مرة أخرى: حول 2254 والإرادة الوطنية السورية!

مرة أخرى: حول 2254 والإرادة الوطنية السورية!

استعرضت افتتاحية قاسيون في عددها الماضي، والمعنونة: «كيف وبمَ يبدأ الحوار الجدي؟»، مجموعة بنود أساسية ضمن القرار 2254، تشكل مواد ومواضيع وجدول أعمال الحوار الوطني السوري- السوري المطلوب.

هذه البنود هي التالية:
• التأكيد في البند الأول على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية.
• البنود 5 و6 و7، وقف إطلاق النار بشكل دائم ومستدام.
• البند 8، منع وقمع الأعمال الإرهابية.
• البند 14 المتعلق بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين وتوفير الظروف المواتية لذلك، وإعادة إعمار ما خربته الحرب، على الصعد كافة.
• البند 12 المتعلق بتأمين المساعدات الإنسانية والإفراج عن المحتجزين بشكل تعسفي، لا سيما الأطفال والنساء.
• البند الرابع الذي يقول بتشكيل جسم حكم انتقالي بآلية التوافق بين الأطراف السورية.
• في البند نفسه: العمل لإقرار دستور جديد.
• أيضاً في البند الرابع: انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة.
وهذه البنود كلها، مؤسسةٌ على «وحدة سورية وسلامة سيادتها الإقليمية»، الأمر الذي يؤكد عليه القرار بشكل واضح.
بالنسبة لمواقف الأطراف السورية المختلفة، وخاصة الطرفان المعنيان بعملية التفاوض، أي ممثلو الحكومة السورية من جهة، وممثلو المعارضة (عبر المنصات الثلاث: موسكو، القاهرة، الرياض، المُبينة في القرار)، فإن كلا الطرفين قد أبدى موافقته على القرار 2254، وإنْ بأشكالٍ وصيغ مختلفة من الموافقة؛ على ضفة الحكومة السورية، فقد عبر ممثلها في مجلس الأمن، والذي كان د. بشار الجعفري في حينه، عن شكره للاتحاد الروسي على الصياغة المقدمة، وعلى ضفة المعارضة، فقد عبرت منصة موسكو عن موافقتها ودعمها لهذا القرار في يوم إقراره. ورغم أن الأجزاء من المعارضة المدعومة غربياً كانت قد رفضت القرار لحظة إقراره، إلا أنها عادت وأعربت عن موافقتها عليه، بل وتمسكها به... أي أن الأطراف التمثيلية المفترضة للسوريين، قد وافقت جميعها على القرار، وتعهدت بالعمل لتنفيذه.
وربما أهم من ذلك، (باعتبار أن موضوع التمثيل الشعبي في حالة الأزمة القائمة، هو موضع تساؤل طوال الوقت)، هو أن القرار نفسه يتأسس على حق الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه عبر الحوار والتفاوض، في عملية مملوكة للسوريين ويقودها السوريون، ويؤكد أيضاً على وحدة سورية وسلامتها الإقليمية...

قرار غربي؟ قرار روسي؟

كما عودنا المتشددون من الأطراف السورية، فقد عبروا بشكلٍ مستمر عن اتفاقهم وتقاطعهم في عدد كبير من المواقف الملموسة ضمن الأزمة السورية، وإنْ اتبع كل منهم طريقته وأسلوبه في البحث عن المسوغات والتبريرات.
لعل واحدة من أهم نقاط التقاطع بين المتشددين من الطرفين السوريين، هي:
العمل ضد القرار 2254 بكل شكل ممكن، والبحث عن ذرائع من شتى الأنواع لتبرير ذلك العمل.
في هذا السياق، فقد سمعنا ونسمع بشكلٍ متكرر من متشددين محسوبين على النظام، أنهم ضد القرار 2254 لأنه قرار غربي أمريكي بالدرجة الأولى.
وعلى الضفة المقابلة، نسمع من متشددين في المعارضة أنهم ضد القرار لأنه صياغة روسية، وأنه بالذات من صياغة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف.
لا نعلم من أين يأتي المتشددون بمعلوماتهم الموثوقة حول من صاغ القرار وكيف، ولكن المؤكد بالممارسة العملية، هو أن القرار قد حاز إجماعاً كاملاً من أعضاء مجلس الأمن في حينه...
هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، المرتبط بالضبط بالسياسة الملموسة للأطراف المختلفة، فإن ما بات واضحاً بشكل لا لبس فيه، هو: أن الدول الغربية وعلى رأسها واشنطن، وبغض النظر عن النفاق الكلامي العلني الذي تمارسه، فإنها تقف ضد تطبيق 2254 بكل ما أُوتيت من وسائل، وتتعامل معه بالضبط كما تعاملت مع اتفاقات مينسك حول أوكرانيا، التي عادت لتعلن على لسان أكثر من مسؤول أوروبي أنها لم توافق عليها إلا نفاقاً وتجهيزاً للحرب الجارية الآن...
بالممارسة العملية أيضاً، يظهر أن ما تعمل عليه واشنطن والغرب من ورائها، ليس الحل السياسي في سورية، بل «خطوة مقابل خطوة» و«تغيير سلوك النظام»، بما يحقق لها الأهداف الأساسية التالية:
• إطالة الأزمة إلى أبعد وقت ممكن... وتعميقها.
• إحداث تغيير عميق وتاريخي في اصطفاف سورية على المستوى الإقليمي والدولي، وضمناً محاولة الوصول إلى تطبيع مع الكيان، بأشكال مباشرة أو غير مباشرة، تحت الشعار العام «تغيير سلوك النظام» ... وهو الأمر الذي نص عليه قانون قيصر للعقوبات بشكل واضح، حين حدد أن بين شروط رفع العقوبات: «التعايش السلمي مع دول الجوار» ... والمقصود بالدرجة الأولى هو الكيان الصهيوني.
• استكمال عملية لبرلة سورية وتدمير كل بناها الإنتاجية ضمن وعودٍ بقروض وتسهيلات ورفع عقوبات وغير ذلك، وبما يسهم في تحويل الدمار القائم إلى دمارٍ لا عودة عنه، وبما يضمن تحويل تقسيم الأمر الواقع، إلى تقسيم دائم.

الحل؟

خلال سنوات عديدة ضمن الأزمة السورية، كان هنالك لدى كثيرين أمل أو حلم بأن الوصول إلى حل في سورية لن يتم إلا على أرضية توافق أمريكي روسي.
ما جرى خلال السنوات الماضية، وخاصة مما بعد إقرار قانون قيصر، قد قطع الطريق نهائياً على هذه الأحلام، وبالمقابل، فقد وضع على طاولة العمل المباشر مهمة الخروج من الأزمة دون مشاركة الأمريكي، وبالضد من رغبته إن تطلب الأمر.
وقد وصلنا اليوم، وخاصة بعد أوكرانيا، إلى وضع لم يعد من الممكن فيه الحفاظ على وحدة سورية (وبالأحرى استعادتها)، إلا خلافاً لإرادة الأمريكي ورغماً عنه... وهل هذا الأمر ممكن؟
أولاً: قبل كل شيء هو ضروري، ولا بديل عنه ولا مخرج دونه، والعمل الوطني والثوري الحقيقي ينبغي أن ينطلق من الضرورات لا من الإمكانات.
ثانياً: إنه فعلاً ممكن؛ لأن التوازن الدولي والإقليمي الجديد، وبعد تراجع متواصل لعقدين تقريباً للهيمنة الغربية، بات يسمح بتشكيل كتلة متقاطعة المصالح على المستوى الإقليمي والدولي، تسمح لسورية بالخروج من أزمتها، واستعادة وحدتها عبر تطبيق 2254.
هذه الكتلة تتضمن ثلاثي أستانا والصين ودول عربية أساسية على رأسها مصر والسعودية... هذه الدول كلها ليست فقط صاحبة مصلحة في استقرار سورية وفي إنهاء أزمتها، بل وهي ذاتها مهددة بالفوضى الأمريكية الشاملة الهجينة... ولذا فإن التعاون معها، وتأمين العامل الذاتي الوطني السوري للوصول إلى تنفيذ 2254، بات ضرورة وطنية وجودية من جهة، وفرصة كبرى لعودة سورية إلى الحياة من جهة أخرى...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأربعاء, 11 أيلول/سبتمبر 2024 21:56