افتتاحية قاسيون 1083: سورية تركيا إلى أين؟
أثارت التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية التركي حول سورية موجة من ردود الأفعال غلب عليها التشنج من جانب المتشددين من الأطراف السورية. وهذا ليس مفاجئاً بطبيعة الحال، فقد عوّدنا المتشددون أن يبذلوا قصارى جهدهم في عرقلة أية خطوة من شأنها تقريب الحل.
ما ينبغي أن يتأسس عليه فهم التطور في الموقف التركي، هو طبيعة الصراع العالمي الجاري، وما ينتجه من تحولات كبرى في موازين القوى، وفي تموضع الدول والتيارات المختلفة على مختلف المستويات.
وليس صعباً في هذا السياق الاستنتاج أنّ تصريحات وزير الخارجية التركي ليست مبادرة تركية منفردة، بل عمل منسق ضمن ثلاثي أستانا، الذي يتقدم بشكل مستمر نحو انتزاع مبادرة تنفيذ الحل في سورية عبر 2254 بغض النظر إن اشترك الغرب في ذلك أم لم يشترك. ونقول إنّ التصريحات ليست مبادرة منفردة، لأنها قد سُبقت بتصريحات وإشارات روسية متعددة في الاتجاه نفسه، وكذلك بتصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته الأخيرة لدمشق، والتي وصف فيها الأزمة بين سورية وتركيا بأنها «سوء فهم»، وقال: «نحاول حلّ سوء الفهم بين سورية وتركيا عبر الطرق الدبلوماسية والحوار».
تمتد الحدود السورية التركية على أكثر من 900 كم، وهي أطول حدود برية لسورية مع الجوار، وإضافة لذلك، فإنّ هذه الحدود تاريخياً هي حدود حيّة تملؤها التجمعات السكنية والمدن على الجانبين، شأنها شأن الحدود مع لبنان، وخلافاً لوضع الحدود مع العراق والأردن. وقد نتج عن ذلك تداخلٌ سكاني كبير وقديم. هذا إلى جانب مسألة الموارد المائية التي تتمحور حول الفرات ودجلة وإنْ لم تكن محصورةً بهما.
كل هذه العوامل مجتمعة، وضمن الظرف الدولي الجديد، تجعل من الوصول إلى علاقات طبيعية بين سورية وتركيا مسألة أمن وطني لكلا البلدين. وبالملموس المباشر، فإنّ كسر الحصار الغربي على سورية، لا يمكن أن يتم بشكل فعلي دون تحويل الحدود السورية التركية إلى أداة أساسية في محاصرة الحصار الغربي المفروض.
ولكن هذا كلّه لا يمكن أن يتحقق دون إشارات ملموسة من تركيا اتجاه مسألتين أساسيتين؛
الأولى هي إثبات أنه ليست لديها مطامع توسعية في سورية، وإثبات احترامها للسيادة السورية ووحدة سورية، وهو أمرٌ تعبر عنه كلامياً حتى الآن، وهذا أمر جيّد لكنه غير كافٍ، ولن يُستكمل ولن تتحقق مصداقيته دون أفعالٍ ملموسة تثبت ذلك.
المسألة الثانية: هي احترام سيادة الشعب السوري في تقرير مصيره بنفسه عبر الحل السياسي الشامل وفق 2254، والذي ينص على حوارٍ بين مختلف الأطراف السورية، وليس «حسماً» أو «إسقاطاً»، والتصريحات الأخيرة تشير إلى اقتراب تركي جزئي من جوهر القرار، ولكنه أيضاً غير كافٍ؛ إذ يجب أن ينعكس في الموقف من الحوار السياسي المطلوب بين السوريين، والذي يجب أن يكون حواراً شاملاً لا يستثني أي مكون سياسي، بما في ذلك مَسد التي ما يزال الموقف التركي المتشنج منها غير مفهوم؛ لأنّ المواقف المتشنجة التي تغلق الآفاق أمام أي طرفٍ سوري وتسعى لمنعه من الاشتراك في الحل الشامل، من شأنها فقط أن تعزز العمل الأمريكي باتجاه التقسيم... وبالتوازي فإنّ المصلحة الوطنية، ومصلحة مجلس سورية الديمقراطية وما يمثله، تصبّان في اتجاه واحد، هو اتجاه الابتعاد عن الأمريكان وألعابهم التخريبية.
إنّ نموذج الحل القادم في سورية، والذي يجب أن يشمل الجميع، وأن يقوم على الحوار، يمكنه هو نفسه أن يتحول إلى عدوى إيجابية في المنطقة، وفي تركيا نفسها، التي لا يمكن أن يتحقق أمنها الوطني بشكل مستقر ومستدام دون الوصول إلى صيغٍ أخوية للتعاون ولحل المشكلات عبر الحوار...
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1083