كيف دافع «طوفان الأقصى» عن وحدة سورية؟

في الأشهر القليلة التي سبقت الطوفان، كانت مجموعة من الهلوسات تسود التعاطي الإعلامي- السياسي الغربي مع سورية، وكانت هذه الهلوسات متمحورةً حول العناوين التالية:
واشنطن ستقوم بإغلاق الحدود السورية العراقية.
واشنطن ستقوم بتشكيل حزامٍ ناريٍ ناسفٍ يمتد من الجنوب السوري إلى التنف إلى الشمال الشرقي إلى الشمال الغربي. وسيتم استخدام مناطق حظر جوي، وتشكيل إدارات مناطقية، وتدريب قوات على يد الأمريكي وإلخ..
الإمارات تلعب دور وسيطٍ في «صفقة كبرى» يجري تحضيرها، هي ذاتها ما يسمى «خطوة مقابل خطوة» التي تشكل الاسم الكودي- الشيفرة لاتفاقات أبراهام في الحالة السورية. وجوهرها هو منع تنفيذ 2254 وعوضاً عنه «تطبيع» الوضع في سورية ضمن تقسيمات الأمر الواقع القائمة بوصفها «الحالة الأمثل»، والتي ينبغي استكمالها بسلامٍ «إقليمي»! وليس سراً معنى «إقليمي» في هذا السياق.
الأمريكي سيضمن لتجار الحروب من السوريين من كل الأطراف بقاءهم وتسيدهم، وسيحميهم عبر منع الحل ومنع الانتقال السياسي، وسيقتطع لكلٍ منهم إقطاعته من الخريطة السورية، سواء على أسس شكلية سياسية، أو طائفية، أو قومية، أو عشائرية.
واشنطن تضرب مسار أستانا عبر منع تسوية سورية تركية، وتبقي عنق سورية والسوريين في يدها عبر العقوبات والحصار، وعبر أمراء الحرب.
السعودية سيجري جرها نحو التطبيع مع الصهيوني بالترغيب والترهيب، وسيجري دفعها لطي صفحة التسوية مع إيران وعودةً إلى الصراع، وهذا كله سيجعلها جزءاً من المخطط الأمريكي في سورية.
سيجري إضعاف وطرد الإيراني، وإضعاف الروسي تمهيداً لطرده.
جرى الاتفاق على خط بديلٍ بالكامل عن الحزام والطريق الصيني، يبدأ من الهند ويمر بالسعودية ثم بفلسطين المحتلة ثم إلى المتوسط فأوروبا، وهذا الطريق سيؤدي إلى طرد الصين من المنطقة، وضمناً سيجعل إعادة الإعمار في سورية محصورة بالجانب الغربي. هكذا ببساطة، بمجرد أن تمسك خريطة وقلماً وترسم عليها خطاً، ستنهار المشاريع المبنية بالإسمنت والحديد والتكنولوجيا طوال عشر سنوات متواصلة منذ 2013 وبتكاليف من رتبة عشرات مليارات الدولارات. مجرد خط مرسوم على خريطة، يحتاج إذا صح الاتفاق عليه إلى ما لا يقل عن 10 سنوات ليتم تنفيذه، وفوق ذلك فجدواه الاقتصادية النظرية هي أقل بكثير من جدوى الطرق البرية التي جرى إنشاؤها بالفعل... بالمختصر، وكما بدأنا هذه النقاط: هلوسات، بل وبيعٌ للوهم.
كنا قد قلنا في حينه: إنّ هذا كلّه ليس أكثر من أضغاث أحلام؛ فالأمريكي ومعه الصهيوني بشكل مباشر، أو عبر الإمارات وأشباهها، ومعهم تجار الحرب ورافضو الحل من السوريين، كل هؤلاء أعجز من أن يمرروا ما يريدون. وموازين القوى محلياً وإقليمياً ودولياً، هي بالضد تماماً مما يريده الأمريكي... أقصى ما كان يمكن للأمريكي فعله حينها، ليس تنفيذ المشاريع الخلبية التي يتحدث عنها بالسر والعلن، بل تأخير وعرقلة مشاريع الآخرين، وبالدرجة الأولى مشروع أستانا المتمثل بتطبيق كامل لـ2254 بمحورين متوازيين، تسوية سورية تركية تؤدي في نهاية المطاف لخروج القوات التركية من سورية، وتسوية سورية سورية داخلية عبر 2254 تؤدي إلى مرحلة انتقالية، وإلى تغيير يعيد توحيد سورية وشعبها.
قبل 7 أكتوبر، كان لا يزال من الممكن لأصحاب المشروع الأمريكي الصهيوني، ولمن يظنون أنه يخدم مصالحهم، أن يحلموا بتحقيق ذلك المشروع، وكان لا يزال بإمكانهم أن يستخدموا آلتهم الإعلامية الضخمة في محاولة إقناع قسمٍ من الناس بأنه قدرٌ لا راد له... وهذا كلّه جرى نسفه في 7 أكتوبر.
الضربة التي تلقاها الصهيوني في الطوفان، أصابت الأمريكي بالدرجة الأولى قبل حتى أن تصيب الصهيوني. وهذه الضربة ترتب عليها بشكل مباشر عدد كبير من النتائج بما يخص سورية نفسها:
أولاً: «اتفاقات أبراهام» باتت بحكم المنتهية، وهذا يعني ضمناً تراجعاً حاداً في أدوار المتصهينين، وخاصة في الإمارات، على المستوى العام، وفي سورية ضمناً.
ثانياً: حتى «كامب ديفيد»، وبغض النظر عن موقف وآراء التيارات المختلفة ضمن السلطات المصرية، فهي الأخرى باتت على طاولة البحث مجدداً، ومعها بطبيعة الحال «وادي عربة»، ما يعني تراجعاً ضمنياً للصف الثاني في «الخطوة مقابل خطوة» الذي كان يصدر الإمارات باعتبارها وجه القباحة.
ثالثاً: الوجود الأمريكي- ناهيك عن التوسع والحزام الناري والمشاريع والمناطق العازلة وإلخ- في سورية والعراق، بات تحت تهديد أشد من أيّ وقت مضى. بل ويمكن القول: إنّ مقررات قمة أستانا التي عقدت في طهران قبل عامٍ من الآن، قد باتت الآن موضع التنفيذ العملي والكامل، وعلى رأسها طرد الأمريكي من المنطقة.
رابعاً: أثبت الأمريكي ومعه الأوروبي– مع أنهما لم يكونا بحاجة لإثبات شيء- أنهما منحازان بشكل كامل ضد مجمل شعوب المنطقة، وأنهما لا يمكن أن ينفعا لا وسيطاً ولا راعياً لأي عملية تدفع نحو السلام والاستقرار، لا داخل دولة بعينها ولا بين الدول. ولذا بتنا أقرب عدة خطوات من تنفيذ 2254 رغماً عن الأمريكي والغربي عموماً، ودون اشتراكه.
خامساً: كل مخططات تقسيم سورية بشكلٍ نهائي، عبر أحزمة ناسفة أمريكية وعبر غيرها من الأدوات، باتت في حكم الماضي.
بالمحصلة، وعلى عكس ما تروج له الأنظمة من «أفضالها» على الشعب الفلسطيني وعلى مقاومته، فإنّ الحقيقة هي أنّ الشعب الفلسطيني ومقاومته، هو صاحب فضلٍ كبيرٍ على كل شعوب ودول المنطقة، لأنّه يحارب على المتراس الأول ضد كل مشاريع التقسيم والتخريب الأمريكية الصهيونية... يحارب وينتصر، ويهدينا الانتصار الذي لن يكتمل دون أن نعتنقه ونستكمله باتجاه استعادة قرارنا وقوتنا ووحدتنا وإرادتنا، وعبر تغيير سياسي جذريٍ يضع سورية في موضعها الطبيعي من الصراع، الذي يجب أن تكون فيه...