افتتاحية قاسيون 1123: ماذا بعد القمة العربية؟

افتتاحية قاسيون 1123: ماذا بعد القمة العربية؟

تنشغل الأوساط السياسية والإعلامية والشعبية السورية بمحاولة قراءة معاني المشاركة الرسمية لسورية في القمة العربية في جدة يوم الجمعة 19 من الجاري، بعد تجميد عضويتها في الجامعة لمدة 12 سنة.

الأمر الذي ينبغي ألا يستدعي أيّ استغراب هو الاتفاق في القراءة بين متشددي النظام ومتشددي المعارضة؛ فكلاهما عبّر بطريقة أو بأخرى، بأشكال رسمية وشبه رسمية، عن أنّ هذا الحضور يعني دفناً للحل السياسي وللقرار 2254 خصوصاً، وهذا يعكس في جوهره الموقف الضمني الموحد لكل المتشددين في معاداتهم للحل السياسي.

هنالك أربعة محاور أساسية يمكن من خلالها فهم عودة سورية للجامعة العربية، والحضور الرسمي السوري للقمة العربية، والنتائج اللاحقة التي يمكن أن تبنى على ذلك...

أولاً: إنّ قرار تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية قد جاء أساساً ضمن مرحلة لم تكن قد تبلورت فيها توازنات القوى الدولية بالشكل الذي هي عليه اليوم، وكانت الجامعة العربية في حينه أقرب في مواقفها إلى الغرب، ولعل الموقف الخاص بليبيا هو أحد أوضح مؤشرات ذلك.

ثانياً: بمرور عقد وأكثر، بات واضحاً أمام الدول العربية بأسرها، والأساسية منها خاصة، أنّها تعيش الحكاية الشعبية التي منتهاها: «أُكلت يوم أكل الثور الأبيض». بكلامٍ أوضح، فإنّ هذه الدول باتت متيقنة (وخاصة السعودية ومصر) من أنّها هي نفسها مستهدفة غربياً بالتفتيت والتدمير في سياق العمل الأمريكي الصهيوني، الهادف إلى منع التحول العالمي والحفاظ على الهيمنة ونظام القطب الواحد... أي أنّ إعادة سورية إلى الجامعة العربية، بالنسبة إلى عدد مهم من الدول العربية الأساسية، هي إحدى خطوات الدفاع عن الأمن القومي والجيوستراتيجي لهذه الدول ضد الاستهداف الغربي... وهذا ما بدا واضحاً عبر السعي المتزامن للوصول إلى هدف تصفير الصراعات الإقليمية مع كل من تركيا وإيران، وبالضد من الرغبة الغربية.

ثالثاً: تَمثل الانقسام الدولي حول سورية لفترة غير قصيرة بالتناقض بين مجموعتين، هما: مجموعة أستانا، والمجموعة المصغرة الغربية. هذه الأخيرة، كانت تستمد قسماً أساسياً من قدرتها على التأثير في الأوضاع السورية من مسألتين: التوافق مع تركيا (وهذا بات شبه معدوم مع تطور مجموعة أستانا وتطور التناقض التركي الأمريكي)، والتوافق مع دول عربية، بحيث يبدو العمل الغربي وكأنه يأتي في إطار «تفويض عربي» هو استمرار لقرار الجامعة العربية تجميد عضوية سورية عام 2011. الآن، ومع عودة سورية رسمياً إلى الجامعة العربية، ودخول العرب على خط تسوية الأوضاع في سورية، وبوجود التوافقات والتفاهمات مع كل من روسيا وتركيا وإيران، فإنّ المجموعة العربية ستحتل الموقع الذي كانت تحتله المجموعة المصغرة الغربية ولكن هذه المرة ليس في إطار التناقض مع أستانا، ولكن في إطار التعاون معها... ما يعني بالمحصلة مزيداً من الانخفاض في قدرة الغرب على التأثير. وتالياً، ارتفاعاً في حظوظ الحل السياسي الشامل والاستقرار في سورية.

رابعاً: تعليق عضوية سورية في الجامعة العربية، كان يعني ضمنياً سحب الاعتراف بالنظام السوري، وهذا الأمر لم يكن مصادفة، بل كان مقصوداً، والمقصود منه بالضبط ليس التدويل فحسب، بل وإغلاق باب الحل السياسي؛ لأنّ الحل السياسي، منذ بيان جنيف 2012، وحتى القرار 2254، يستند إلى اعترافٍ بكل من النظام والمعارضة وبحوارٍ بينهما، ولذا فإنّ سحب الاعتراف بأي منهما، يعني سحب الاعتراف بالحل السياسي والتسليم للحل العسكري، وهو ما كان مطلوباً غربياً، وكذلك كان مطلوباً من المتشددين في الطرفين، ويصب في مصلحة استمرارهما على حساب اغتيال الحركة الشعبية السورية بالعنف والقمع، ومحاولة تكريس الفوالق الطائفية والقومية والثنائيات الوهمية بمختلف أشكالها.

بالمحصلة، فإنّ عودة سورية إلى الجامعة العربية هي خطوة إلى الأمام باتجاه الحل السياسي، وتوازيها مع السير نحو التسوية السورية التركية، ونحو تعاون وتوافق بين الدول العربية الأساسية وأستانا، هذه جميعها، هي الإحداثيات اللازمة لتنفيذ الحل السياسي الشامل وفقاً للقرار 2254.

وبكلمة، فإنّ المستفيد الحقيقي مما يجري ليس المتشددين في هذا الطرف ولا ذاك، بل على العكس تماماً مما يسعون لتصويره، هم الأشد تضرراً في نهاية المطاف...

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1123
آخر تعديل على الأحد, 21 أيار 2023 20:13