كيف يتعامل الغرب مع عودة سورية إلى الجامعة العربية؟

كيف يتعامل الغرب مع عودة سورية إلى الجامعة العربية؟

منذ تم الإعلان عن قرار الدول العربية إنهاء تجميد عضوية سورية في الجامعة العربية يوم السابع من الجاري، وردود الأفعال الغربية الرافضة والمهددة والمتوعدة تتصاعد يوماً بعد الآخر. 

فيما يلي، نستعرض أهم ردود الأفعال الأوروبية والأمريكية الرسمية، وننتقل بعدها إلى محاولة تفسير ردود الأفعال هذه وغاياتها. مع الإشارة إلى أنّ ما سنورده من ردود أفعال غربية، ليست إلا جزءاً يسيراً من الإجمالي؛ إذ لم نتطرق هنا مثلاً إلى جملة المقالات والتقارير الإعلامية الغربية التي هاجمت قرار الجامعة العربية، وإنما اكتفينا بجزءٍ من التصريحات ذات الطابع الرسمي.

ردود الأفعال الغربية الرسمية

أولاً- الولايات المتحدة

في إحاطة إعلامية يوم 11 أيار للنائب الرئيسي للمتحدث الرسمي باسم الخارجية الأمريكية، فادانت بيتال، ردّاً على سؤال حول ما إذا كانت الإدارة الأمريكية جاهزة لتنفيذ قانون قيصر مع الدول العربية التي ستطبع مع النظام السوري، قال: «لقد كنا واضحين جداً في أننا لا نسعى إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، ولن ندعم حلفاءنا وشركاءنا في القيام بذلك أيضاً. وهذا هو بالفعل موقف الولايات المتحدة. فيما يتعلق بأية إجراءات، لن أعاينها من هنا...، لكن عندما يتعلق الأمر بمحاسبة النظام السوري، عند محاسبة أعضاء نظام الأسد، لم نتردد في اتخاذ الإجراءات واتخاذ خطوات، بما في ذلك من خلال قانون قيصر».
وفي الإحاطة الإعلامية قبلها، يوم 8 أيار، قال بيتال ردّاً على سؤال حول وجهة النظر في قرار إعادة سورية إلى الجامعة العربية: «لا نعتقد أن سورية تستحق إعادة القبول في جامعة الدول العربية في هذا الوقت، وهي نقطة أوضحناها مع جميع شركائنا. سوف أشير إلى أننا نتشارك في عدد من نفس الأهداف مع شركائنا العرب فيما يتعلق بسورية، بما في ذلك التوصل إلى حل للأزمة السورية يتوافق مع قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254. نعتقد أن هناك حاجة قوية لتوسيع الوصول الإنساني إلى جميع السوريين، وبناء الأمن والاستقرار لضمان عدم عودة داعش، وخلق ظروف آمنة لعودة اللاجئين في نهاية المطاف، والإفراج عن/ أو توضيح مصير أولئك المحتجزين بشكل غير عادل والمفقودين، فضلاً عن وجود فرصة مهمة للحد من نفوذ إيران أيضاً، وكذلك مكافحة تهريب الكبتاغون الذي يحدث من سورية. لذلك، هناك عدد من القضايا التي نعتقد أن شركاءنا سيستخدمون فيها التواصل المباشر مع نظام الأسد لمواصلة الدفع والمطالبة في هذه المجالات».
وعند سؤاله فيما إذا كان هناك ضوء أخضر تم إعطاؤه للدول العربية للمضي قدماً في تطبيعهم مع سورية، قال: «بالتأكيد لن أخوض في تفاصيل المناقشات الدبلوماسية...، لكنني قلت للتو: إننا أوضحنا لجميع شركائنا أن سورية لا تستحق إعادة القبول في جامعة الدول العربية، ما زلنا نعتقد أننا لن نقوم بتطبيع علاقاتنا مع نظام الأسد، ولا ندعم حلفاءنا وشركائنا في القيام بذلك أيضاً».
قدم أعضاء في مجلس النواب الأمريكي يوم الخميس، 11 أيار، مشروع قانون بعنوان «حظر أي عمل رسمي للاعتراف أو تطبيع العلاقات مع أي حكومة سورية بقيادة بشار الأسد، ولأغراض أخرى»، أي أنه يهدف إلى منع الإدارة الأمريكية من الاعتراف ببشار الأسد كرئيس لسورية، وسيكون التأثير العملي لهذا القانون قدرة إضافية للإدارة الأمريكية على فرض عقوبات على دول وجهات أخرى، بموجب قانون قيصر. وأتى هذا المشروع عقب عودة سورية إلى الجامعة العربية.

ثانياً- المملكة المتحدة

في سلسلة تغريدات لوزير الدولة للشرق الأوسط وشمال إفريقيا وجنوب آسيا والأمم المتحدة، طارق أحمد، يوم 7 أيار، والتي أعادت نشرها وزارة الخارجية البريطانية، قال أحمد: «المملكة المتحدة تظل معارضة للتواصل مع نظام الأسد. بشار الأسد مستمر في اعتقال وتعذيب وقتل سوريين أبرياء، ولا يبدي أي مؤشرات على تغيير سلوكه اتجاه شعبه. يجب على سورية الانخراط في العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة، فذلك يظل السبيل الوحيد لإحلال سلام دائم ومستدام في سورية. كذلك تجب محاسبة من ارتكبوا انتهاكات حقوق الإنسان».
أحد الدبلوماسيين العاملين في بعثة المملكة المتحدة إلى الأمم المتحدة، توماس فيبس، والذي مثل المملكة المتحدة في جلسة لمجلس الأمن في 8 أيار حول الوضع في الشرق الأوسط، وبالتحديد حول الأسلحة الكيماوية، كتب في تغريدة عقب الجلسة: «على خلفية عودة سورية للانضمام إلى جامعة الدول العربية، نذكّر مجلس الأمن الدولي بأن النظام السوري قتل مواطنيه في مناسبات متعددة بهجمات كيماوية. إنه لأمر مُخزٍ أن يفشل مجلس الأمن الدولي في محاسبة النظام على هذه الجرائم المقيتة. تتحمل روسيا المسؤولية الأساسية عن فشل مجلس الأمن. لا يزال برنامج الأسلحة الكيميائية في سوريا يشكل تهديداً للسلم والأمن الدوليين، ويجب على مجلس الأمن الدولي أن يظل مركزّاً. يجب علينا أيضاً أن نواصل السعي إلى المساءلة بأي وسيلة ضرورية».

ثالثاً- الاتحاد الأوروبي

وفق مقالة في وكالة الأناضول يوم 8 أيار، قال المتحدث باسم الاتحاد الأوروبي للشؤون الخارجية بيتر ستانو: إن منسق السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل «سيجري محادثات مع الشركاء في المنطقة لمعرفة أسباب هذا القرار أو التوقعات منه».
وفي لقاء مع تلفزيون سوريا، قال ستانو: إن الموقف الأوروبي لن يتغير من النظام السوري، إنْ لم ينخرط في العملية السياسية، وإن الأخير هو المسؤول الأول عن تجارة الكبتاغون، وأضاف: «لن نطبع ولن نرفع العقوبات عن نظام الأسد»، مشيراً إلى أن أوروبا لا تتخلى عن الشعب السوري، وأنه لا أساس للحل في القضية السورية خارج إطار القرار 2254.

رابعاً- ألمانيا

حول التقارب العربي- السوري، كتب المبعوث الألماني الخاص لسورية، ستيفان شنيك، في تغريدة يوم 9 أيار: «تتابع ألمانيا عن كثب تقارب الدول العربية والأسد: من الأهمية بمكان استخدام التطبيع، بما يشمل إعادة القبول في جامعة الدول العربية، كوسيلة ضغط على الأسد لتحقيق تقدم للشعب السوري، وفي العملية السياسية التي تقودها الأمم المتحدة، بما يتماشى مع القرار 2254. يبقى موقفنا ثابتاً دون تغيير»
وردّاً على تغريدة لوزير الخارجية الأردني حول اجتماع عمان، كتب شنيك في تغريدة يوم 4 أيار: «تقدر ألمانيا بشدة علاقتها الوثيقة مع الأردن. من المهم أن نعمل معاً لتقديم حل سياسي شامل في سوريا بما يتماشى مع قرار مجلس الأمن رقم 2254. سوف نستمر في دعم نهج «خطوة مقابل خطوة» الذي تقوده الأمم المتحدة».
من المثير للاهتمام، أن شنيك كتب في تغريدة يوم 11 أيار: «لقد أخذنا علماً باجتماع وزراء خارجية (إيران وروسيا وسورية وتركيا) في موسكو أمس. يجب على هذه الأطراف تحسين الوضع الأمني ​​في شمال سوريا، والحد من الأعمال العدائية، وتحسين حماية المدنيين وتعزيز وصول المساعدات الإنسانية.» وتابع في تغريدة أخرى: «هناك حاجة كبرى للتقدم في هذا الاتجاه، وهو ما سيفيد السوريين الأكثر ضعفاً. كما ينبغي على تلك الدول المساهمة في الجهود الإنسانية للأمم المتحدة لتوفير الغذاء والمأوى للسوريين المحتاجين».
ووفق مقالة في العربي الجديد يوم 8 أيار، قالت الحكومة الألمانية: إن نظام الأسد يواصل إعاقة تقدم العملية السياسية في سورية، وأنه لا يوجد أي تغيير في موقفها حيال التطبيع معه. ووفق المقالة، أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الألمانية كريستوفر برغر، في تصريح صحافي له، أنه من المهم بالنسبة لألمانيا وشركائها المقربين، أن تبذل الدول العربية جهوداً في إعادة سورية إلى الجامعة العربية، وأضاف: «لكن من المهم أن يؤسسوا جهود التطبيع، على شرط تقديم النظام السوري تنازلات كبيرة من أجل إيجاد حل مستدام للصراع وتحسين الظروف المعيشية للسوريين». وأشار إلى عدم وجود نية لألمانيا في التطبيع مع النظام السوري الذي يواصل إعاقة العملية السياسية المبنية على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254.

خامساً- فرنسا

في اللقاء الذي أجراه تلفزيون سوريا، أكّدت المبعوثة الفرنسية إلى سوريا بريجيت كورمي: أن بلادها لن تسير خلف قطار التطبيع العربي مع النظام السوري، مؤكدة على أن العقوبات الفرنسية «لا تزال فعالة وأثّرت على النظام السوري... ولن نتخلى عنها كونها أداة مهمة». وأشارت إلى أن على الدول التي طبّعت علاقاتها مع النظام، الضغط عليه، مبينة أنه من الصعب على التحرك العربي أن يحصل على نتائج من هذا التطبيع الذي لا يحمل أي شروط: «التطبيع من دون مقابل لن يأتي بنتائج».
كما صدر قرار من محكمة النقض الفرنسية يوم 12 أيار، بموجبه أتاح القضاء الفرنسي لنفسه النظر في الجرائم المصنفة كجرائم ضد الإنسانية، أو جرائم حرب، حتى عندما تكون الأفعال قد ارتكبت خارج فرنسا وحتى إن لم يكن من ارتكبها أو من ارتكبت بحقه فرنسي. بكلام آخر، يمكن محاكمة أي مواطن أجنبي أمام محكمة فرنسية، بشرط أن الوقائع التي يصفها القانون الفرنسي كجريمة ضد الإنسانية أو جريمة حرب. وحول الموضوع، نشرت محكمة النقض الفرنسية بياناً صحفياً بعنوان: «الاختصاص العالمي للعدالة الفرنسية على الجرائم المرتكبة في سورية». وفي تغريدة لها حول القرار، قالت مبعوثة فرنسا لسورية، بريجيت كرمي: «قرار مهم للغاية لمحكمة النقض، والذي يعترف بالاختصاص العالمي للعدالة الفرنسية فيما يتعلق بالجرائم المرتكبة في سورية. أكثر من أي وقت مضى، يمكن ويجب أن يستمر الكفاح ضد الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة في سورية».

1122-2

ما هي الغايات؟

يقع البعض في تناقضات محرجة لدى تشخيصهم لسلوك الدول العربية اتجاه سورية بالعلاقة مع الولايات المتحدة ومواقفها؛ إذ إنّ هنالك وجهتي نظر متطرفتين كلاهما خاطئ؛ الأولى تقول: إنّ الدول العربية إنما اتخذت قرارها هذا بضوءٍ أخضر أمريكي، وأنه لا يمكنها أساساً أن تتخذ قراراً كهذا لولا وجود سماح أمريكي وتطمينات أمريكية. الثانية تقول: إنّ الدول العربية قد شقت عصا الطاعة على الأمريكي بشكل جماعي، واتخذت قرارها رغماً عن التحذيرات الأمريكية المتكررة.
ما نعتقده، أنّ الحقيقة هي في مكان ثالث، وأنّ أحد مسببات الوقوع في التحليلات الخاطئة في هذا الشأن، هو التعامل مع الدول العربية بوصفها كياناً واحداً يتحرك بشكل موحد وبأهداف موحدة، ومسبب آخر، هو استمرار البعض بالبكاء على الحائط الأمريكي المتداعي، معتقداً أنّ هيكل السلطة العالمية لا يزال وراء ذلك الحائط.
وإذاً علينا أن نقرر الحقائق التالية، التي هي نفسها تسمح بفهم غايات الغرب من موقفه الموحد ضد إعادة سورية إلى الجامعة العربية:

أولاً: رغم وجود تناقضات بين الدول العربية بما يخص سورية، ورغم أنّ قسماً من هذه الدول تعمل فعلياً بالتنسيق الكامل مع الغرب ومع «إسرائيل» وتحت مسمى «خطوة مقابل خطوة» خصوصاً، إلا أنّ المحصلة العامة لعمل الدول العربية لا تعمل اليوم تحت المظلة الأمريكية، ولا بالضوء الأخضر الأمريكي.
بكلامٍ أوضح، فإنه إذا كانت دول، مثل: الإمارات أو الأردن، يتم استخدامها غربياً كبوابة خلفية للعب أدوار محددة في سورية، فإنّ وزنها الإجمالي لا يسمح لها بتحديد الاتجاه العام الذي تسير عليه الأمور على الساحة الرسمية العربية في تعاملها مع الوضع السوري. فإذاً، إنّ محصلة القوى ضمن المستوى الرسمي العربي في التعامل مع سورية، ليست تحت القبضة الغربية، وليست في المصلحة الغربية في حقيقة الأمر...
ثانياً: الحنق الغربي الظاهر، ربما يلعب دوراً مزدوجاً؛ فهو من جهة تهديد حقيقي لتلك الدول العربية التي بدأت بالتغريد خارج المنظومة الأمريكية، وهو في الوقت نفسه تغطية على الدول العربية التي تواصل لعب دور الباب الخلفي تحت مظلة موقفٍ «يبدو معادياً للغرب»... أي أنّ الغرب والأمريكان والصهاينة، ما يزال لديهم أمل في قلب المعادلة لصالحهم بطريقة ما، عبر التهديد والوعيد، وعبر تفعيل الوكلاء الوظيفيين إلى الحد الأقصى، ناهيك عن العمل التخريبي داخل سورية نفسها وفي محيطها، باستخدام القضايا الاقتصادية، والقضايا الأمنية، وبالاتكاء دائماً وأبداً على الفساد الكبير للمتشددين، الذين هم على استعدادٍ دائم للدخول في أي رسمةٍ تخريبية، ومهما بلغ تأثيرها على سورية والشعب السوري، ما دام ذلك يقدم مخرجاً لهم، ولو مؤقتاً، من استحقاقات التغيير والحل السياسي.
ثالثاً: لا ينبغي أن يسقط من الحساب، ولو للحظة، أنّ التوازي الجاري بين التقدم في التسوية السورية التركية والتسوية العربية السورية، ليس مصادفة، وهو أيضاً ليس تنافساً محضاً بين تيار غربي وتيار أستاني، كما يجري تصويره من قبل البعض... فالحقيقة أنّ مؤشرات التنسيق العالي، على الأقل بين روسيا والسعودية في المسارين، باتت أصعب من القفز فوقها، وهذا بات ممكناً بشكل كبير بعد التسوية السعودية الإيرانية بالرعاية الصينية... وهذا النوع من التنسيق هو ما يستنفر الولايات المتحدة والغربيين إلى الحد الأقصى... فسيره نحو نهاياته يعني أنّ تكاملاً بين المسار العربي ومسار أستانا سيتم تحقيقه، وسيسمح بتأمين الظروف المطلوبة لحل شامل وكامل لسورية وعلى أساس القرار 2254، وبغض النظر عن الإرادة الغربية.

أمام هذه المعطيات، يغدو من المفهوم تماماً حجم الصراخ الغربي ضد التطورات الأخيرة الخاصة بالملف السوري؛ فما «يناضل» الغرب من أجله، ليس طبعاً الحل السياسي، ولا مصلحة السوريين، وإنما بالذات حصته وموقعه ضمن الحل، وضمن الشرق الأوسط على العموم...

معلومات إضافية

العدد رقم:
1122
آخر تعديل على الإثنين, 15 أيار 2023 09:35