حول تصريحات وزير الخارجية التركي

حول تصريحات وزير الخارجية التركي

تتوالى حتى اللحظة ردود الأفعال المختلفة على تصريحات وزير الخارجية التركية جاويش أوغلو، والتي أطلقها يوم الخميس الماضي 11 آب. في تصريحاته قال أوغلو: إنه قد أجرى حديثاً قصيراً مع وزير الخارجية السوري فيصل المقداد على هامش اجتماع دول عدم الانحياز الذي جرى في تشرين الأول الماضي (قبل حوالي 10 أشهر).

وأضاف أوغلو: «بوتين والمسؤولون الروس قالوا لنا منذ فترة طويلة دعونا نوصلكم بالنظام... كانت هناك لقاءات بين أجهزة المخابرات في البلدين لفترة... الآن بدأت مرة أخرى... تتم مناقشة قضايا مهمة في هذه الاجتماعات».
وقال: «في سورية هناك نظام وهناك معارضة، ومع مرور 11 عاماً، مات الكثير من الناس، وترك العديد من الناس بلادهم، هؤلاء يجب أن يعودوا... لا يمكن لأحد أن يساعد في البناء دون وقف إطلاق النار، ونحن بصفتنا تركيا، سنبذل قصارى جهدنا، لكن وقف إطلاق النار في قلب كل هذه الأمور، لذا سوف نسرع جهودنا في هذا الشأن».
وأضاف وزير الخارجية التركي: «علينا أن نصالح المعارضة والنظام في سورية بطريقة ما وإلا فلن يكون هناك سلام دائم... يجب أن تكون هناك إدارة قوية لمنع انقسام سورية، والإرادة التي يمكنها السيطرة على كل أراضي البلاد لا تقوم إلا من خلال وحدة الصف».
وكانت تصريحات للرئيس التركي قد سبقت تصريحات وزير خارجيته ببضعة أيام، تصب في الاتجاه العام نفسه، وإنْ كانت أقل مباشرة.
وما ينبغي التذكير به في إطار قراءة هذه التصريحات الجديدة، هو أنّ هنالك سياقاً ممتداً لها وليست انقلاباً أو انعطافاً مفاجئاً؛ فإضافة إلى التصريحات الروسية المتكررة عن ضرورة حل القضايا العالقة بين تركيا وسورية عبر الحوار، فقد كانت لافتةً أيضاً تصريحات وزير الخارجية الإيراني خلال زيارته لدمشق قبل أكثر من شهر، وتحديداً يوم 2 تموز الماضي، والتي قال فيها: «إنّ إيران تتفهم المخاوف التركية، ولكنها تعارض أي عمل عسكري في سورية»، وأضاف: «نحاول حلّ سوء الفهم بين سورية وتركيا عبر الطرق الدبلوماسية والحوار»... وكان المحرر السياسي لقاسيون قد نشر مادة حول الموضوع في حينه بعنوان: حول «سوء الفهم» بين سورية وتركيا.
المواقف الروسية والإيرانية والتركية، بطبيعتها وتوقيتها، تؤكد أنّ السياق العام لتصريحات أوغلو وللتصريحات التركية عموماً، ليس سياقاً ثنائياً سورياً تركياً، بقدر ما هو سياق عملٍ مشتركٍ لثلاثي أستانا، ربما تعكس هذه التصريحات مرحلة من مراحله التي تم إقرارها في كلٍ من قمتي طهران وسوتشي المنعقدتين على التوالي في 19 تموز، و5 آب من هذا العام.

ردود الأفعال

ليست مستغربةً ولا مفاجئةً على الإطلاق، ردود أفعال المتشددين من الطرفين السوريين، والذين يتقاطعون في الموقف العملي للمرة الألف وأكثر عبر سنوات الأزمة؛ فعلى ضفة متشددي المعارضة- وليس المقصود هنا الناس العاديين الذين استشعروا غدراً أو خيبة أملٍ بين الواقع وبين ما كانوا يوعدون به أو يتوقعونه- نقول: إنه على ضفة متشددي المعارضة، ظهرت مواقف متشنجةٌ قادتها بشكل أساسي تلك التيارات المقربة من بريطانيا وأمريكا، وخاصة بعض الجهات المعروفة بانتمائها لتنظيم الإخوان المسلمين المركزي، أي التابع مباشرة للمركز الغربي. وعلى ضفة المتشددين ضمن النظام لم يكن الحال أحسن إطلاقاً؛ فهؤلاء عبروا عن سخطهم ورفضهم لأي حوارٍ أو تفاهم مع تركيا، حتى وإنْ كان على قاعدة وحدة الأراضي السورية وسلامتها، وحتى وإنْ كان الوسيط في ذلك هم الروس والإيرانيون!

معنى الأفعال

فهم المعنى العميق لردود الأفعال الحادة هذه، لا ينفصل عن فهم معنى التصريحات نفسها وسياقها العام الذي ترعاه أستانا.
إذا تركنا جانباً البيان الختامي لكل من قمتي طهران وسوتشي، حيث لا جديد يذكر، فإنّ الأكيد هو أنّ تصريحات بوتين خلال قمة طهران والبيان الرسمي للكرملين قبلها بيوم، قد حمل جديداً مهماً، يمكن الآن تلمس معانيه بشكل أوضح من اللحظة التي أطلقت فيها تلك التصريحات. في حينه قال البيان الصحفي للكرملين الذي سبق القمة، وهو ما كرره بوتين في كلمته الافتتاحية ضمنها: «من المقرر خلال القمة الحالية تبادل الآراء في المسائل المفتاحية للتفاعل ضمن هذا الإطار وتحديد الخطوات المشتركة باتجاه تحقيق أهداف الوصول إلى تسوية نهائية ودائمة في سورية».
بأخذ كل هذه المعطيات بعين الاعتبار، فإننا إذا أردنا أن نجمل النتائج الظاهرة حتى الآن- وفقاً لتقديرنا وتوقعاتنا- من كلٍّ من قمتي طهران وسوتشي الأخيرتين، يمكن أن نجملها بما يلي:

أولاً: منع أية عملية عسكرية تركية جديدة في الشمال السوري.
ثانياً: العمل المشترك لإخراج الأمريكان نهائياً من سورية، عسكرياً وسياسياً.
ثالثاً: تأمين الظروف اللازمة لحصول توافق نهائي ومستدام بين الأطراف السورية، ينزع فتائل التفجير الحالية واللاحقة، عبر تأمين رضا واسع بين السوريين عن الحل القادم، وعبر تغيير عميق يشترك في صنعه كل من النظام والمعارضة.
رابعاً: تأمين المخارج الاقتصادية والسياسية اللازمة لاستدامة الحل، والتي تتطلب بالضرورة إنهاء الابتزاز الأمريكي بأداة العقوبات مرة وإلى الأبد، وهذا لن يمر دون شكل من أشكال التفاهم بين تركيا وسورية، بحيث تتصل الجغرافيا الاقتصادية لسورية مع الشرق، ويتم عبر ذلك وضع الأساس لتذليل المصائب الاقتصادية على كافة الصعد.

يمكن فهم هذه البنود الأربعة- الافتراضية ولكن المعقولة في الوقت نفسه- على أنها انتزاع نهائي لزمام مبادرة التنفيذ الكامل للقرار 2254 من قبل ثلاثي أستانا، وبغض النظر أراد الغرب المشاركة في التنفيذ أم لم يرد.

معنى ردود الأفعال

المتضرر من الدفع بهذا الاتجاه على المستوى الدولي هو الأمريكان بالدرجة الأولى، ومعهم الغرب والصهاينة، وعملاؤهم بطبيعة الحال. وعلى المستوى المحلي فإنّ المتضرر الأساسي هم نخب النهب والفساد وتجار الحرب الذين بات استمرار الأزمة أداتهم الوحيدة في الاستمرار في السيطرة على الأدوات والمواقع التي يتربحون من خلالها.
ما يلفت النظر حقاً، هو أنّ عاصفة ردود أفعال المتشددين هذه، قد جاوزت بحدها وبحدتها أية ردود أفعال سابقة على مشاريع من نمط خط الغاز «العربي»، أو مشاريع من النمط الذي طرحته مراراً ما تسمى بالمجموعة المصغرة الغربية، والتي تضمنت وضوحاً دعوات لتقسيم سورية... ومرة أخرى، ليس هذا بمستغرب، فمجمل البنية التي يتكون منها الفضاء السياسي القديم للنظام والمعارضة على حدٍ سواء، قد تربى وترعرع في ظل التوازن الدولي القديم الذي يسود فيه الغرب، وبات مرتبطاً بحبل السرة مع ذلك الغرب، ولا يمكنه الاستمرار دونه...
وبطبيعة الحال، لن تنتهي ردود الأفعال عند ما قيل حتى اللحظة، ولكن ستستمر... والجيد في الموضوع هو أنّ الأفعال هي الأخرى، لن تتوقف عند الحد الذي وصلت إليه، بل ستستمر أيضاً...

 

(النسخة الانكليزية)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1083
آخر تعديل على الإثنين, 22 آب/أغسطس 2022 18:02