افتتاحية قاسيون 1068: تدهور أوضاع الطبقة العاملة السورية

افتتاحية قاسيون 1068: تدهور أوضاع الطبقة العاملة السورية

يمر عيد العمال العالمي على الطبقة العاملة السورية وهي في أشد أحوالها فقراً وقهراً. وإذ لا يحمل هذا العيد ببعده السوري أية بهجة خاصة للعامل السوري، فإنه يحمل- بشكل أكثر كثافة- المضامين النضالية والثورية التي يتطلبها التغيير الجذري للواقع الكارثي الذي يعيشه هذا العامل، وكذا واقع بلاده المأساوي...

الطبقة العاملة في سورية هي أوسع الطبقات عدداً، وتشكل بتنويعاتها المختلفة بما في ذلك العمال الزراعيين، وعمال المياومة وغيرهم، الأغلبية الساحقة من السوريين. تحصل هذه الطبقة اليوم على ما لا يزيد عن 13% من إجمالي الثروة التي ينتجونها كلها تقريباً، بينما يحصل أصحاب الأرباح على 87% من تلك الثروة.

ومع استمرار الأزمة وتعمقها، تستمر السياسات الليبرالية المتوحشة المتماشية مع توصيات صندوق النقد والبنك الدوليين: من رفع الدعم وصولاً للحديث اليوم عمّا يسمى «الدّعم النقدي» الذي يمثل الخطوة الأخيرة قبل نسف الدّعم كلياً، إلى التبني المستجد لمقولة أخرى من مقولات صندوق النقد هي: «ربط الأجور بالإنتاج»، والتي يستوردها مسؤولونا كما هي ليطبقوها علينا، متجاهلين أنها تمثل درة «النتاج الفكري» لمصاصي الدماء الدوليين. وإلى التدمير الممنهج للإنتاج لمصلحة النشاطات غير الإنتاجية، وبما يفتح الباب لنمو الاقتصاد الأسود والإجرامي، وإلى إحكام المحتكرين الكبار- وبمساعدة الحكومات المتعاقبة- قبضتهم على أعناق السوريين في معظم البضائع الأساسية.

وذلك كله بالتوازي مع الانخفاض المريع لمستوى الحريات السياسية، والذي يُقيد النشاط السياسي والنقابي والشعبي الحقيقي المطلوب لمجابهة هذه السياسات التي تصب ضد مصلحة الناس وضد مصلحة البلاد.

وفوق ذلك كله، العقوبات الغربية التي تتماشى مع الفساد الكبير وتغذيه وتقويه...
كل هذا أدى بحال الطبقة العاملة السورية إلى تدهورٍ غير مسبوق، نذكر من بين مؤشراته العديدة:
أولاً: يبلغ الحد الأدنى للأجر في سورية حوالي 93 ألف ليرة سورية، بينما يبلغ الحد الأدنى لتكاليف معيشة أسرة من 5 أفراد قرابة مليون و800 ألف ليرة سورية. أي أنّه بافتراض أنّ هنالك معيلين في كل أسرة (كان وسطي الإعالة سابقاً هو 1/4)، فإنّ الأجر لن يتجاوز 10% من الحد الأدنى لتكاليف المعيشة. ما يعني أنّ الطبقة العاملة في سورية لم تعد تحصل على ما يكفي لإعادة الإنتاج البسيط لنفسها... أي إنّ «رأس المال البشري» السوري، وعبر السياسات الليبرالية، يجري تدميره بشكل ممنهج وسريع.

ثانياً: ليس من دراسات دقيقة حول وسطي العمر بين السوريين هذه الأيام، ولكنّ مما لا شك فيه أنّ هذا الوسطي قد انخفض عن السابق، ليس بسبب العمليات العسكرية والحرب فقط، بل في هذه السنوات الأخيرة على الخصوص، بسبب الأوضاع الاقتصادية والصحية الكارثية.

ثالثاً: مع استمرار تجريف البلاد من أهلها، فإنّ الطبقة العاملة السورية فقدت كمّاً كبيراً من الخبرات النوعية التي كانت لديها، واختل بذلك تركيبها الداخلي، وتدنى الوسطي العام لخبرتها ومهارتها، وتالياً، مستواها المعرفي وإمكاناتها بشكل عام.

إنّ إيصال الطبقة العاملة إلى حالة لا تستطيع فيها تجديد إنتاج نفسها، يعني إيصال البلاد بأسرها إلى عدم القدرة على تجديد الحياة، ويعني الدخول أعمق وأعمق في وحول الموت والدمار... ولما كان الأمر كذلك فعلاً، فإنّ المخرج كان ولا يزال يتطلب مزيداً من تضافر نضالات الطبقة العاملة، مع الاستفادة من الظروف الدولية المستجدة، التي تسير بسرعة ضد مصالح مصاصي الدماء الدوليين والمحليين، وصولاً إلى تغيير جذري شامل يوقف منحى الموت ويعطي دفعة الحياة للبلاد وأهلها، ابتداءً بحل سياسي شامل على أساس القرار 2254.

(English version)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1068
آخر تعديل على الأحد, 01 أيار 2022 20:22