«إغراق الأنفاق».. هل هو أمرٌ ممكن فيزيائياً؟ وما هو الهدف الحقيقي من «الخطة»؟

«إغراق الأنفاق».. هل هو أمرٌ ممكن فيزيائياً؟ وما هو الهدف الحقيقي من «الخطة»؟

نشرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية الأسبوع الماضي مقالاً قالت فيه: إنّ «إسرائيل» تقيّم خطةً لإغراق الأنفاق في غزة باستخدام مياه البحر، وعبر نظامٍ من المضخات العملاقة، بهدف «القضاء على حماس».

وابتداءً من لحظة نشر المقال، امتلأ الفضاء الإعلامي والسياسي بالتحليلات والتصريحات المتعلقة بهذه الخطة المفترضة، لما يمكن أن يترتب عليها من نتائج طويلة الأمد.
في هذه المادة، نحاول فهم الأهداف الحقيقية وراء خطة «إغراق الأنفاق بمياه البحر»، ابتداءً بنقاش الأهداف المعلنة صهيونياً، ومدى واقعيتها.

هل «إغراق الأنفاق» أمرٌ ممكن؟

يدّعي الكيان أنه يمكن أن يستخدم وسيلة ضخ مياه البحر المالحة في الأنفاق بغرض القضاء على حماس، أو إجبار عناصرها على الخروج من الأنفاق. ولكنّ مجموعة كبيرة من العوائق تقف في وجه هذا الكلام النظري.

أولاً: أقل التقديرات، تقول: إنّ شبكة الأنفاق في غزة تمتد بطولٍ لا يقل عن 500 كم، وأنّ أقلّ الأنفاق حجماً، هي أنفاق بارتفاع مترين وعرض مترين، مع وجود أنفاق وحجرات أكبر وأوسع، ما يعني بالمحصلة أحجاماً ضخمة.
ثانياً: شبكات الأنفاق في غزة، كما هو معروف منذ سنوات عديدة، ليست متصلة ببعضها البعض بشكلٍ كامل، بل هي مجموعة شبكات متنوعة، ولها استخدامات متنوعة وأعماق متنوعة، وبعض مرتبط ببعضه، وأغلبها منفصل، ولذا فإنّ تقديم صورة افتراضية عن أنّ «الإسرائيلي» عليه أن يجد مدخل نفقٍ ويضع فيه مضخات المياه وبالتالي يغرق الأنفاق، هي صورة كاريكاتيرية لا علاقة لها بالواقع.

ثالثاً: أجهزة الضخ العملاقة التي يتحدث عنها «الإسرائيليون»، ستكون مجبرة- لكي تنفذ المهمة المفترضة- أن تقف على أرض غزة. وهي ليست أكثر تحصيناً من الميركافا والنمر، ولذا فإنّ تأمينها ومنع استهدافها، هو تعقيد إضافي أمام المهمة المفترضة.
رابعاً: الأنفاق في غزة ليست «صناديق معدنية»، كي تحتفظ بكل قطرة ماء تدخل إليها؛ فمن جهة، أرضية الأنفاق ترابية ودرجة امتصاصيته عالية بحكم الطبيعة الرملية في معظم القطاع لقربه من البحر، ومن جهة ثانية فإنّ الأنفاق تحتوي على أنظمة تصريف وتهوية. وكي يكون الأمر أوضح فيزيائياً، فإنّ كميات الأمطار التي يمكن أن تهطل فوق غزة سنوياً هي أكبر من أي أرقامٍ يجري الحديث الافتراضي عن ضخها في الأنفاق ضمن الخطة «الإسرائيلية». ولولا أنّ الأنفاق مجهزة أساساً للتعامل مع كميات مياه الأمطار بما فيها في أغزر حالاتها، لكانت غرقت منذ زمنٍ بعيد.

خامساً: هنالك أيضاً معضلة سياسية أمام الكيان في مخططه هذا؛ فهو من جهة يواصل القول: إنّ هدفه هو على التوازي (القضاء على حماس، وتحرير الأسرى)، ولكن في الوقت نفسه يقول: إنه سيغرق الأنفاق لتحقيق هذا الهدف! وبمجرد أن ظهر الكلام عن خطة إغراق الأنفاق، غرقت الصحافة والإعلام «الإسرائيلي» والعالمي، بالسؤال البسيط التالي: الأسرى موجودون حكماً في الأنفاق، على الأقل هنالك جزء كبير منهم في الأنفاق، وبالتالي، فإنّ إغراق الأنفاق يعني حكماً بالإعدام على الأسرى الذين يقول جيش الاحتلال إنه يريد تحريرهم!
سادساً: وفقاً للقانون الدولي، والقانون الدولي الإنساني، فإنّ تنفيذ الكيان لهذه الخطة، هو جريمة حرب موصوفة، وجريمة ضد الإنسانية. من الصحيح أنّ الكيان الصهيوني لا يرتدع بالقانون الدولي ولا يلتزم به، ولم يسبق أن التزم به في يومٍ من الأيام، ولكن مع ذلك، فإنّ القيام بجرائم حرب موصوفة وجرائم ضد الإنسانية بشكل علني، من شأنه أن يعزز الخسارة الصهيونية على مستوى الرأي العام الدولي، وأن يزيد من حرج وصعوبة الموقف الدبلوماسي للكيان. ما يعني تعقيدات وصعوبات إضافية.

الأهداف الحقيقية

كل ما سبق، يدلّ بشكل واضحٍ على أنّ الحديث الصهيوني عن «القضاء على حماس» أو «تحرير الأسرى»، من خلال «ضخ مياه البحر في الأنفاق»، ليس إلا كذباً واحتيالاً، واحتمالات تحقيق هذه الأهداف بهذه الطريقة هي احتمالات صفرية عملياً، ناهيك عن الخسائر المترتبة على الكيان نفسه. ولذا، ينبغي أن نحاول البحث عن الغايات الحقيقية وراء هكذا مخطط، في حال بدأ الكيان بتنفيذه فعلياً.
أولاً: مجرد الحديث عن إغراق الأنفاق بمياه البحر المالحة، وفي حال لم يتم الشروع في التنفيذ، يمكن إدراجه في إطار الحرب الإعلامية- النفسية على أهل غزة، عبر محاولة إقناعهم بأنّ لدى «إسرائيل»، الحل السحري الذي سيقضي على حماس وعلى المقاومة ككل، وبالتالي محاولة كسر إرادة الغزاويين والفلسطينيين عموماً، لدفعهم نحو الامتثال لدعوات التهجير.

ثانياً: بعد عمليات التدمير واسعة النطاق لكل البنى التحتية في غزة، بما في ذلك المدارس والمشافي والمساكن وتجهيزات توليد الطاقة ونقلها، وتجهيزات الاتصالات، وشبكات المياه وشبكات الصرف الصحي، فإنّ ضخ المياه المالحة بكميات كبيرة تحت غزة، يعني إضافة كارثتين من النوع طويل الأمد، وغير القابل للإصلاح؛ فكل عمليات التدمير حتى الآن، ورغم فداحتها وفظاعتها ووحشيتها، قابلة لإعادة الإعمار، رغم أنّ ذلك سيستغرق وقتاً غير قصير، وسيتطلب استثمارات ضخمة. مع ذلك، فعملية إعادة الإعمار ما تزال ممكنة. ولكن حين يجري ضخ المياه المالحة بكميات ضخمة تحت غزة، فهذا يعني: أ- تخريب مخزون المياه الجوفية الحلوة بشكلٍ لا يمكن إصلاحه إلا بعد عشرات وربما مئات السنين. ب- تخريب الإمكانيات الزراعية في غزة، والتي هي بالأساس إمكانيات متواضعة نتيجة التضييق المستمر والحصار المستمر الذي يمارسه الاحتلال. ج- تغيير طبيعة التربة بشكل جذري بحيث تصبح إمكانيات البناء عليها، وإمكانيات تزويدها بالبنية التحتية المدنية، أمراً شديد الصعوبة.

ثالثاً: إذا ما تم تنفيذ هذه الجريمة على نطاقٍ واسع ضمن غزة، أي جريمة ضخ المياه المالحة، فإنّ هذا سيجعل تحقيق هدف تهجير أهل القطاع بشكل نهائي وكامل، أمراً أكثر قابلية للتحقيق؛ فحين يصبح القطاع غير قابل للحياة بأي صورة من الصور، يتحول الحديث عن التهجير، بحكم الأمر الواقع، من جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية وجريمة إبادة جماعية، إلى «حلٍ إنساني» للمتبقين!
وإذاً، فإنّ وضع هدف «القضاء على حماس» و«تحرير الأسرى»، ليس إلا ذراً للرماد في العيون، وتغطية على الهدف الحقيقي من وراء هكذا جريمة فظيعة يسعى الاحتلال لارتكابها؛ فالهدف الحقيقي المتوهم، ما يزال هو نفسه: تهجير كل أهل القطاع باتجاه مصر أو غيرها، وبشكلٍ نهائي.

ونقول: إنّه هدف متوهم، لأنّ دونه صعوبات كبرى، بينها قدرات المقاومة الفلسطينية على توزيع المثلثات الحمراء فوق رؤوس الصهاينة ومعداتهم، وبينها الرأي العام العالمي، وبينها احتمالات توسيع الجبهة التي تزداد بشكل يومي، وتصبح أقرب فأقرب للتحقق العملي، والتي ستكون أمراً لا مفر منه في حال مضى الصهيوني خطوات واضحة في طريق التهجير النهائي بشكل فعلي...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1152
آخر تعديل على الجمعة, 05 كانون2/يناير 2024 21:09