افتتاحية قاسيون 1180: أيّ حوارٍ وأيّ حلٍ يُريده السوريون؟
توحي النظرة السطحية إلى واقع الأمور في سورية، أنّ هنالك حالةً من الركود المستمر والمتفاقم ومن «الهدوء النسبي»، ولكن جوهر الوضع أبعد ما يكون عن الهدوء أو الركود؛ على العكس من ذلك، فإنّ هنالك حركةً نشطةً متجددة ما تزال في بدايات صعودها الجديد، لكنها حيّةٌ وزاخرة بالطاقة، وفي كل مناطق سورية بالتوازي.
جوهر هذه الحركة، هو أنّه مع استطالة عمر الأزمة، تتبلور مسألتان أساسيتان بشكلٍ أكثر وضوحاً، الأولى: هي الانفكاك المتعاظم لعموم الناس عن القوى التي تصدرت المشهد طوال السنوات الماضية، وفقدها لأي ثقةٍ متبقية في قدرة أو رغبة هذه القوى في إخراج البلاد وأهلها من الكارثة. الثانية: هي عملية البحث الدؤوب التي يقوم بها السوريون في كل مناطق وجودهم عن الحل وعن المخرج، واستناداً بالذات إلى فكرة أنه لن يكون هنالك غالبٌ بين الأطراف المتصدرة لمشهد الصراع، وأنّ المخرج ينبغي أن يستند ليس فقط إلى القرار 2254 ببنوده ومكوناته الأساسية (من جسم حكم انتقالي ودستور وانتخابات وإعادة إعمار وإعادة توحيد للبلاد...)، ولكن أيضاً إلى حوارٍ حقيقي يُنتج تصوراً مشتركاً عن الملامح العامة لسورية المستقبل.
الحوار الذي يحتاجه السوريون ليس شكلاً من أشكال ملء الفراغ الحقيقي ببدائل وهمية وظيفتها تطويق فكرة الحوار وتحويله إلى أداةٍ في احتواء الآخرين، وإنما هو حوارٌ يفتح باباً حقيقياً لاستعادة الشعب السوري لحقه في تقرير مصيره في مختلف قضاياه، وبغض النظر عن المصالح الضيقة لأطراف الصراع الثانوي وقواه المتصدرة.
وإذا كانت أسس الحوار بمعظمها هي موضع اتفاق عامٍ، على الأقل اتفاقٍ لفظي (نقصد مسائل وحدة سورية وسيادتها الإقليمية ونبذ الطائفية والعنف وإلخ)، فإنّ أدواته وآلياته، وأهم من ذلك، آليات تنفيذ مخرجاته، ما تزال غير متبلورة بالقدر العملي الكافي.
ما يمكن العمل عليه في هذه الفترة، وما يجب العمل عليه، هو توجيه الأنظار للجهود التي يبذلها سوريون «عاديون»، من خارج الأطر الرسمية بمختلف مسمياتها، لتوحيد جهودهم، ولصياغة مبادراتهم الهادفة في نهاية المطاف إلى انتزاع زمام المبادرة السياسية في توجيه البلاد نحو الحل.
ينبغي دعم هذه الجهود والاشتراك فيها بشكلٍ فاعل، ويجب أن تتم إدارتها بصدر رحبٍ وبمسؤولية عالية، من جانب المبادرين والمشاركين، ومع استبعاد لكل أشكال التعالي والتكبر التي طغت في كثير من الأحيان، ودمرت جهوداً سابقة.
إنّ صاحب المصلحة الأولى في إنهاء الأزمة بأسرع وقت ممكن، هو المتضرر الأول منها، أي عموم الشعب السوري، أي 90% من السوريين المنهوبين والمفقرين، والذين دفعوا هم بالذات فواتير الأزمة، وما يزالون يدفعون. في حين إنّ «نخب» القوى المسيطرة بمختلف اصطفافاتها، لا تظهر أي اهتمامٍ بإنهاء الأزمة، بل وتستفيد من استمرارها وتعمقها.
لذلك كلّه، فإنّ حواراً حقيقياً يدفع باتجاه الحل، وباتجاه تنفيذ فعلي للقرار 2254، ينبغي أن يستند في آنٍ معاً إلى تنظيم الضغط الشعبي على مختلف المستويات، وتجميع قواه، وإلى تجميع القوى الوطنية الراغبة في إنهاء الكارثة، وبغض النظر عن الاصطفافات الشكلية القائمة...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1180