افتتاحية قاسيون 1152: الطوفان يقرّب الحل السوري

افتتاحية قاسيون 1152: الطوفان يقرّب الحل السوري

احتل طوفان الأقصى، وما تلاه من عدوان صهيوني مستمر حتى اللحظة، كامل مساحة الاهتمام السياسي والإعلامي في منطقتنا، وإلى حد ما في العالم بأسره، طوال أكثر من شهرين. وهو أمرٌ متوقعٌ لما يحمله هذا الملف من أهمية كبرى، ومن تأثيرات على مجمل الملفات المحلية والإقليمية والدولية.

ورغم أنّ الطوفان قد جمّد مؤقتاً كلّ الملفات التي كانت على الطاولة، بما فيها الملفات المتعلقة بسورية، إلا أنّه في الوقت نفسه أعاد ترتيبها وترتيب إحداثياتها باتجاه أكثر إيجابية، وأكثر قابلية للحلول الفعلية.

فما جرى ويجري خلال الشهرين الماضيين، قد بدأ بإفراز نتائج مباشرة على الوزن الأمريكي- الصهيوني في كامل المنطقة، وباتجاه تخفيض هذا الوزن، وتخفيض قدرة الأمريكان على التعطيل والتخريب، وهو الاتجاه الذي سيتثبت بشكل أكبر مع تقدم المعركة.

بالنسبة لسورية، فليس خافياً على أحدٍ، أنّ مشروعين كبيرين يتصارعان على أرضها؛ مشروع يدفع باتجاه تطبيقٍ فعلي للحل السياسي عبر القرار 2254 وضمناً نحو إعادة توحيد سورية أرضاً وشعباً، وإخراج القوى الأجنبية منها، وهو المشروع الذي يصب في مصلحة أستانا والصين ودول عربية أساسية، والذي باتت التسوية السورية التركية بابه الأساسي لما لها من أهمية في كسر الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية على سورية. ومن المفيد في هذا السياق الإشارة إلى ما قاله المبعوث الروسي الخاص لسورية ألكسندر يفيموف في حوار أجرته معه صحيفة الوطن السورية منذ أيام، حيث أكد أنّ: «إعادة العلاقات بين دمشق وأنقرة أحد العوامل المهمة في التسوية السورية، ونحن مقتنعون أن استئناف علاقات حسن الجوار التي تقوم بطبيعة الحال على احترام سيادة سورية وسلامة أراضيها، لن يكون له تأثير إيجابي في الوضع في سورية فحسب، بل سيسهم أيضاً في التحسن الشامل للوضع في المنطقة كلها». وبالتوازي مع هذا التصريح، من المفيد أيضاً النظر إلى تصريح المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسن يوم الأحد 10 من الجاري، والذي قال فيه: «من أجل التسوية في سورية، يجب طرح عدد من القضايا، من بينها: مسألة انسحاب القوات التركية والأمريكية، ومسألة الوحدات الكردية والعقوبات»، وهو التصريح الذي يعني ضمناً، أنّ أفق حلٍ مستدام قد بدأ بالانفتاح جدياً، وعلى أساس الإحداثيات الجديدة في المنطقة.

المشروع الثاني المقابل، هو المشروع الأمريكي- الصهيوني، الذي يتنكر تحت شعار «خطوة مقابل خطوة»، ويقوده الأمريكان من خلف الكواليس بالتعاون مع رافضي الحل السياسي من الأطراف السورية، ويهدف إلى تكريس تقسيم الأمر الواقع، ومنع أي تغيير يصب في مصلحة السوريين، وإطالة الأزمة، والوصول بسورية إلى حالةٍ من التقسيم الدائم، بالتوازي مع دفعها نحو تطبيع مع الصهيوني.

طوفان الأقصى، ورغم أنّ نتائجه النهائية لم تتبلور بعد بشكلها الكامل، إلا أنه أفرز حتى الآن نتائج مهمة في إطار الصراع ضمن سورية؛ فهو قد خفّض وزن الأمريكان وشركائهم، وزاد من التقارب بين أستانا ودول عربية أساسية، وبالتالي عزز من فرص الذهاب نحو الحل السياسي دون الغرب وبالرغم عنه، وعلى أساس التطبيق الكامل للقرار 2254.

بكلامٍ آخر، فإنّ الملفات التي كانت موضوعة على الطاولة السورية قبل الطوفان، كان من الممكن أن تسير بضع خطوات شكلية خلال الشهرين الماضيين، لكنها كانت ستبقى خطوات غير مكتملة وقابلة للتخريب. بالمقابل، ورغم التجميد الشكلي للخطوات باتجاه الحل خلال الفترة الماضية، إلا أنّ إمكانيات السير الفعلي بخطوات ثابتة نحو الخلاص، قد ازدادت بعد الطوفان.

هنالك الآن مؤشرات أولية، أنّ مجموعة أستانا ستعود إلى مواصلة عملها من النقطة التي توقفت عندها قبل شهرين، بما في ذلك العمل على التسوية السورية التركية. وهذه المؤشرات حتى وإنْ لم تتبلور بسرعة كبيرة، إلا أنّ احتمال تبلورها بشكلٍ لا عودة فيه، باتت أكثر جديةً... ولذا لا ينبغي أن يستغرب أحد أنّ الملف السوري سيعود إلى الطاولة في وقت قريب، وعبر أستانا، وضمن الاتجاه المطلوب، أي نحو التسوية السورية التركية، ونحو تطبيق 2254 كاملاً.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152
آخر تعديل على الإثنين, 11 كانون1/ديسمبر 2023 16:14