السياسي الشامل القائم على الحوار الوطني الشامل، ابتداء بمؤتمر وطني عام فوري يسمح بتشكيل حكومة وحدة وطنية شاملة بعيداً عن الاستئثار، ووصولاً إلى انتخابات حرة ونزيهة يقرر فيها الشعب السوري مصيره بنفسه».
الداخل والخارج
للأسف، فإن ما توقعته المادة المشار إليها قد تحقق بشكل كامل؛ فالأطراف السورية كلها قد خرجت أضعف وأقل استقلالية، والمجتمع ككل بات أضعف، وزادت المخاطر على وحدة البلاد ووحدة الشعب، ناهيك عن الأحقاد والآلام التي جرت مراكمتها... كما أن الاتفاق الثلاثي موضع النقاش هو دليل ملموس على ازدياد وزن الخارج الذي حذرنا منه؛ فهذا الخارج بات طرفاً في حل ما يفترض أن يكون أزمة داخلية ضمن الحدود السورية، ما يُعيد التأكيد بشكل مضاعف على أن كل الأطراف السورية، على الإطلاق، قد خرجت خاسرة من «معركة» كان ينبغي ألا تقع أساساً، وكان السبيل الوحيد لكسبها هو عدم خوضها، وتحويلها من الجانب الأمني والعسكري الذي حمل أبعاداً طائفية تدميرية، إلى معركة سياسية لتلبية مطالب الناس عبر التوافق على شكل الدولة الجديدة، وطريقة إدارتها انطلاقاً من التساوي التام بين السوريين بوصفهم مواطنين مكتملي المواطنة وموفوري الكرامة... وعبر المدخل الذي ما يزال هو نفسه الذي طرحناه مع بداية الأزمة وقبلها: الحل السياسي الشامل عبر تطبيق جوهر القرار 2254، أي عبر جسم حكم انتقالي توافقي ومؤتمر وطني عام يجري عبره التوافق بين السوريين على شكل دولتهم ويفضي إلى دستور دائم وانتخابات حرة ونزيهة...
ما جرى فعلياً، هو أن اعتماد منطق الغلبة/الحلول الأمنية، قد أوصلنا جميعاً إلى وضعٍ بات فيه نقاش حل الأزمة في السويداء نقاشاً ذا أبعادٍ دولية وإقليمية، وليس نقاشاً بين السوريين!
مرة أخرى، فإن الاستنتاج الذي لا تخطئه العين، هو أن رفض الأطراف المتحكمة من السوريين لحوار حقيقي داخلي يتضمن تنازلات متبادلة، ويفتح الباب لآراء السوريين السياسية أن تفعل فعلها الوطني المطلوب منها، قد أدى بالمحصلة إلى إضعاف تلك الأطراف، وإلى قضم إضافي لما تمتلكه من استقلالية نسبية، لمصلحة الأطراف الخارجية...
في التفاصيل
يقول البند 12 من نص الخارطة وفقاً لما نشرته وزارة الخارجية السورية ما يلي حرفياً: «تعمل الولايات المتحدة، وبالتشاور مع الحكومة السورية، على التوصل لتفاهمات أمنية مع إسرائيل حول الجنوب السوري، تعالج الشواغل الأمنية المشروعة لكل من سورية وإسرائيل، مع التأكيد على سيادة سورية وسلامة أراضيها. وسيدعم الأردن هذا الجهد، وبما في ذلك عبر اجتماعات مشتركة».
هكذا، ببساطة ووضوح... نصٌ لاتفاقٍ حول خارطة طريق لحل أزمة داخل الأراضي السورية، يتضمن نصاً مباشراً يربط حل الأزمة بالوصول إلى تفاهمات أمنية مع «إسرائيل» يعالج الشواغل «المشروعة» لها، وطبعاً عبر الوسيط الأمريكي «النزيه»... ما يعني وضوحاً، أن الأزمة الداخلية يتم تجييرها من الخارج لتحقيق مكاسب له على حساب الداخل السوري، وما يعني بوضوح أكبر، أن تلك الأطراف الخارجية هي صاحب المصلحة الأولى من الدم السوري الذي تمت إراقته، ولا يمكن أن يستبعد المرء- إذا أراد أن يفكر سياسياً- أنها كانت وراء خلق الأزمة من الأساس، عبر متشددين وأدوات موجودة ضمن مختلف الأطراف السورية؛ لأن التفكير سياسياً يبدأ دائماً بالسؤال نفسه: «من المستفيد؟» ... وهذا السؤال نفسه، ينبغي أن يضع أمامنا احتمالاً واقعياً آخر، هو أن تعمل واشنطن ومن خلفها «إسرائيل» لإفشال الخارطة نفسها التي ظهرت الولايات المتحدة عرابة لصياغتها والتوقيع عليها...
هل ستحل خارطة الطريق الأزمة؟
رغم أن أطرافاً ضمن السويداء أعلنت رفضها لخارطة الطريق المطروحة، فإن النقاش معها ما يزال جارياً وفقاً للمؤشرات المتوفرة، ورغم أن أطرافاً سورية أخرى تحت مسمى «العشائر» قد أطلقت تهديدات تصعيدية مؤخراً تشير إلى عدم رضاها عن الخارطة المطروحة، لكن بكل الأحوال ما يمكن قوله حول التفاصيل الداخلية لهذه الخارطة (أي دون البند 12 وما يشابهه)، أنها تفاصيل تسمح إن طبقت بتهدئة الأمور نسبياً، وبتحسين الأوضاع الإنسانية وحتى السياسية إلى حد ما، ولذا ينبغي الدفع باتجاه تطبيق كل البنود التي تصب في مصلحة سورية والسوريين، في السويداء وخارجها، ولكن الأكيد أيضاً، هو أن هذه الخارطة لن تقدم حلاً نهائياً للأزمة؛ لأن كل أزمة جديدة تظهر على الساحة السورية منذ عقود وحتى الآن، تجري مراكمتها فوق الأزمات السابقة دون حلها حلاً حقيقياً... الحل الحقيقي له طريق واحد هو الحل السياسي الشامل على أساس جوهر القرار 2254، أي بما يسمح بفتح الطريق نحو تغيير جذري شامل للنظام المستمر على حاله من حيث الجوهر منذ عقود طويلة... فما سقط حتى الآن هو السلطة، وليس النظام... هو السلطة وليس طريقة توزيع الثروة وإدارة البلاد، وبناء النظام الجديد هو مسألة أعقد بكثير من مجرد تغيير السلطة، وأول خطوة نحوه هي التوافق بين السوريين عبر المؤتمر الوطني العام.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1244