افتتاحية قاسيون 1190: تأثير التسوية السورية التركية على الحل السياسي؟

افتتاحية قاسيون 1190: تأثير التسوية السورية التركية على الحل السياسي؟

تشير التصريحات الرسمية السورية والتركية والروسية خلال الأسبوع الماضي، بما يخص التسوية السورية التركية، والتي جاءت على لسان الرئيس السوري ووزير الخارجية الروسي، ومسؤولين أتراك، إلى أن الخطوات المتدرجة في الوصول إلى التسوية، والتي امتدت لأكثر من عامين ابتداءً من قمة طهران لثلاثي أستانا في تموز 2022، قد قاربت الوصول إلى نقطة لاعودة، تتمثل بلقاء على مستوى الرؤساء، والذي لن يكون- بطبيعة الحال- ختام المسألة، ولكنه سيشكل أرضية التوافق التي سيليها التنفيذ العملي لخطوات ذلك التوافق.

إن أهمية تسوية سورية تركية برعايةٍ من أستانا، هي أهمية كبيرة لكلا البلدين، وهي خطوة كبرى باتجاه حل الأزمة السورية على أساس تطبيق القرار 2254 كاملاً؛ وهذه الأهمية، هي ما يفسر التأخر في تحقيق التسوية حتى الآن، رغم كل ما بذل من جهود للوصول إليها، ويفسر أيضاً حجم الإعاقة التي تلقتها وما تزال تتلقاها، من القوى الغربية، ومعها قوى التشدد في كل من النظام والمعارضة من جهة، وحتى من القوى شديدة الارتباط بواشنطن ضمن تركيا من جهة ثانية.

إن أهمية هذه التسوية وتأثيرها اللاحق على الحل السياسي في سورية، تتلخص في مجموعة من النقاط الأساسية، بينها:

أولاً: حصول هذه التسوية، سيعني إخراج تركيا نهائياً من «المجموعة المصغرة الغربية» بقيادة واشنطن، ما يعني ضمناً، إتمام مراسم دفن هذه المجموعة، التي كانت وما تزال مهمتها الأساسية: منع حل الأزمة السورية وإطالة أمدها.

ثانياً: ستتضمن التسوية بكل تأكيد، انسحاب القوات التركية من سورية، ضمن آجال زمنية معينة، بالتوازي مع خطوات يتم الاتفاق عليها بما يخص الحل السياسي وعودة اللاجئين وغيرها من القضايا؛ ما يعني أنها ستؤدي في نهاية المطاف إلى خروج القوات التركية، ليتحول هذا الخروج إلى فاتحة لخروج بقية القوات الأجنبية، وبالدرجة الأولى: القوات الأمريكية من الشمال الشرقي.

ثالثاً: ستسمح التسوية بكسر الحصار الغربي على سورية، وبكسر العقوبات الغربية اللانهائية، والتي من غير المتوقع رفعها، أياً يكن السيناريو الذي سيحصل؛ (على الأقل هذا ما يمكن تعلمه من تجارب العقوبات الأمريكية طوال القرن العشرين، والتي شملت ما يصل إلى 60 بلداً). وعبر كسر العقوبات والحصار، سيتراجع وزن واشنطن ضمن سورية، وهو المتراجع أصلاً، وبما يكفي لحل الأزمة وتطبيق القرار 2254 دون مشاركتها، ورغماً عنها إن تطلب الأمر.

رابعاً: ستوجه التسوية ضربة قاسية لمشاريع «خطوة مقابل خطوة» الأمريكية من حيث الأساس، والتي تهدف إلى «تغيير سلوك النظام» بمعنى إزاحة سورية من تموضعها الإقليمي والدولي التاريخي بما يخدم الكيان الصهيوني، وبمعنى إطالة تقسيم الأمر الواقع وتكريسه، عملاً بمقولة جيمس جيفري بتحويل سورية إلى «مستنقع»، وبأن «الجمود هو الاستقرار».

خامساً: تخفيض الوزن الأمريكي والغربي عموماً في سورية، وانفتاح آفاق التعاون مع الشرق الصاعد، وعبر حدودنا مع تركيا التي تتجاوز 900 كم، يعني فتح الباب أمام إيقاف العمل بوصفات صندوق النقد والبنك الدوليين التخريبية، التي يجري تطبيقها منذ سنوات في البلاد، ويعني أيضاً فتح الباب أمام نموذج اقتصادي جديد بعيد عن التبعية الاقتصادية، وقائم على الإنتاجية العالية، وعلى شكلٍ جديد جذرياً في توزيع الثروة.

 

من نافل القول: إن هذه النتائج الإيجابية وغيرها، لن تتحقق بشكل أوتوماتيكي بمجرد حصول التسوية السورية التركية، ولكنها تحتاج نضالاً وطنياً وشعبياً واسعاً، بما في ذلك نهوض جديد للحركة الشعبية في سورية، ولكن الأكيد، هو أن هذه التسوية، يمكنها أن تؤمن ظروفاً أفضل وأكثر ملاءمة ليس لنهوض الموجة الجديدة فحسب، بل وأيضاً لنهوضها ضمن سورية موحدة أرضاً وشعباً، وبعيداً عن التلاعب الغربي فيها؛ الأمر الذي سيرفع من احتمالات نجاحها بشكلٍ كبيرٍ...

(English Version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1190
آخر تعديل على الأحد, 01 أيلول/سبتمبر 2024 20:05