ما الجديد في موضوع التسوية السورية- التركية؟
ما يزال موضوع التسوية السورية التركية، موضوعاً أساسياً على جدول أعمال ثلاثي أستانا، على الأقل منذ قمة طهران الثلاثية في تموز 2022. ورغم أن السير صوب التسوية المنشودة قد قطع بالفعل خطوات عديدة، ابتداءً باللقاءات المتكررة على المستوى الأمني، ومن ثم اللقاءات على مستوى وزارتي الدفاع والخارجية والتي عقدت في موسكو، إلا أن الخطوة الأخيرة التي من شأنها تثبيت نقطة اللاعودة، أي اللقاء على المستوى الرئاسي، لم تتحقق بعد.
أسباب التأخر عديدة ومتنوعة؛ بدءاً من تعقيد وتشابك المسائل المطلوب حلها على المستوى الثنائي السوري التركي، ووصولاً إلى التعقيدات القائمة على المستوى الإقليمي، خاصة مما بعد 7 أكتوبر. ولكن الأكيد هو أن المعيق الأساسي للمضي قدماً في التسوية، ليس الظرف الإقليمي ولا درجة تعقيد الملفات الثنائية الواجب حلها؛ فهذه وتلك، من شأنها أن ترفع فرص هذه التسوية وتؤكد ضرورتها لا العكس... المعيق الأساسي فيما يظهر، هم رافضو الحل السياسي من المتشددين ليس فقط على الجانب السوري، ولكن على الجانب التركي أيضاً، وإن كان صاحب دور الإعاقة الأساسي يظهر بشكل أكبر على جانب المتشددين في الداخل السوري؛ ضمن النظام وضمن المعارضة على حدٍّ سواء.
إذا تركنا جانباً المسوغات والتبريرات التي يقدمها المتشددون على اختلاف اصطفافاتهم لتبرير عملهم على إعاقة التسوية، فإن المشترك فيما بينهم، هو استمرارهم في التعويل على دور أساسي لواشنطن خاصة، وللغرب على العموم؛ وفي جوهر هذا التعويل، محاولاتهم الهروب من استحقاقات الحل السياسي وفقاً للقرار 2254، لأنهم يعلمون أن المضي في التسوية حتى النهاية، من شأنه أولاً وقبل كل شيء، تحقيق إضعاف إضافي لوزن وتأثير الولايات المتحدة الأمريكية على الساحة السورية، عبر ردم فالق وثغرة كبرى طالما لعبت الولايات المتحدة عبرها باستخدام طريقتها المعهودة «حرب الجميع ضد الجميع».
لهذا السبب بالذات، فإن المتشددين من الأطراف كلها، ليست لديهم أي رغبة في المضي بالتسوية حتى النهاية، خاصة وأن العقوبات الأمريكية تصبح بلا معنى تقريباً في حال اكتملت التسوية، وتم تدعيمها بترابط اقتصادي مع «الشرق» ككل، عبر تركيا...
أضف إلى ذلك، أن التسوية يمكنها أن تضع الأساس لاستعادة وحدة سورية ولخروج القوات التركية منها، ما يعني وضع مصير القوات الأمريكية في سورية على الطاولة باتجاه خروجها...
هذه الإحداثيات كلها، ورغم أنها إيجابية بالمعنى الوطني العام، إلا أن نخباً سياسية بعينها، ونخباً من تجار الحروب، يرون فيها تهديداً وجودياً، لأن استمرارهم سيكون أمراً مشكوكاً به في حال سارت الأمور حتى النهاية، ليس فيما يتعلق بالتسوية السورية التركية فحسب، بل وأيضاً بما يتعلق بتطبيق 2254 والبدء بعملية التغيير السياسي.
هذه الإحداثيات نفسها، تجعل من تسارع السعي الغربي نحو «خطوة مقابل خطوة» و«تغيير سلوك النظام» مفهوماً أكثر، وضمناً لاورقة الدول الأوروبية الثمانية، التي تتمحور حول فكرة أساسية، هي أن «الحل السياسي وفق 2254 بعيد المنال»!
ا يعني أن العمل ضد التسوية السورية التركية، والعمل لإعاقتها بكل الأشكال الممكنة، بات جزءاً لا يتجزأ من مشروع «خطوة مقابل خطوة»، والذي يَعِد في ظاهره نُخباً ضمن متشددي النظام برفع شيء من العقوبات، وأهم من ذلك، بالقفز فوق أي تغيير سياسي وصولاً إلى تطبيع الأمر الواقع، مقابل تغييرات معينة أكثرها شكلي، ولكن بينها تغيير عميق في التموضع الإقليمي والدولي، ناهيك عن استكمال مشروع الفوضى الهدامة الاقتصادي، المحمول على سياسات ليبرالية متوحشة، كفيلة هي وحدها بأن تكرس الانهيار الحاصل، وبأن تفتح باب التقسيم النهائي للبلاد...
ونقول: إنه يَعِد في ظاهره بهذه الأمور، لأن الأمور في عمقها تبدو بصورة مختلفة تماماً... فالمطلوب أمريكياً هو تكريس تقسيم الأمر الواقع وتعميقه، وتكريس الانهيار الحاصل على المستويات كلها ضمن سورية، كجزء من الفوضى الشاملة الهجينة في المنطقة كاملة... ولذا فإن الأمريكان إذ يعِدون بالوصول إلى نقطة نهاية ما ضمن «خطوة مقابل خطوة»، فإن الحقيقة هي أن نقطة النهاية المطلوبة بالجوهر هي إطالة الوضع القائم؛ لأن استمراره كفيل وحده بالوصول إلى الأهداف الأولى الموضوعة لسورية: أي باتجاه إنهاء أي دور إقليمي لها، ووصولاً إلى إنهائها هي نفسها كوحدة جغرافية سياسية...
ما الجديد في موضوع التسوية؟
ما يمكن ملاحظته خلال الأسبوع الماضي، هو جملة تصريحات جديدة نوعياً بما يخص التسوية السورية التركية، وتحمل دلالات ومؤشرات على اقتراب الوصول إلى اللقاء على المستوى الرئاسي، أي إلى اقتراب الوصول إلى نقطة اللاعودة في التسوية.
بين هذه التصريحات، هنالك تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف الذي قال فيه: «موسكو مهتمة بتطبيع العلاقات بين شركائها في دمشق وأنقرة، ومن الضروري التحضير لاجتماع جديد في مستقبل قريب جداً»، وأضاف: «الحكومة السورية ترى أن السير في عملية التطبيع يتطلب تحديد إجراءات انسحاب القوات التركية من سورية، والأتراك مستعدون لذلك، ولكن لم يتم الاتفاق على معايير محددة حتى الآن».
كذلك هنالك تصريحات الرئيس السوري خلال كلمته في افتتاح الدور التشريعي الرابع لمجلس الشعب، والتي قال فيها: «غير صحيح ما يصرح به بعض المسؤولين الأتراك من وقت إلى آخر بأن سورية قالت: إنْ لم يحصل الانسحاب لن نلتقي مع الأتراك. هذا الكلام بعيد كل البعد عن الواقع».
يمكن أن نفهم من هذين التصريحين، إضافة إلى جملة تصريحات تركية في السياق نفسه، أن عمليات التحضير للقاء على المستوى الرئاسي، ربما باتت في مراحلها الأخيرة، خاصة وأن موضوع انسحاب القوات التركية من الأراضي السورية، كان يبدو سابقاً بوصفه الشرط المسبق الذي لا يمكن السير باتجاه التسوية دون تحقيقه، في حين يبدو الآن أن العمل يتجه نحو خطة مجدولة، متكاملة ومتوازية، تتضمن سحب القوات التركية، والسير بالتوازي بالعملية السياسية السورية على أساس 2254 باتجاه إعادة توحيد سورية...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1190