افتتاحية قاسيون 1189: كيف وبمَ يبدأ الحوار الجدّي؟
بعد أن اتفق متشددو النظام والمعارضة طوال سنوات بعد 2011 على رفض الحوار، يتفقون الآن، ومنذ عدة سنوات، على الدعوة للحوار؛ ولكن السؤال الأهم هو:
أي حوار، وكيف، وحول ماذا، ومن أجل ماذا؟
أثبتت السنوات الماضية، أن الأطراف المتشددة التي كانت ضد فكرة الحل السياسي من الأساس، وانتقلت بعد ذلك للقبول الرسمي بالحوار، وضمناً القبول بالقرار 2254، (بما في ذلك الإعلانات الرسمية للمعارضة، وأيضاً حضور ممثل الحكومة لجلسة إقرار القرار عام 2015 وتوجيهه الشكر لروسيا على الصياغة التي قدمتها)، نقول:
إن هذه السنوات أثبتت أن دعوات الحوار المتعاقبة، بما في ذلك دعوات عقد مؤتمر وطني، لم تكن حتى الآن أكثر من طريقة للمماطلة والتضليل والتهرب من الاستحقاقات الوطنية اللازمة للخروج من الكارثة، ولإعادة توحيد سورية أرضاً وشعباً، وإخراج القوات الأجنبية منها.
إن بنود القرار 2254 التي يجري تخويف الناس منها من هذا الطرف أو ذاك، هي بنود واضحة تماماً، ومؤسسة على حق الشعب السوري بتقرير مصيره بنفسه دون تدخل خارجي، وبحقه في تحقيق انتقال سياسي بقيادة سورية وملكية سورية.
وهذه البنود نفسها، هي مواد ومواضيع وجدول أعمال الحوار والتفاوض المطلوب، والتي تتضمن فيما تتضمن، (ونوردها هنا دون ترتيب زمني ودون ترتيب في الأهمية، علماً أن ما بين قوسين ضمن البنود هو من تحرير قاسيون):
- التأكيد في البند الأول على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية.
- البنود 5 و6 و7، وقف إطلاق النار بشكل دائم ومستدام.
- البند 8، منع وقمع الأعمال الإرهابية.
- البند 14 المتعلق بالعودة الآمنة والطوعية للاجئين وتوفير الظروف المواتية لذلك، وإعادة إعمار ما خربته الحرب، على الصعد كافة.
- البند 12 المتعلق بتأمين المساعدات الإنسانية والإفراج عن المحتجزين بشكل تعسفي، لا سيما الأطفال والنساء.
- البند الرابع الذي يقول بتشكيل جسم حكم انتقالي بآلية التوافق بين الأطراف السورية، (بما في ذلك التوافق على طبيعته وصلاحياته ووظيفته وشخوصه).
- في البند نفسه: العمل لإقرار دستور جديد، (يلبي تطلعات السوريين ويضع الإطار العام لشكل دولتهم المستقبلي، والعلاقة بين سلطاتها من جهة، وبين السلطات وشعبها).
- أيضاً في البند الرابع: انتخابات ديمقراطية نزيهة وشفافة (تكون نقطة النهاية في المرحلة الانتقالية باتجاه سورية جديدة، موحدة من جديد، أرضاً وشعباً).
إن هذه البنود مجتمعة، هي جدول عمل أي تفاوض/حوار وطني حقيقي، ولذلك، فإن أولئك الذين يتحدثون عن الحوار ويغفلون تطبيق 2254، إنما يوظفون حديثهم عن الحوار في المماطلة وفي إبعاد الحل السياسي... وأسوأ من ذلك، فإنهم ينطلقون من فهم محدد لكلمة «وطني»، بحيث يحصرونه بفئات بعينها، أو اصطفافات سياسية محددة، أو مناطق سورية محددة؛ ما يعني، أن الحوار الذي يدعون إليه، يصب ليس فقط في تأخير الحل وإبعاده، بل وأيضاً في تكريس تقسيم الأمر الواقع.
النوايا الغربية المعادية لتطبيق 2254 كانت واضحة منذ سنوات عديدة، وتم التعبير عنها ابتداء من تبني شعار «تغيير سلوك النظام» ومن ثم «خطوة مقابل خطوة»، ولكنها الآن أصبحت شبه علنية على لسان الدول الأوروبية الثماني المدفوعة أمريكياً، والتي باتت تقول صراحة إنها ترى أن «الحل السياسي وفق 2254 بعيد المنال»، بما يعني أنها ضده بشكلٍ علني هذه المرة.
بكلامٍ آخر، فإن الذريعة التي كان يتذرع بها البعض علانية أو من عبر وسطاء، من أن القرار غربي، قد سقطت بشكلٍ نهائي، وبات واضحاً أن تطبيق هذا القرار يصب بالضبط ضد المصلحة الأمريكية-الصهيونية...
إن توضيح البرامج المطلوبة لسورية المستقبل، ووضعها على طاولة التفاوض المباشر لتنفيذ بنود 2254، هو الباب الوحيد ليس فقط للخروج بسورية من مأساتها، بل وأيضاً لمنع تقسيمها، ولإعادة توحيدها أرضاً وشعباً، بالضد من الإرادة الأمريكية- الصهيونية، وبالاستناد إلى القوى الدولية والإقليمية صاحبة المصلحة في الاستقرار في منطقتنا، وعلى رأسها دول أستانا والصين ودول عربية أساسية، مستهدفةٌ بالفوضى الشاملة الهجينة الأمريكية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1189