افتتاحية قاسيون 1069: مانحو العقوبات و«تطبيع» الكارثة!

افتتاحية قاسيون 1069: مانحو العقوبات و«تطبيع» الكارثة!

تنعقد يومي التاسع والعاشر من الجاري النسخة السادسة من مؤتمر بروكسل لـ«المانحين الدوليين لسورية». وإنْ كانت هذه النسخة لا تختلف كثيراً عن سابقاتها بما يتعلق بتعهداتها المالية «الرمزية» مقارنة بالوضع الكارثي للسوريين، وكذلك بتدني نسب التنفيذ الفعلي مقارنة بالتعهدات، ناهيك عن غموض آليات الصرف وجهاته، فإنها تختلف في أمرين أساسيين:

الأول: هو الظرف الدولي الذي تُعقد ضمنه، بما في ذلك ظروف «المانحين» الداخلية، والأوربيين منهم خاصة، والذين كانوا يعيشون أصلاً ظروفاً معقدة اقتصادياً، وباتوا الآن في خضم أزمة اقتصادية غير مسبوقة، لا تزال في بداياتها الأولى فحسب، ولن تكف عن التعمق، وفقاً للخبراء الغربيين قبل غيرهم... ما سيضعهم في موقع من يحتاج المعونة أكثر بكثير من موقع من يقدم المعونة للآخرين. وذلك كله يجعل السؤال عن قدرة هؤلاء «المانحين» على تقديم «منحهم» موضع تساؤل جدي، ناهيك عن أن كل النسخ السابقة منحت السوريين مهرجانات سياسية لا تعوض بمجموعها- وبما دفع فيها- عن الضرر الفعلي الذي أوقعته عقوبات هؤلاء «المانحين» أنفسهم!

الثاني: هو أنّ هذا المؤتمر يأتي بعد كلامٍ كثيرٍ قيل عن «الخطوة مقابل خطوة»، وكان متمحوراً طوال الوقت حول خطوات معينة متبادلة بين النظام وبين ما يسمى «المجتمع الدولي» - أي الغرب. وهي خطواتٌ لا تستهدف التنفيذ الفعلي للحل السياسي وللقرار 2254، ولكن تتمركز حول آليات تمديد الكارثة مع «تطبيعها»، عبر خطوات رمزية، بينها البدء بحل جزئي لمسألة المعتقلين، وهي المسألة الشديدة الأهمية، ولكن الجانب السيء في المنطق الذي يقدمه «المجتمع الدولي» لحلها هو التعامل مع المعتقلين كورقة تفاوضية، مقابل زعم تخفيف بعض العقوبات، ومقابل «منحٍ» مفترضة، ليس واضحاً حجمها (رغم هزالته الواضحة)، وأكثر من ذلك، فليس واضحاً كم من القدر الهزيل المفترض سيصل لمن يحتاجونه فعلاً...

بالنظر بشكل واقعي لحجم وطبيعة الكارثة التي يعيشها السوريون على مختلف الصعد، ابتداءً من انعدام الأمن الغذائي لدى ما يصل إلى 12 مليوناً، ومروراً بكوارث الطاقة وخراب الإنتاج وشلل الاقتصاد، وليس انتهاءً بتغوّل الاقتصاد الإجرامي بأشكاله المتعددة...

وبالنظر بشكل واقعي إلى التغير العاصف الذي يشهده العالم، والذي نرى خلاله التراجع المتسارع للمنظومة الغربية بكل أركانها، وبدءاً من أساساتها الاقتصادية والمالية... ونرى فيه كل الدول التي تريد استقلالاً وتريد مستقبلاً تنفك بشكل متسارع من الأسر الدولاري.

في ظل هذه الوقائع الكبرى، فإنّ الحقيقة الواضحة سورياً، هي أنّ خط السير الصحيح هو التوجه شرقاً بكل معنى الكلمة، سياسياً واقتصادياً. وهذا يعني القطع مع اللبرلة وسياساتها المستقاة من البنك وصندوق النقد الدوليين، والقطع مع مساومات «المانحين» التي لا يبغون منها سوى إطالة الكارثة وتعميقها. خط السير الواضح هو التوجه شرقاً بالتخلي عن المنظومة الدولارية وعن الأوهام التي تبيعها.

وخط السير هذا يعبّر في نهاية المطاف عن مصالح عميقة اقتصادية- اجتماعية لا تصبّ بأي حال من الأحوال في مصالح الناهبين المرتبطين عضوياً ومنذ عقود طويلة مع الغرب ومنظومته.

وبالمحصلة، فإنّ خط السير شرقاً يمر بالضرورة عبر حل سياسي جذري يبلور إرادة النهوض بسورية والشعب السوري من المستنقع، وهذا إذ يتطلب تكاتف الوطنيين السوريين، فإنه يتطلب أيضاً وعيهم بأنّ طريق هذا الحل هو تنفيذ القرار 2254، ويتطلب ضمناً عملهم معاً للدفع نحو تنفيذه كاملاً.

(English version)

 

معلومات إضافية

العدد رقم:
1069